التصنيفات: الصحة الجيدة

كيف يخفف الحرمان من النوم اكتئابك أكثر من الأدوية؟

إذا كنت قد جربت الدخول في حالة اكتئاب مرضي، فلابد إنك كنت تتفاجأ بنفسك صباح كل عيد، حيث تكون قد قضيت في العادة ليلة بدون نوم وذهبت مباشرة إلى الصلاة، لتجد نفسك متفتحاً وأكثر خفة وإقبالاً على السلام على الناس مما توقعت، وأن صبح العيد أقل  قتامة وسوداوية مما كنت تظن، لتعود إلى البيت وأنت لا تفهم ماذا حدث لك، لكن، هناك تفسير علمي لذلك، وهو ليس صدفة.

الحرمان من النوم هو وسيلة سريعة وفعالة لعلاج الاكتئاب، وهو ينفع في 60 إلى 70 بالمئة من المرات، ما يعني أنه يتفوق على الأدوية بمراحل، لكن للأسف، فإن هذه الدفعة العالية في المزاج تختفي ما إن يقع المريض في النوم، وهو ما يبرر استيقاظك بمزاج نزق، وغير قادر على فهم بهجة الصباح.

الحرمان من النوم لا يعد عملياً كدواء ثابت يعتمد عليه المريض لهذا السبب، لكن الباحثين قاموا بدراسة هذه الظاهرة في محاولة لكشف الآليات الخلوية في جسم الإنسان التي تفسر الاكتئاب وتراجعه ثم عودته ثانية، ليعلن الباحثون في جامعة تافتس أنهم اكتشفوا اللاعبين الرئيسيين فيما يحدث أخيراً، الخلايا الدبقية العصبية هي السر !

الباحثون كانوا قد وجدوا في وقت سابق أن الخلايا النجمية، التي تعد نوعاً من الخلايا الدبقية على شكل نجمة، تقوم بإطلاق المواد الكيميائية التي تنظم النوم في المخ، ففي ساعات عملنا، تقوم الخلايا النجمية بشكل مستمر بإطلاق الناقل العصبي المسمى بالأدينوسين، والذي يتراكم في الدماغ حتى يصبح كافياً للتسبب بالنعاس والرغبة في النوم، وما يرتبط بذلك من حدوث اختلالات في الانتباه والذاكرة، هذا الناقل العصبي يسبب رغبة النوم عن طريق الارتباط بمستقبلات الأدينوسين الخاصة به على الخلايا العصبية الخارجية، مثلما يدخل المفتاح في القفل بالضبط، وكلما تراكم الأدينوسين أكثر، كلما ارتبط بمستقبلات أكثر، وكلما زادت رغبتنا في النوم إلحاحاً.

في أوائل عام 2013، نشرت دراسة جديدة  في دورية الطب النفسي Translational Psychiatry، وقد قام العلماء فيها بالتحقيق فيما إن كانت هذه العملية مسئولة عن أثر الحرمان من النوم على الاكتئاب، فقاموا بإعطاء فئران ذات أعراض شبيهة بالاكتئاب ثلاث جرعات من مركب يقوم بالارتباط مع مستقبلات الأدينوسين، أي أنه يحاكي ما يحدث عند الحرمان من النوم، ومع أن هذه الفئران استمرت في نومها الطبيعي، إلا إنها أظهرت بعد 12 ساعة تحسناً سريعاً في المزاج والسلوك، وهو الأثر الذي دام 48 ساعة فقط.

أكدت هذه النتائج أن تراكم الأدينوسين هو المسئول عن التأثير المضاد للاكتئاب الذي يحدثه الحرمان من النوم، وهذا الاكتشاف سوف يشير إلى هدف للأدوية الجديدة المضادة للاكتئاب، والتي تقلد الحرمان من النوم بشكل كيميائي، وهو ما يعطينا مزايا الأدوية المضادة للاكتئاب دون الآثار الجانبية غير المرغوب فيها من الحرمان الحقيقي من النوم، ودواء كهذا سوف يقدم تخفيفاً فورياً، وهو يناقض بشكل صارخ الأدوية الحالية التي لا يمكنها أن تحدث تأثيراً قبل ستة إلى ثمانية أسابيع.

هذه الدراسة سوف يكون لها تأثيرات أبعد من الاكتئاب وتنظيم النوم، فحسبما يقول دوستين هاينز المؤلف الرئيسي للدراسة والحاصل على زمالة ما بعد الدكتوراة في جامعة تافتس، فإن علماء الأعصاب ظلوا لفترة طويلة يركزون بشكل حصري على الخلايا العصبية، فيما تم إهمال الخلايا الدبقية، التي عرفنا الآن أنها تلعب دوراً مهماً في التحكم بوظائف المخ، كما أن لديها القدرة على تطوير علاجات جديدة للعديد من الأمراض، مثل الاكتئاب واضطرابات النوم.

 

 

 

شارك
نشر المقال:
محمد حمزة