التصنيفات: الصحة الجيدة

لماذا تسبب لنا الآيس كريم الصداع؟

يبدو بأن أحد أكثر أنواع الصداع إيلاماً، يأتي من واحدة من ألذ الحلويات التي تم اختراعها عبر التاريخ، فبحسب بعض التقديرات، هناك ما يصل إلى واحد من كل ثلاثة أشخاص يعانون من “صداع الآيس كريم” أو “تجمد الدماغ” كما تسمى هذه الظاهرة في بعض الأحيان، وفي حين أن الألم الذي يصاحب الحلويات الباردة كان معروفاً منذ بعض الوقت، إلّا أن أسبابه لا تزال موضعاً للنقاش.

كانت المرة الأولى التي ظهر فيها ذكر “صداع الآيس كريم” على الصفحات المكتوبة في عام 1939، وعلى الرغم من أنه قد تم بالفعل مناقشة هذه الحالة في الأدبيات الطبية على الأقل منذ أواسط القرن التاسع عشر، إلّا أنه لم يتم الإعتراف بها رسمياً من قبل جمعية الصداع الدولية حتى عام 1988، وعند ذلك بدأ يشار إلى الحالة باسم “صداع التحفيز البارد”.

في التنقيح الثالث من التصنيفات الدولية لاضطرابات الصداع، والتي تم نشرها في عام 2013، أجمعت مجموعة الباحثين الدولية على أن صداع الآيس كريم، والذي يشار إليه أيضاً باسم “صداع التحفيز البارد”، ينطوي على الألم الذي يبدأ جرّاء تطبيق محفز بارد إما على الرأس أو الفم، ويهدأ بعد فترة قصير من إزالة تأثير المحفز.

على الرغم من أن الصداع عادة ما يصيب منطقة خلف الجبين، إلّا أنه يمكن أن يحدث أيضاً في المنطقة القريبة من الأذنين أو خلف العينين، وبغض النظر عن موقعه، فإن صداع الآيس كريم دائماً ما يكون قوي ونابض، وقصير الأمد، ويمكن لأي شخص مر بتجربة تجمد الدماغ أن يخبرك بأنها تجربة غير ممتعة على الإطلاق.

لأن صداع التحفيز البارد غالباً ما يرتبط مع تطبيق المحفز على سقف الفم، فإن اسمه العلمي هو       (sphenopalatine ganglioneuralgia)، والذي يعني حرفياً “الآلام العصبية الناتجة عن العقدة الوتدية الحنكية”، وهي حزمة من الأعصاب تنقل الأحاسيس من أعلى الفم (في الحنك) إلى الدماغ، ويعتقد بأن الألم يأتي من تمدد وانقباض الأوعية الدموية استجابةً للمحفز البارد، حيث أن أجسامنا تتفاعل مع استشعار البرد عن طريق إرسال كمية من الدم الحار إلى الدماغ كمضاد لهذه الحالة، وهذا التغير السريع في تدفق الدم هو ما قد يكون مسؤولاً عن الألم.

اقترحت بعض المحاولات الأولى لفهم صداع الآيس كريم، بأنه قد يكون نوعاً فرعياً من الصداع النصفي، لأن كلا النوعين يتضمنان ردود فعل مضطربة إستجابة للمثيرات الحسية الخارجية، كما أن توسع وتضيق الأوعية الدموية الذي يحدث أثناء صداع الآيس كريم يعتبر من الأنماط التي يمكن أن تفسر بعض أنواع الصداع النصفي، في حين ذهب آخرون إلى استنتاج أن آلام صداع الآيس كريم هي نوع من “الآلام الرجعية”، وهي ظاهرة غامضة ولكنها معروفة للغاية، حيث يسبب فيها تطبيق محفز على أحد أجزاء الجسم، آلالام في جزء آخر منه.

لا تزال الصلة بين الصداع النصفي وصداع الآيس كريم غير مفهومة تماماً، على الرغم من أن الرابط بينهما أصبح مقبولاً بشكل عام، وذلك بعد أن وجدت دراسة تم إجراؤها في عام 2001 من قبل طبيب الأعصاب (بيتر ماتسون) من مستشفى جامعة السويد، بأن النساء اللواتي تعرضن لنوبة من الصداع النصفي مرة واحدة على الأقل خلال السنة السابقة كن أكثر احتمالاً للإصابة بالصداع جراء تناولهن للماء البارد بمعدل الضعف مقارنة مع النساء اللواتي لم يعانين من الصداع النصفي.

الحنك والدماغ

في عام 2004، قام طبيب أعصاب تركي يدعى (ماجيت سيليكلير) بجمع المرضى الذين تعرضوا إما لنوبات من الصداع النصفي أو الصداع الناتج عن التوتر، وبمساعدة زملائه، قام (سيليكلير) بعد ذلك بإجراء “اختبار الجليد”، وهو يتضمن جعل المرضى يستخدمون ألسنتهم لدفع وتثبيت مكعبات الثلج نحو سقف حلقهم، وكانت النتيجة أن الصداع أصاب حوالي 60% من المرضى، وأكثر من 80% منهم كانوا من الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي.

من ناحية ثانية، اكتشفت عالمة الأعصاب التايوانية (يونغ لينغ فو) أيضاً نمطاً مماثلاً لذلك بين المراهقين التايوانيين، حيث قامت هي وزملاؤها بإجراء مسح يتضمن 9000 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً، وقد أظهرت النتائج أن حوالي 40% من المراهقين كانوا قد اختبروا صداع الآيس كريم من قبل، ولكن انتشار هذه الحالة كان أعلى بـ15% بين الطلاب الذين كانوا يعانون أيضاً من الصداع النصفي، ومن خلال ذلك، اشتبهت (فو) – مثل غيرها من الباحثين- بأن الرابط بين هذين النوعين من الصداع له علاقة مع ديناميكية تدفق الدم بين الحنك والدماغ.

بينما يواصل الباحثون سبر أسرار الأعصاب والأوعية الدموية التي تتعلق بهذه الظاهرة، فقد أصبحت بعض الأمور أكثر وضوحاً على الأقل، حيث اكتشف أحد أطباء جامعة ماكماستر – الذي قام بإجراء تجربته بالتعاون مع ابنته المراهقة وزميلاتها – بأن المراهقين الذين طلب منهم إنهاء تناول وعاء من الآيس كريم بخمس ثوان أو أقل كانوا أكثر احتمالاً للإصابة بصداع الآيس كريم بمعدل الضعف مقارنة مع الطلاب الذين تناولوا الآيس كريم بوتيرة حرة وبطيئة، وهذا يشير بأن المرور السريع للمحفزات الباردة على منطقة الحنك يمكن أن يزيد من احتمال الإصابة بمثل هذا الصداع.

كما وقد أصبح من الواضح أن أشياء أخرى غير الحلويات والمشروبات الباردة يمكن أن تثير هذا الصداع، حيث يمكن أيضاً لركوب الأمواج في فصل الشتاء أن يؤدي للإصابة بهذه الحالة، فتبعاً لطبيب المركز الطبي الأولمبية البريطانية (مارك هاريس)، جميع الأشخاص الذين يلعبون هذه الرياضة، يمكن أن يميزوا ذاك الصداع المقزز الذي يصيب الجبهة الأمامية في غضون ثوان من ركوب الأمواج المتكسرة خلال فصل الشتاء، حيث يستمر الألم من 20 إلى 30 ثانية، ليتجدد مرة ثانية مع قدوم الموجة التالية.

بالنسبة لهواة التزحلق على الجليد ممن هم فوق الـ48 عاماً، فإن تنفس هواء الجليد يمكن أن يؤدي أيضاً إلى الإصابة بنوبات متكررة من تجمد الدماغ، فتبعاً لـ(ستايسي ينكيلوفيتز)، وهي طبيبة أعصاب أسترالية، الهواء البارد الذي يكون منتشراً فوق حلبة الجليد والذي يدخل الجسم عن طريق الفم ويمر عبر الحلق، هو ما يحفز الألم الذي يشعر به هؤلاء الأشخاص على ما يبدو، ولكن لحسن الحظ، فإن هناك علاج سهل لهذه الحالة، حيث يبدو بأن الألم يزول بزوال المحفز، أي بمجرد التوقف عن التزلج تماماً.

منذ حوالي الـ20 عاماً، أشار (جوزيف هوليهان) من جامعة تمبل، إلى أن أولئك الذين يعانون من صداع الآيس كريم ليسوا بحاجة للتخلي تماماً عن تناول الحلوى، فعلى اعتبار أن نهاية الجزء الخلفي من سقف الحلق (الجزء اللحمي اللين) هو ما يؤثر على الإصابة بالألم أكثر من غيره من المناطق، فعلى من يعاني من هذه الآلام محاولة الحد من اتصال الأطعمة الباردة مع هذا الجزء من الفم، علماً أن معظم الأشخاص يتوصلون لتطبيق هذا الإجراء الوقائي دون الحاجة إلى نصيحة طبيب، خاصة وأن الامتناع عن تناول الآيس كريم ليس من ضمن العلاجات المطروحة.

 

شارك
نشر المقال:
Diana