علم الكيمياء، هو العلم الذى يهتم بدراسة المادة والتغيرات التى تعترى ما فى باطن وظاهر هذه المادة، وكأن هذا العلم هو الوعاء الحاضن لكل ما يخص المادة من خواص كيميائية أو فيزيائية ومن ثم فهو المهتم ببنية هذه المادة وتركيبها وسلوكها مع المواد الأخرى والوسط المحيط. وعند الغوص فى أعماق هذا العلم نجد أن محيطه قد امتد حتى شمل كافة العلوم العلمية والأدبية، وهنا فقط نلتقط شعاع نور فلسفة علم الكيمياء فيما نسميه نحن بالغربة. فالغربة هى الشعور بالوحشة والوحدة التى تغمر الكائن الحى ( الانسان والحيوان) فى وطنه أو خارج وطنه. وتمتد جذور هذه الغربة فى قلب الغريب المغترب بعيدا عن أهله ووطنه وقد تلقى بظلالها على حياة الغريب الغير مغترب القابع فى وطنه بين أهله. وهنا يجول جواد الكيمياء بمفهومه الفلسفى داخل بوتقة الغربة على المستوى الداخلى  داخل وطن الغريب وعلى المستوى الخارجى خارج وطن الغريب، لدرجة أنها أى الغربةتصبح كالتفاعل الكيميائى الذى يضمن فى محيطة كل من المتفاعلات ( الكائن الحى + أهل ووطن) والنواتج (غربة) علاوة على الظروف المسيطرة على هذا التفاعل والتى قد تزيد من ألم الشعور بالغربة:

كائن حى – أهل ووطن ↔ غربة خارجية

كائن حى + أهل ووطن + وحدة  ↔ غربة داخلية

فالغربة هى فى أصلها احساس بالوحده وفقدان لدفئ وحنان الأحباب ومن ثم فقدان لكافة الروابط التى تطفى عليك الطمأنينة والأمان. هذا الفقد قد يكون وأنت بين أهلك وفوق أرض وطنك والذى قد يكون نتيجة لوجود تضارب فى المصالح بين الأهل والأقارب اعتمادا على غياب المنطق والعقل وتغليب المصلحة الشخصية على المصالح العامة. أما فقدان الدفئ والشعور بالوحده مع توافر كل الروابط بين عناصر مادة الكائن الحى الكائن خارج وطنه وبعيدا عن أهله قد يكون لهدف أسمى وطموح أعلى ومصلحة أشمل وأعم كالسفر للدراسة، وهنا يكون للغربة الخارجية معنى خاص لا يشعر به الا الغريب فى بلاد الغربة، انه ذلك المعنى الجميل الطيب الذى أشار له سيد البرية رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال ”  إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع“. هنا فقط يتفاعل الانسان مع أهله ووطنه البعدين عنه بالمكان فقط وقد تهون عليه الغربة مقابل ذلك الرضا الربانى الذى يأتى لنا بمخرجات عظيمة تتمخض عن الغربة الخارجية القائمة على السفر وكما قيل فى السفر سبع فوائد. ومن فوائد السفر تنطلق الطاقة الكامنة فى كيمياء الغربة والتى تؤدى الى (1)   إثراء ثقافة المغترب وزيادة التبادل المعرفي لديه مع توسيع آفاق معرفته واداراكه لكثير من الأمور، (2)   التعرف على الحضارات والتاريخ والمعالم الهامة فى بلاد الغربة والربط فيما بينها وبين البلد الأم، (3) التمتع بمشاهدة الآفاق المختلفة للطبيعة الخلابة، (4) تعلم اللغات واللكنات بل والأعراف  المختلفة، (5) اكتساب الخبرات المختلفة من الصحبة والجنسيات المختلفة، ( 6) الابتعاد عن الروتين وتغيير النمط اليومى للحياة التقليدية والاجتهاد والمثابرة وتحمل الأزمات والصمود أمام الصعوبات، (7) الاصرار على استعادة الطاقة وتحديد الهدف وحتمية الوصول اليه. وكأن اناء كيمياء الغربة دائما ما ينضح بكل ما هو طيب شريطة أن يكون الانسان فى معيه ربه لا يبغى من غير رضا ربه وتحقيق أهدافه النبيلة.

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz