بقلم: أ.د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى

المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر

  بمجرد ظهور المادة أى مادة (صلبة – سائلة – غازية) وسط الحقل الكيميائى تجدها وان أبت تخضع للفحص والتمحيص البنائى والشكلى ومتابعة كل مايطرأ عليها من تغيُّرات قد تحدث فى الأمر شيئا كان مفعولا. تخضع المادة للعديد من النواميس الطبيعية، الكيميائية والفيزيائية علاوة على البيولوجية. نواميس لا تقبل التجزؤ فهى موحده تتوارثها الأجيال جيل بعد جيل فى هدوء تام وسكينة تملئ الوجدان. فقوانين الحركة والسكون ثابته لاتتغير منذ آلاف السنين لتفاعلها مع واقعنا اليومى من حيث المكان والزمان.

تجزؤ النواميس الكيميائية

من المفترض ان القانون الكيميائى لايتجزأ، بل آن له التجزؤ وسط علاقات رياضية محكمة أمسكت بزمام أموره. فهذا جزئ الأمونيا الذى كان ثمرة تزاوج جزئ النيتروجين مع ثلاثة جزيئات من الهيدروجين تحت ضغط مرتفع ودرجة حرارة عالية (300 ضغط جوي، 475°م)، وهذا كان حصيلة تجارب مهمة للعالم هابر. تزاوج تأكدت صحته على المستوى المعملى، تزاوج تلاشت وثيقة التحقق منه بمجرد تطبيقه على المستوى الصناعى، فأمام الكميات الصناعية الهائلة من جزيئات الهيدروجين والنيتروجين المراد مزجها وتزويجها طبقا لما جاء به العالم هابر كانت قوة جبارة مانعة وممانعة لهذا الزواج. وكأن لسان حال الواقع المكانى يأخذنا الى الجزم بأن النواميس الكيميائية لابد أن تتجزأ ولقد تأكد هذا التجزؤ على يد العالم بوش الذى لم يجحد ما جاء به زميله هابر بل أكده مضيفا الى ماسبق من ظروف تفاعل وجود عامل حفاز مكون من أكسيد الحديد المنشط ببعض أكاسيد المعادن. وكأننا أمام نهر المبادئ الذى يمدنا ببعض ما فيه من مبادئ وكلمات ذهبية والتى منها أنه لكل حادث حديث ولكل مقام مقال، فكان حديث العالم هابر لحادث وجود الأمونيا على المستوى المعملى وكان لمقال العالم بوش المقام الصناعى، وفى نهاية الأمر وجدنا أنفسنا أمام تفاعل هابر- بوش. ولكن هل ينتهى الأمر عند حديث ومقال هابر – بوش؟ كلا البته لم ينتهى الأمر فماهية وتاريخ أى شئ تتوقف على مايطرأ من ظروف.

تجزؤ المبادئ

ومن أطراف ثبوتية تجزؤ النواميس الكيميائية نصعد سويا الى تجزؤ المبادئ. هنا أتوقف قليلا، لا لشئ غير أن آذانى لاتستطيع سماع أن المبادئ تتجزأ. ولكن قبل كل هذا لابد أن نعرف ماهى المبادئ؟ المبادئ هى ثوابت الشخص الطبيعى المتزن والتى منها الثوابت الاخلاقية كالصدق والكذب…..الخ. ومن الممكن أن تعتبر هذه الثوابت هى نواميس هذا الشخص ومن ثم نواميس مجتمع معين ومن هنا قد تتغير وتتبدل هذه النواميس بين المجتمعات المختلفة. فعلى سبيل المثال تختلف النواميس الاخلاقية فى الدول العربية والاسلامية عنها فى الدول الأوربية. وبنفس القدر من الاختلاف لابد أن تختلف المبادئ باختلاف الظروف القهرية، القهرية !!! نعم القهرية، اختلاف بكل ما تحمله الكلمة من معانى. فالصدق هو صفة محموده على مدار العصور، يرغبها الكثيرون من ذوى النفوس الطيبة ويبغضها الضالة من ذوى القلوب والعقول المريضة. وعلى العكس تماما نجد صفة الكذب. ظروفا قهرية قد تقلب الأشياء، فأسير الحروب ان كان صادقا فى كل أقواله وهو فى يد أعداؤه كانت الطامة الكبرى عليه وعلى وطنه لذا كان فرضا عليه الكذب وهنا يتحول الكذب الى صفة محموده طبقا لتغير الظروف الطارئة. كذب محمود هذا الذى قد تتبعه عند الصلح بين متخاصمين وتسمع من كلاهما مايجب أن تجمله ولاتنطق بحقيقته كى تصل الى نقطة التلاقى بينهما والا السوء كان مصيرهما. وكأن المبادئ صيغت من أجل الانسان الذى لم يخلق من أجلها، فهى وان جاءت من بعيد فلن تكون الا لسعادته والا فالاستغناء عنها ضرورة. ومن هنا نجد أن فى عملية التجزؤ فائدة كبيرة غمرت كل من النواميس الكيميائية  والاخلاقية وكأن كلاهما قد انبعث من نفس الشعلة المباركة التى تضئ حياة الانسان فى سيمفونية كيمياء المبادئ. كيميائية المبادئ القائمة على عمود خيمة التجزؤ المنبثقة من تغير الظروف.

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz