التصنيفات: الصحة الجيدة

لماذا تزداد قوة تأثير البلاسيبو

إن تأثير الدواء الوهمي (البلاسيبو) غريب حقاً، وهو يزداد غرابة، فحبوب السكر تلك – إن لم يكتشف المريض بأنها مزيفة- يمكن أن تشفيه في بعض الأحيان، وعلى مدى العقدين الماضيين، أظهرت الكثير من التجارب السريرية بأن تأثير حبوب السكر يزداد قوة.

في دراسة جديدة، نشرت في مجلة (Pain)، وجد الباحثون بأن الأدوية الحقيقة في عام 1996 كانت تخفف من الألم بنسبة 27% أكثر من الأدواية الوهمية، ولكن في عام 2013 إنخفض ذلك الفارق ليصل إلى 9% فقط.

تبعاً لـ(جورج لويث)، أستاذ البحوث الصحية في جامعة ساوثامبتون، فإن الأمر لا يتمثل بأن الأدوية تصبح أضعف، بل إننا أصبحنا نعلم أخيراً بأن معظم أدوية تخفيف الألم لا تعمل.

الغريب في الأمر هو أن هذا التأثير لم تتم ملاحظته سوى في الولايات المتحدة، وهذا أحد الأسباب التي تجعل شركات الأدوية تواجه صعوبة في جعل المسكنات الجديدة تجتاز مرحلة التجارب، ففي العقد الماضي، فشل نحو 90% من الأدوية المحتملة لعلاج آلام الأعصاب والسرطان في اجتياز هذا الحاجز.

الهدف من التجارب السريرية العشوائية هو معرفة الفعالية الحقيقية للدواء، فإذا كانت ظروف التجارب متماثلة وما يختلف فقط هو حصول أحد المجموعتين على الدواء الحقيقي والأخرى على الدواء الوهمي، فإن مقارنة نتائج المجموعتين يجب تقضي على أي مجال للتحيز.

نظريات البلاسيبو

نحن ما زلنا لا نعرف السبب الذي يجعل البلاسيبو يعمل، لكن انبهار المجتمع الطبي بهذه الظاهرة أدى إلى ظهور بعض  النظريات.

تشير إحدى النظريات إلى أن البلاسيبو لا يغيّر البيولوجيا الأساسية المتعلقة بالحالة المرضية لدى المريض، بل إنه يؤثر على كيفية اختبار الشخص للمرض أو تفاعله معه.

بحسب (جيريمي هاويك)، من جامعة أكسفورد، والذي يعمل على اكتشاف وسائل للتقليص من تأثير البلاسيبو، فإنه في بعض الحالات، يمكن للبلاسيبو أن يؤثر على نظام المكافأة في الدماغ، وهذا يؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية تغّير من الكيفية التي يشعر بها الأشخاص.

من جهة ثانية تشير نظرية أخرى، صادرة عن (نيكولاس همفريز)، وهو طبيب نفساني سابق متقاعد في كلية لندن للاقتصاد، إلى أن البلاسيبو هو مجرد وسيلة لإثارة الجهاز المناعي، فمن وجهة النظر البيولوجية، الجهاز المناعي يتطلب الكثير من الطاقة، لدرجة أنه يمكن أن يستنزف احتياطي طاقة الكائن الحي، لذلك فلربما يكون البلاسيبو بمثابة إشارة لدفع الجهاز المناعي للعمل.

ولكن لم تستطع أي من تلك النظريات تفسير السبب الذي يجعل تأثير الدواء الوهمي يزداد قوة.

أحد التفسيرات التي يمكن أن تكون مقنعة تتمثل في الإعلام، فالولايات المتحدة ونيوزيلندا هما البلدان الوحيدان اللذان يسمحان بترويج الأدوية للمستهلكين مباشرة عبر الإعلام، وازياد عدد الأشخاص الذين يعتقدون بأن حبوب الدواء يمكن أن تكون فعالة بالفعل، جعل من تأثير أدوية البلاسيبو أكثر قوة.

يمكن للأنظمة أن تكون جيدة

ولكن (لويث) كان له تفسير آخر، حيث أشار بأنه يعتقد بأن الإجابة على ذلك اللغز تكمن في الكيفية التي يتم بها تصميم التجارب السريرية التي تم إجراؤها، حيث أن أنظمة التجارب أصبحت أكثر صرامة، وحالياً يجب على الأشخاص الذين يودون إجراء التجارب قضاء فترة أطول مع المتطوعين للحصول على موافقتهم، فالباحثون يجب أن يقوموا بشرح العملية بمزيد من التفاصيل والإجابة على المزيد من الأسئلة، كما أنهم أصبحوا اليوم ملزمين أيضاً من الناحية الأخلاقية بشرح تأثير الدواء الوهمي.

هذا النوع من التدخل غيّر من الاعتقاد الشعبي، فتبعاً لـ(لويث)، بمجرد أن يعلم المتطوعون بأن دواء البلاسيبو يمكن أن يكون له تأثير بالفعل، فإنهم يصبحون أكثر اقتناعاً بأنهم قد يصبحون أفضل حالاً إذا ما تناولوا الدواء الوهمي، وبالإضافة إلى ذلك، أيضا، فإن الأنظمة الجديدة أجبرت الباحثين للوصول إلى أعلى معدلات الإنجاز في التجارب، لذلك كان لا بد على الذين يقومون بإجراء التجارب أن يكونوا  لطيفين في التعامل مع المتطوعين كي يحرصوا على جعلهم يعودون إليهم خلال جميع أجزاء التجربة.

من جهة أخرى، فقد أصبحت التجارب أيضاً أكبر حجماً وأطول مدة مما كانت عليه قبل بضعة عقود، ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإن التجارب غالباً ما يتم تنفيذها من قبل منظمات مستقلة وليس من قبل مستشفيات أو مواقع أكاديمية، لذلك، وفي مثل هذه الحالات، فإن عمل الممرضات يقتصر فقط على مراقبة المتطوعين في التجربة، في حين أن الأمر يختلف كثيراً في ظل الهرج والمرج الذي يسود المستشفيات عادة.

يضيف (لويث) بأن التهذيب واللطف الذي يبديه القائمون على التجارب يعزز من علاقتهم العلاجية مع المتطوعين، وفي مثل هذه الحالات يمكن تفسير تأثير الدواء الوهمي على أنه تدخل نفسي شرعي.

هذه الفكرة ليست مجنونة بالحد الذي نعتقده، فقد أظهرت دراسة تم نشرها في مجلة (Affective Medicine) بأن تأثير الدواء الوهمي كان أكثر قوة بمقدار الضعف في التجارب السريرية التي تم إجراؤها لاختبار أحد مضادات الاكتئاب في عام 2005، بالمقارنة مع تلك التي تم إجراؤها في عام 1985، و قد تم رصد حدوث الشيء ذاته مع مضادات الذهان.

يشكل العامل النفسي في جميع الحالات الثلاث -الاكتئاب والذهان والألم- مكوناً كبيراً، وإن قياس نتائج تدخل بسيط – سواء أتم إدخاله على الأدوية الحقيقية أو الوهمية- يمكن أن يشكل مشاكل حقيقية، لذلك فإن التدخلات النفسية، مثل الأمور التي يمكن أن تتغير في الكيفية التي يتم فيها إجراء التجربة، يمكن أن يعزز من تأثير الدواء الوهمي.

إن استنتاج (لويث) بأن أدوية تثبيط الألم -الجديدة منها والقديمة- قد لا تكون تعمل على النحو المعلن عنها هو أمر مثير لقلق صناعة المستحضرات الصيدلانية، ولكن قد يكون هناك نتائج إيجابية لذلك، فإذا استطعنا من خلال هذه العملية أن نتعلم السبل الصحيحة لاستغلال تأثير الدواء الوهمي بطريقة أفضل، فعندها قد يكون بإمكاننا إيجاد طرق للاستفادة من تلك الدروس في الممارسة السريرية، فحتى الأطباء يتفقون على أنه من الأفضل تجنب إعطاء الأدوية عندما لا يوجد داعٍ ملح لذلك.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير