تكنولوجيا

كيف تخلصت من إدمان الهاتف .. وقللت استخدامه بشكل ملحوظ

سأخبركم بسر صغير، أنا واحد من كثير من الناس حولكم، ممن تشعرون أن أيديهم ملصقة بهواتفهم، وأعناقهم منحنية على الشاشات المضيئة كل الوقت. وبلغ بي الحال أن أقول لمن حولي أنني كائن يعيش في الفضاء الرقمي. 

هل تجدون غرابة ان اخبرتكم انني أقضي ما لا يقل عن ١٢ ساعة يوميًا على الهاتف. حسب ما يخبرني به برنامج Screen Time. هذا غير وقتي في العمل الذي يستهلك ساعات أطول أمام شاشة الحاسوب. 

قبل شهرين تقريبًا، أهدى إلي صديق كتابا يتحدث عن تخفيف علاقاتنا بمنصات التواصل الاجتماعي اسمه “Digital minimalism“ قرأته بنهم، فتح الكتاب الباب للكثير من الاسئلة، ودفعني للبحث أكثر في الوقت المهدر بين منصات التواصل الاجتماعي. 

صحيح القول أن لا يمكننا تخيل حياتنا دون وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتدنا على وجودها وشكلت منعطفات كثيرة في حياتنا. فمن خلالها انبثق الربيع العربي الذي غير وجه منطقتنا. ومن خلالها يتراشق الزعماء الاتهامات والشتائم، ومن خلالها بنينا مجتمعات تجاوزت حدودنا الجغرافية  وتغلبنا على الكثير من العقبات، ومن خلالها أيضا أحببنا وتزوجنا و راسلنا من نحب. ونظمنا فعاليات وأمسيات رقمية. 

لكن سيل الخير الذي حملته شبكات التواصل الاجتماعي، يحمل في ثناياه زبدًا لا ينفك عنه، وعملاً تجارياً يقتات من وقتك وصحتك، وخصوصيتك ليخلق منك سلعة تجارية يسوقها للمعلنين. 

قمت بعد قراءة الكتاب باجراء عدد من التغيرات الجذرية على علاقتي بالهاتف، سأسردها لكم هنا كدليل لمن يريد أن يسترشد ببعض هذه الخطوات للتخلص من الادمان، ويؤسس لمرحلة يكون فيها الهاتف اكثر فائدة من السابق. 

هل فعلاً كثرة استخدام الهاتف تؤدي إلى الإدمان؟

لم يعد مفاجئًا اليوم أن نسمع عن تصنيف علماء ومتخصصي علم النفس إدمان مواقع التواصل الاجتماعي و إدمان الهواتف كأحد أمراض العصر،  التي تؤثر على الدماغ وتسبب نوعًا من الإدمان الذي لا بد من محاولة التخلص منه. 

هذه حلقة من بودكاست مهجة عن ادمان وسائل التواصل الاجتماعي تستحق الاستماع

علامات الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي

  • أن يؤثر الهاتف على عملك أو دراستك. حيث تبدأ بتصفح هاتفك المحمول أثناء العمل أو وقت الدراسة على حساب ما يجب عليك انجازه.
  • أن يصبح الهاتف أول ما تمتد إليه يدك كل صباح. فلا تقوم من فراشك قبل أن تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لتعرف ما الجديد فيها، بعد أن كان الهاتف اخر ما تركته يدك قبل نومك.
  • زيادة في عدد ساعات استخدام الهاتف، خاصة في المناسبات الاجتماعية وانت مع أهلك وأقاربك أو في فسحة مع اصدقائك، بل وحتى في اوقات تناول الطعام المختلفة.
  • عدم الشعور بالراحة في الأوقات التي لا تستخدم فيها وسائل التواصل الاجتماعي.
  • الشعور بالغضب أو تغير الحالة المزاجية ان اجبرت في بعض الاوقات على تخفيف استخدام مواقع التواصل أو الهاتف.
  • التفكير في مواقع التواصل الاجتماعي في الأوقات التي لا تستخدم فيها هذه المواقع.

تأثير إدمان وسائل التواصل علينا

قبل أن نبدأ باستعراض كيفية التخلص من إدمان الهاتف، علينا بداية أن نفهم كيف تسيطر وسائل التواصل الاجتماعي على عقولنا، وما هي البوابة التي تدخل إلى أدمغتنا من خلالها. 

حالة التشتت

بعد ثلاثة أيام فقط من حذف جميع وسائل التواصل الاجتماعي من هاتفي، وبينما أستعد لتناول اخر قطعة دجاج كانت في طبقي، وقبل أن أطلب من النادل الحساب. قالت لي زوجتي بصوت هادئ: ”أصبحت أكثر حضوراً معنا“ .. استوقفتني هذه العبارة جدًا. هل كنت أقل حضورا فيما مضى؟ حتى عن أسرتي وأطفالي؟ 

لعل أخطر ما تنتجه وسائل التواصل الاجتماعي هو حالة التشتت التي تصيبنا كأفراد فلا معلومة حقيقية نتحصل عليها من أغلب المنصات، ومرجع الأمر في قصر المدة التي تتناول فيها هذه المنصات قضاياها، فلا يمكن للـ كانت Reals أو Shorts أو Snaps كما يحلو لكل منصة أن تسميها، أن تحمل معلومة حقيقية في بضع ثوان لا تتجاوز الدقيقة في معظم الأحيان. 

هذا النوع من المحتوى المرئي القصير لا يحمل من المعلومة الا شكلها، فتلاشى العمق وازدادت السطحية. واصبحت المعلومة التي نحصل عليها إما مجتزأة في أحسن أحوالها، أو لا قيمة حقيقية لها. أو أنها مقطوعة من سياقها وهذا برأيي اخطر ما تطرحه علينا وسائل التواصل من ابتلاءات. 

تخيل وأنت تجلس في المقهى مع صديق لك، يحدثك في أمر يهمك، ثم يستأذن لدخول دورة المياه أو ليغسل يديه بعد تناول قطعة من السكر، تلك اللحظات القليلة الي يختفي فيها صديقك من المشهد، وبدلا من أن تستفيد منها في التفكير فيما قال، أو محاولة ترتيب أفكارك بعد عاصفة الجدل بينكما، تمتد يدك لتمسك هاتفك الشخصي، وتبدا بتفقد الرسائل بداية، أو احد مواقع التواصل. 

التصاق الهاتف بأيدينا حرمنا من نعمة الأوقات القصيرة التي يقضيها العقل في محاولة ترتيب ملفاته في المراحل الانتقالية بين قضيتين رئيسيتين. فالعقل يحتاج بعد كل عاصفة من الأفكار لشيء من السكينة. لانضاج الافكار والتوسع إلى أفكار اخرى.

دوامة الدوبامين

منصات التواصل الاجتماعي مصنوعة بالأساس لتبقي المستخدمين أطول فترة ممكنة على تلك المنصات، سواء من خلال مشاهدة فيديوهات لفترات أطول، أو تصفح Time line لا ينتهي، أو ارسال مئات الاشعارات التي تجعلك تحس بأهمية دخول المنصة في كل وقت. 

يتنافس الجميع على الوقت الذي يقضيه المستخدم على هذه المواقع، ويعين خبراء نفسيون واستشاريون في مختلف المجالات للعمل على استراتيجيات مدروسة لتكوين حالة من الادمان على شبكات التواصل الاجتماعي لا تقل خطورة عن تجربة ادمان نوع من المخدرات.

حالة الإدمان التي تخلقها وسائل التواصل الاجتماعي، تتسبب بها مادة يصدرها الدماغ مع كل مكافئة تحصل عليها من وسائل التوصل الاجتماعي، فمثلاً عندما تستخدم هاتفك، يطلق الدماغ مادة الدوبامين التي تشعرك بالسعادة وهي نفس المادة التي يطلقها دماغك عند أكل طعامك المفضل أو عندما تكون مع زوجتك. وهي مادة الدوبامين. 

يزيد الدماغ من المادة حسب ما يحفز سعادتك أكثر، مثل كثرة الاجابات على صورتك الشخصية في Facebook، أو كثرة الرسائل الواردة لك في انستجرام بعد صورتك في المستشفى، أو غير ذلك من المتعة التي تحصل عليها من الإشعارات الواردة لهاتفك. 

ينخفض عدد الاشعارات، تشعر برغبة ملحة في صورة جديدة، أو تغريدة تستثير بها متابعيك، أو منشور على فيس بوك يشعل حماس الناس من حولك. وتبقى تنتظر الإشعارات لترفع نسبة الدوبامين مرة اخرى. وهلم جرا. 

خطوات للتخلص من ادمان الهاتف

بعد أن عرفنا ان شركات مواقع التواصل الاجتماعي تضع كل ثقلها في إبقاء الهاتف في يدك، فالخطوة الأولى للتخلص من هذا الإدمان هو إلقاء الهاتف بعيداً. 

الأمر يهل قوله ويصعب فعله، وهذا أمر حقيقي، فنحن مرتبطون بشدة بوسائل التواصل الاجتماعي تلك، ماذا عن رسالة صديقي التي انتظرها، وماذا لو أرسل لي أحدهم صورة مضحكة ولم أرد عليه، وماذا لو وماذا لو … وتطول التكهنات. 

احذف التطبيقات

لذلك فإن أسرع وأبسط طريقة هي وضع حد لوسائل التواصل دون قطعها بشكل كامل، فقمت بحذفها جميعا ( باستثناء Whatsapp ) وفتحها عبر الحاسوب الذي أستخدمه عادة في العمل فقط، في فترة الصباح. 

هذه العملية على بساطتها، لم تجعلني اخسر التواصل بيني وبين الأصدقاء والعائلة، فجميع الرسائل أستطيع الرد عليها أول شيئ عندما ادخل المكتب في الصباح، ولكني في الوقت نفسه لا استطيع أن اقضي وقتا طويلا على وسائل التواصل في بيئة العمل. 

اخرج دون هاتفك

هناك مشاوير كثيرة لا تحتاج فيها للهاتف، كالذهاب لصلاة العصر في المسجد، أو الجلوس لسماع خطبة الجمعة، أو في الجولة المسائية حول المنزل. أو أثناء جلوسك في مقهى مع صديقك لمدة ساعة تقريباً، أترك هاتفك في السيارة، أو المنزل. هذا سيقلل من الارتباط الكبير بالهاتف. 

أمسك كتابًا 

واحدة من أكثر الأمور التي تعين على التخلص من الاكتئاب، هي ايجاد عمل بديل تستفيد فيه من الوقت الذي كنت تقضيه على الهاتف في السابق، فالكتاب يمكن أن يمثل حلاً فعلاً في مثل هذه الحالات. أو أن تجد نوعا اخر من المتعة تشغل فيها وقتك. 

عني انا، كانت أعمال المنزل تتراكم يوما بعد يوم، فحوض المطبخ فيه مشكلة، واضواء البيت نصفها يحتاج إلى التغير، وسرير ابنتي الصغيرة يحتاج النقل إلى المخزن بعد أن هجرته لشهور. ووجدت فسحة من الوقت بعد حذف جميع التطبيقات للبقاء بعيدا عن الهاتف، وإرضاء زوجتي التي كانت قد يئست من انهاء الواجبات المنزلية. 

تعلم صنعة، أو طور مهارة، أو مارس رياضة

على الصعيد الشخصي، لم أكتب مقالا منذ مدة طويلة جدًا، وكان لترك وسائل التواصل الاجتماعي فرصة أن أعود لهذه الهواية التي أحبها. لكن وقت الفراغ الذي خلفه البعد عن الهاتف، جعلني اكتشف نوعا جديدة من الهوايات وألجأ للأرض فحصدت الشمام الذي زرعته سابقا عن طريق الخطأ. وزرعت الطماطم وانتظر أن أرى ثمرها، ونسقت حديقة المنزل. 

عد بحذر

قد لا تستطيع ان تختفي عن وسائل التواصل كل الوقت، ولكن العودة إليها ( حال تطلب الأمر ) ستكون عودة حذرة، يبحث الانسان فيها عما يهمه تحديدا، وما ينفعه منها، ويترك ما يحمله سيلها الجارف من زبد لا يصلح العقول ولا يفيد الأنفس. 

في النهاية كانت هذه تجربتي الشخصية، ومن كانت له تجارب شبيهة أو طرقًا اخرى للتخلص من ادمان وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يبخل بمشاركتها. 

دمتم بخير 

شارك
نشر المقال:
عبد الكريم عوير