أخبار العلوم

كيمياء القانون وقانونية الكيمياء

بقلم: أ. د. نصرالله محمد دراز

أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى

[[ المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر ]]

بادئ ذى بدء لم يعرف الانسان البدائى ماهو القانون، ولم تتلمس أفكاره خيوط هذا القانون  ولم تنسج هذه الخيوط حتى فى خيال أصحابه أو منفذيه لقلة العدد البشرى واتساع الرقعة المكانية. ولكن مع ازدياد العدد البشرى بزغت شمس القانون التى بعثت خيوطا ذهبية من القواعد المنتظمة التى نظمت السلوك البشرى. فكان القانون عبارة عن مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة بشرية تُنظم سلوك أفرادها فى مجتمع ما.  وعلى الجانب الأخر، كانت الكيمياء المقننة بمجموعة من المعادلات التى صيغت على أسس وقواعد محددة بكل دقة والتى لم تستطع عناصر المواد الخروج عنها الا فى حالات نادرة. وكأن هناك عامل مشترك جمع بين القانون والكيمياء، كان هذا العامل هو مجموعة القواعد المنتظمة الجبرية التى يجب أن ينصاع لها أفراد القانون من البشر وتخضع لقوتها عناصر المواد من الكائنات غير الحية. وهنا فقط نجد أنفسنا أمام قانونية الكيمياء، الكيمياء التى هى أصل الحياة كما أن القانون فى أصله هو أيضا الحياة وكأنه نغمة موسيقية تعزف على أوتار الكيمياء.

اطلع على مقالات مهمة ومرتبطة بهذا الموضوع:

كيميائية القانون

القانون ماهو الا معادلة كيميائية متزنة ذات طرفين، أحد اطرافها هم أفراد المجتمع باختلاف أجناسهم وطبقاتهم…ألخ  فى حين نجد الطرف الأخر  هو كل المجتمع بأنواعة الثلاث ( المثالى والغير مثالى والمختلط ). وشروط هذه المعادلة القانونية هى قوى القانون الكائنة فى السلطات الثلاث ،التشريعية والقضائية والتنفيذية. وبالقياس نجد أن التفاعل الكيميائى اما طردى أو عكسى، والمعادلة القانونية هى الأخرى تكون طردية عندما يتم تفعيل وتنفيذ القانون على الأفراد بنسبة تتعدى الخمسون فى المائة وما دون ذلك يؤدى بنا الى مجتمع لايحترم ما سن من قوانين وبالتالى ينشأ المجتمع الغير مثالى وهو المجتمع الهمجى الذى تشتت أفراده فى اطراف الصحراء ولا يحكمه غير هوى هؤلاء الأفراد. وكما أن التفاعل الكيميائى ماص وطارد للحرارة فأفراد المجتمع لهم أن يتقبلوا القوانين ويرضخوا لها  أو يرفضوها ويقاوموا تنفيذها فى سيمفونية القبول والرفض أو الطرد. وفى حقيقة الأمر، ان اتبع الانسان كل ما صاغه من قوانين عادلة اتباعا لايميل مع هواه كان المجتمع المثالى حليفه والعكس صحيح. ولكن يجب على الفرد ومن ثم المجتمع عند صياغته لقوانينه أن لا يخرج عن النواميس الالهية المستحضره له من خلال الأنبياء والرسل عليهم السلام. فالقانون الحق هو القانون القائم على كل ما أنزل الله من أوامر ونواهى. وان جاز لنا أن نقترح معادلة لكيميائة القانون فلن تخرج عما يلى:

أفراد المجتمع  ← المجتمع (مثالى – غير مثالى – مختلط بين ماهو مثالى وغير مثالى)

ولقد وضع علماء الكيمياء قواعد محددة  لسلوك العناصر مع بعضها البعض بهدف الحصول على منتج معين وعلى الجانب الأخر وضعت نواهى وتحذيرات كان فى مخالفتها منتجات غير مرغوب فيها،  ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قد ينجم عن مخالفة هذه التحذيرات كوارث فادحة تؤدى الى الموت فى كثير من الأحيان . فعلى سبيل المثال عند تخفيف حمض الكبريتيك المركز يجب اضافة الحمض الى الماء والعكس غير صحيح لأنه يؤدى الى نتائج سيئة تضر بالقائم بعملية التخفيف. هذه هى الكيمياء التى كان القانون صورة طبق الأصل منها فى وضعه لمجموعة من النواهى والتحذيرات التى قد تؤدى مخالفتها فى حالات متعددة الى الاعدام وكأننا أمام هرم كيمياء القانون.

قانونية الكيمياء

اهتم علم الكيمياء بعناصر المواد وكيفية وآلية تكوين هذه المواد، فوجدنا أنفسنا برغبة منا أو بدون رغبة أمام دنيا العناصر والمواد وكأننا أمام أفراد لهم طباع وسلوك سواء كان طبيعيا أو شاذا. كما تدرج علماء الكيمياء منذ عصور الظلام وحتى عصور نور العلم فى ترتيبهم وتنظيمهم وتقسيمهم لسلوك وطبيعة العناصر ومن ثم تنسيق وهيكلة المواد المؤدية الى المنتجات التى بين أيدنا الأن. كان الترتيب والتنظيم طبقا لقواعد محددة جاءت بمجموعات العناصر ذات الطبيعة الواحدة والسلوك المتشابة والتى أدت الى حصولنا على الجدول الدورى للعناصر الذى كان عصارة فكر وجهد ووقت الكثير من علماء الكيمياء والفيزياء المتميزين.

كانت القواعد والقوانين المنتظمة التى قننت الوضع المكانى والسلوكى للعنصر داخل الجدول الدورى هى صورة من صور قانونية الكيمياء. هذه القانونية التى أصبحت عالم كبير بدأ بالقوانين التى تحكم الذرة وانتهى بالقوانين التى تحكم تكوين المنتجات الصناعية والغير صناعية. فقانونية الكيمياء أدت بنا الى التعرف على النانوتكنولوجى، وكأن قانوينة الكيمياء أدت الى ثورة تكنولوجية طالت الأخضر واليابس نحو تنمية مستدامة. هذه القانونية تطورت فطورت الصحراء وجعلت منها كنزا كبيرا أحتوى على الصخور النادرة ذات القيمة المضافة والرمال الصناعية الهامة والنباتات الشديدة الأهمية بل والحيوانات ذات السلوك الفطرى المقنن. فالكيمياء بدون القوانين تضطرب عناصرها وقد تؤدى بنا الى كوارث نحن فى غنى عنها ومن هنا كانت القوانين التى لاتقبل القسمة ولكنها تقبل التعديل مع التطور العلمى والتكنولوجى الدائم والمستمر باستمرارية الحياة وبالقوة الالهية التى أودعها الله سبحانة وتعالى فى عقول العلماء.

الكيمياء والقانون

على الرغم من  كيميائية القانون وقانونية الكيمياء الا أن هناك ترابط شديد وقوى بين الكيمياء والقانون، فالقانون يعتمد فى كثير من الأمور على الكيمياء وخصوصا كيمياء الطب الشرعى ومدى أهمية هذا التخصص فى الفصل فى كثير من القضايا المتداولة فى المحاكم القضائية المحلية والدولية. ولأن القانون مادة الحياة كان فرضا عليه أن يضع ما لديه من قواعد محددة لممارسة مهنة الكيمياء فى كافة المجالات والتى هى أيضا مهنة الحياة. فالكيميائى هو ساحر المواد لما لديه من علم يمكنه من الغوص فى بحور تكوين المادة وخصائصها. فالكيمياء والقانون يدفعان عجلة الحياة الى الأمام فهما يعملان على قواعد ونظم محددة ويتدفعان الى تطوير بعضهما البعض. فتفرعت الكيمياء الى تخصصات متعددة لتخدم مجالات محددة كيمياء البلاستيك والأسمنت والحفز …..ألخ ، وكأنها القانون ذو الفروع الكثيرة المترامية الأطراف ليضم كل دروب الحياة والذى منه القانون الدستورى والجنائى والمدنى والبحرى …… الخ.

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz