التصنيفات: غير مصنف

كيف يستطيع الحيوان المنوي احتواء أشياء كبيرة في حيز صغير

يمتلك جسم الإنسان قدرة عظيمة على احتواء أشياء ضخمة في أماكن صغيرة, فعلى سبيل المثال, يصل طول الأمعاء الدقيقة إلى حوالي العشرين قدم, ولكنها مع ذلك مرتبة بدقة متناهية في الجهاز الهضمي لدينا, وأيضاً يحتوي الدماغ على حوالي 86 مليار خلية عصبية تتكدس في 3.3 باوند من الأنسجة, ولكن كل عمليات الاحتواء تلك لا تقارن مع الحمض النووي, فالمورثة الواحدة لدى الإنسان تتكون من أكثر من ثلاث ملايين زوج أساسي, فإذا أردنا إخراج هذه الأزواج ووضعها بشكل خيطي سيبلغ طولها أكثر من 6 أقدام, ومع هذا فهي مضغوطة في نواة كل ذرة من خلايا جسمنا, هذا حقاً اعجاز الخالق, ولكن الأكثر إبهاراً هو وضع نصف المعلومات السابقة في حيوان منوي واحد, الذي يعد أصغر حجماً من الخلية العادية, حيث يفوق حجم خلية البويضة حجم الحيوان المنوي بستة أضعاف.

حالياً, يعتقد فريق من العلماء من مختبر (كولد سبرينغ هاربر) أنهم استطاعوا أخيراً التوصل إلى فهم الآلية التي يستطيع بها الجسم الذكري احتواء كل هذه المعلومات, حيث قاموا مؤخراً بنشر أعمالهم في مجلة (Nature Communications).

لقد حدث هذا الاكتشاف بمحض الصدفة, حيث كانت الباحثة (اليا ميلز) تقوم بدراسة أحد أنواع البروتينات التي تدعى Chd5)) الذي تم اكتشافه عام 2007, وأظهرت الأبحاث التي أجريت عليه أنه ممتاز في كبح الأورام السرطانية, ولفهم أفضل لآلية عمل هذا البروتين, قرر فريقها تعديل الفئران وراثياً بنزع بروتين Chd5)) منها, على أمل أن يتأكدوا من أن هذه الفئران ستتوقف عن محاربة الخلايا السرطانية, وخلال عملية التحضير قام أحد طلاب (ميلز) ويدعى (وانغزي لي) بمحاولة لجعل هذه الفئران تتكاثر، بهدف الحصول على عدد كاف من القوارض لإكمال التجربة,ولكن حالما تم الإنتهاء من التعديل الوراثي للفئران لم يستطع (لي) إتمام عملية التزاوج بين الفئران, حيث بدا الأمر وكأن الفئران أصيبت بالعقم بعد نزع بروتين (Chd5) ، ولم يعرف العلماء السبب وراء ذلك.

وبحثاً عن الإجابة استعان الفريق بأحد الخبراء الذي استطاع عزل الحيوان المنوي لمعرفة المسبب الحقيقي لمشكلة الخصوبة, وما تم اكتشافه أن نزع بروتينChd5) ) أدى إلى زعزعة الحمض النووي للحيوانات المنوية في الفئران.

عادةً يلتف الحمض النووي حول مجموعة من البروتينات الموجودة داخل الخلايا تدعى بالهيستونات, ويشبه بالتفافه هذا التفاف الخيط حول البكرة, هذا التوضع يسهّل على الخلايا الوصول إلى أزواج الـ DNA التي تحتاجها لصنع مورثة معينة, أو تنحية المورثات الغير مرغوب بها بعيداً, ولكن هذا الأسلوب لا يعمل في الحيوانات المنوية, فهي صغيرة جداً مقارنة بالهيستونات.

تبين من متابعة الفريق لأبحاثه على البروتينChd5) ) ووظيفته في التأثير على الخصوبة, أن إدخال الـ  DNAإلى خلية الحيوان المنوي أكثر تعقيداً من إدخاله في خلية بويضة على سبيل المثال, فتكوّن الحيوان المنوي يبدأ بشكل كرة كبيرة ولكنه ما يلبث أن يمر بحوالي 16 مرحلة من التغيّر حيث ينمو له رأس و ذيل قبل أن يبدأ برحلته لتخصيب البويضة, وعلى ما يبدو أن بروتين Chd5) ) يتولى مهمة وضع الـ DNAفي الحيوان المنوي, حيث يعتقد الباحثون أن هذا البروتين يقوم بالتخلص من الهيستونات ويعيد لف الـ DNA حول ملفات أصغر حجماً, وهي بروتينات تدعى (بروتامينز) التي يمكن احتواءها داخل الحيوان المنوي و بذلك تساعد على إبقاء كامل الحمض النووي منظماً.

لغاية الآن فإن هذه النتائج تبقى مجرد ربط لأفكار متعددة, ولكن (ميلز) تؤكد أن عملية التخصيب لم تنجح حتى عندما قاموا بإجراء عملية التخصيب للفئران الفاقدة لبروتينChd5) ) بطريقة طفل الأنبوب (جمع الحيوانات المنوية مع البويضات في أنابيب اختبار), على الرغم من أن هذه العملية عادةً ما تكوّن أجنّة حتى ولو كانت صغيرة, ولكن في هذه الحالة كان الحمض النووي في حال يرثى له, ولم يحدث حتى مجرد عملية انقسام للخلية بل كان كل شيء ملوثاً.

نهاية فإن مثار الجدل في هذا الموضوع هو التساؤل فيما إذا كان بروتينChd5) ) يلعب دوراً في الخصوبة الذكورية إضافة إلى كونه محارباً قوياً للسرطان, ولا بد للعلماء الآخرين أن يكملوا دراسة هذا الاكتشاف الذي توصل إليه العلماء بالصدفة بشكل موسع أكثر.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير