التصنيفات: متفرقات

كيف يتفاعل الدماغ مع الواقع الافتراضي

وجد علماء الأعصاب من جامعة كاليفورنيا -لوس أنجلوس، في دراسة تم نشرها في مجلة (Nature Neuroscience)، أن الخلايا العصبية المسؤولة عن رسم المساحات في الدماغ تتفاعل بشكل مختلف مع الواقع الافتراضي، عن الطريقة التي تتفاعل فيها مع بيئات العالم الحقيقي، والنتائج التي توصل إليها العلماء يمكن أن تشكل عوناً كبيراً للأشخاص الذين يستخدمون الواقع الافتراضي في مجال الألعاب والمجالات العسكرية والتجارية والعلمية.

وقال (مايانك ميهتا)، كبير مؤلفي الدراسة وأستاذ الفيزياء وبيولوجيا الأعصاب والأمراض العصبية في جامعة كاليفورنيا، بأن نمط النشاط الدماغي في المنطقة الدماغية المسؤولة عن التعلم المكاني، يختلف في الواقع الافتراضي عنه في العالم الحقيقي، وبما أن العديد من الأشخاص يستخدمون الواقع الافتراضي، فإنه من المهم أن نفهم سبب وجود هذه الاختلافات الكبيرة.

قام العلماء في هذه التجربة بدراسة الحصين (Hippocampus)، وهي منطقة في الدماغ تشارك في أمراض الزهايمر والسكتة الدماغية والاكتئاب والفصام والصرع واضطراب ما بعد الصدمة، كما يلعب الحصين أيضا دوراً هاماً في تشكيل الذكريات الجديدة وخلق الخرائط الذهنية للمساحة (التمثيل الحيزي للبيئة المادية)، فعلى سبيل المثال، عندما يدخل الشخص لاستكشاف غرفة جديدة، تصبح الخلايا العصبية في منطقة الحصين نشطة، وتقوم برسم الخريطة المعرفية للبيئة الجديدة، وإن الآليات التي يستخدمها الدماغ لرسم هذه الخرائط المعرفية لا تزال لغزاً بالنسبة للعلماء، ولكن يعتقد أن خلايا الحصين العصبية تقوم بحساب المسافات بين الشخص والمعالم المحيطة به، مثل المباني والجبال، ولكن في الأماكن الكبيرة يمكن للمنبهات الأخرى، مثل الروائح والأصوات، أن تساعد الدماغ على تحديد المساحات والمسافات.

لاختبار ما إذا كان الحصين يقوم بتشكيل الخرائط المكانية باستخدام المعالم البصرية فقط، قام فريق (ميهتا) بابتكار بيئة موسعة من الواقع الافتراضي، ودرسوا رد فعل خلايا الحصين العصبية في أدمغة الفئران في العالم الافتراضي من دون أن يكون لدى الفئران القدرة على استخدام المنبهات الأخرى كالروائح والأصوات، التجربة كانت تتضمن وضع حزام صغير حول الفئران ووضعها على جهاز مشي في غرفة هادئة ومظلمة تحتوي على شاشات فيديو كبيرة تمثل العالم الافتراضي، بعدها قام الباحثون بقياس سلوك الفئران ونشاطها العصبي عندما تم وضعها في غرفة حقيقية مصممة لتبدو تماماً مثل غرفة الواقع الافتراضي.

بالنتيجة اكتشف العلماء أن النشاط العصبي لدى الفئران في البيئات الافتراضية كانت مختلف تماماً عن العالم الحقيقي، فعلى الرغم من أن الفئران كانت تتصرف بشكل طبيعي سواء في العالم الحقيقي أو في العالم الافتراضي، إلا أن خلايا الحصين العصبية كانت تعمل بشكل عشوائي تماماً في العالم الافتراضي، كما لو كانت الخلايا العصبية ليس لديها أي فكرة عن موقع الفئران المكاني، حيث تبين أن الخرائط المكانية التي تشكلها الخلايا العصبية في الحصين اختفت تماماً في العالم الافتراضي، وأظهر التحليل الرياضي المتأني أن الخلايا العصبية في العالم الافتراضي قامت بحساب مقدار المسافة التي مشتها الفئران، بغض النظر عن مكان وجود هذه الفئران في العالم الافتراضي.

ويقول (ميهتا) أن خلايا الحصين العصبية لدى الفئران كانت نشطة للغاية في العالم الحقيقي، أما في العالم الافتراضي فكانت أكثر من نصف هذه الخلايا العصبية لا تعمل، وأضاف، أن العالم الافتراضي الذي تم استخدامه في الدراسة مشابه تماماً لبيئة الواقع الافتراضي التي يستخدمها البشر، كما أن الخلايا العصبية بدماغ الفئران مشابهة تماماً للخلايا العصبية في الدماغ البشري، وهذا يقودنا لاستنتاج أن نمط النشاط العصبي في الواقع الافتراضي يختلف كثيراً عن نمط النشاط العصبي في العالم الحقيقي، والعلم مازال بحاجة لفهم الكيفية التي يؤثر فيها الواقع الافتراضي على الدماغ.

وفي سياق منفصل قام فريق (ميهتا) بدراسة مجموعات أكبر من الخلايا الدماغية، حيث بينت الأبحاث أن مجموعات من الخلايا العصبية تخلق نمطاً معقداً باستخدام ايقاعات الدماغ، هذه الإيقاعات المعقدة تلعب دوراً حاسماً في التعلم والذاكرة، ولكننا لا نسمعها أو نشعر بها، فالخلايا العصبية في المنطقة المسؤولة عن الذاكرة تتحدث مع بعضها البعض باستخدام لغتين مختلفتين تماماً في ذات الوقت، أحد هاتين اللغتين تستند على الإيقاع والأخرى تعتمد على الشدة (الكثافة).

ويشرح (ميهتا) أن الانسان عندما يمشي أو عندما يحاول أن يتذكر شيئاً، فإن النشاط العصبي في منطقة الحصين يصبح إيقاعياً، وتظهر الأنماط الإيقاعية المعقدة، هذه الإيقاعات تساعد على تشكيل الذكريات وتعزز من قدرة الدماغ على استدعائها، ويُعتقد أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات التعلم والذاكرة لديهم ضعف في هذه الإيقاعات.

تقارير فريق (ميهتا) بينت أنه في العالم الافتراضي، اللغة التي تتكلمها الخلايا العصبية والتي تستند على الإيقاع كانت بنيتها مماثلة لبنية لغة الخلايا العصبية في العالم الحقيقي، على الرغم من أن الخلايا كانت تتكلم بشكل مختلف تماماً في العالمين، أما بالنسبة للغة الخلايا العصبية التي تعتمد على الشدة (الكثافة) فإنها توقفت تماماً في العالم الافتراضي.

الخلايا العصبية التي تشارك في الذاكرة تتفاعل مع أجزاء أخرى من الحصين مثل الأوركسترا، حيث أنه لا يكفي في الأوركسترا أن يعزف كل موسيقي بشكل صحيح، بل يجب أن تكون الموسيقى متزامنة ومتناغمة مع بعضها تماماً، لذا يعتقد (ميهتا) أنه يمكن إصلاح الذاكرة التالفة من خلال إعادة ضبط ومزامنة إيقاعات الدماغ، ولكن تطبيق هذه العمليات لا يزال يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة للعلماء.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير