لماذا يصّر دماغنا أحياناً على خلق ذكريات كاذبة؟

قد نكون جميعنا قد مررنا بظاهرة “تشويه الذاكرة”، أو خلق ذكريات كاذبة، ولكن يبدو بأن الباحثين قد بدؤوا يفهمون كيفية تشكّل الذكريات الكاذبة، فتبعاً لهم، الذكريات الكاذبة هي نتاج نوع من الاختزال الذي يستخدمه الدماغ لتخزين الذكريات بكفاءة.

عند التحدث عن الذكريات الكاذبة، فنحن نتحدث عن أشياء نتذكر حدوثها بوضوح على الرغم من أنها لم تحدث أبداً، وقد تكون هذه الذكرى لحدث تعتقد بأنك حضرته، أو لتفصيل تتذكره بشكل غير صحيح، وهذا الأمر يحدث حتى مع الأشخاص الذين يمتلكون قوة مذهلة على التذكر.

في إحدى الدراسات التي تم إجراؤها في عام 2013 في جامعة كاليفورنيا في إيرفين، تم تجميع مجموعتين من المتطوعين، وكانت المجموعة الأولى تضم أشخاصاً يمتلكون ذاكرة عادية، أما المجموعة الثانية فكانت تضم أشخاصاً يمتلكون ذاكرة خارقة للغاية أو ما يدعى بـ(HSAM)، وكان الأشخاص الذين يمتلكون ذاكرة خارقة يستطيعون تذكر التواريخ والأحداث بشكل أفضل بكثير مما يمكن لمعظمنا تذكره، ولكن مع ذلك، بينّت الاختبارات بأن هؤلاء الأشخاص كانوا ينتجون مقداراً من الذكريات الكاذبة يعادل تماماً الذكريات الكاذبة التي ينتجها الأشخاص العاديون.

استخدم الباحثون نموذج (Deese–Roediger–McDermott) أو (DRM)، وضمن هذا النموذج يتم عرض قائمة مؤلفة من 12 كلمة على مجموعة من المشاركين لتجعلهم يفكروا بكلمات أخرى غير موجودة على القائمة، على سبيل المثال، يمكن أن تكون اللائحة مكونة من 12 كلمة تحتوي على أشياء مثل “سرير”، “راحة”، “وسادة”، “بطانية”، “حلم”، وهلم جرا، ولكن عندما سئل المشاركون عن الكلمات التي كانوا قد رؤوها، تذكروا رؤية كلمة “نوم” كذلك، بل في الواقع، أشار جميع المشاركين في تجربة جامعة كاليفورنيا في إيرفين بأنهم رؤوا تلك الكلمة، والجدير بالذكر أن نموذج (DRM) يمكن أيضاً أن يجعل الأشخاص يتذكرون رؤية تفاصيل غير موجودة في صورة ما.

ولكن مؤخراً، ظهرت دراسة في مجلة (Proceedings of the National Academy of Sciences) قد تحمل دليلاً عما يسبب حدوث هذا، وقد جاء هذه الدليل من خلال بحث العلماء في مسوحات الرنين المغناطيسي الوظيفي المأخوذة لأدمغة مجموعة من المشاركين – ولا سيما منطقة الفص الصدغي.

سمحت التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للباحثين بمراقبة النشاط العصبي الذي يحدث عندما يفكر الأشخاص بالكلمات المستدرِجة، وعندما يفكرون بالكلمات الكاذبة التي اعتقدوا بأنهم رؤوها، وذلك لمعرفة ما إذا كان النشاط العصبي متماثلاً في كلتا الحالتين، وبعد ذلك قاموا بإجراء اختبار للمشاركين باستخدام قائمة (DRM) تعرف بأنها ذات تأثير فعال للغاية في إثارة الذكريات الكاذبة، وبعد أن قام العلماء بدراسة صور الرنين المغناطيسي الوظيفي لكل من هذه الكلمات، وجدوا أن هناك تطابق قوي بين النشاط العصبي لكل من كلمات الاستدراج وكلمات الذاكرة الكاذبة.

يبدو بأن ما يحدث هو أن الدماغ يستخدم أنماط تنشيط مشتركة للخلايا العصبية للكلمات ذات الصلة – والأمر ذاته ينطبق على الصور والأصوات، وما إلى ذلك – ويُحتفظ بها جميعاً معاً في الدماغ للتمكن من تخزينها واسترجاعها بشكل فعال.

تحدث الذكريات الكاذبة لأنها تكون واحدة من مجموعة الكلمات التي يتم تذكرها كمجموعة، وربما لأن تجربتنا في الحياة تعلمنا بأنه من المرجح أن تُستخدم سوياً.

قد يكون هذا الكشف نقطة انطلاق مهمة لظاهرة لطالما سعى العلماء لفهمها بشكل أفضل، فبعد كل شيء، دراسة الذكريات الكاذبة ليست محصورة في المجال الأكاديمي، فقد يعتقد شهود عيان على الجرائم بأنهم رأوا شيئاً كان في الواقع قد قيل لهم في وقت سابق، وقد يكون من الصعب فصل ذكريات الطفولة الكاذبة عن تلك التي حدثت بالفعل، وخصوصاً عندما تكون مؤلمة، ومن جهة أخرى، يستخدم مندوبي المبيعات الذكريات الكاذبة لجعلنا نرغب بشراء منتجاتهم.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير