التصنيفات: غير مصنف

كيف انهزم إنسان القرن الـ21 أمام مرض القرون الوسطى:الطاعون؟

نجحت الولايات المتحدة منذ 50 عاماً كاملة في أول وصول لإنسان على سطح القمر، لكن الأمريكيين ما يزالون يموتون من مرض العصور المتوسطة الذي اجتاح أوروبا في القرن الرابع عشر، ليصبح الأمر محيراً، كيف لم تتخلص دولة بهذه القوة من مرض الطاعون؟

سبب الطاعون حوالي 50 مليون وفاة في أفريقيا وآسيا وأوروبا في القرن الرابع عشر، وقد نشر الهلع بين الناس، وسمي بـ”الموت الأسود” فيما بعد، لدرجة أنه كان يقتل نصف السكان في المدن الأوروبية التي يحل فيها، وقد قتل ثلث سكان أوروبا آنذاك، كان آخر وباء مرعب حدث، عام 1665 في لندن، حيث قتل خمس سكان المدينة، كما كان هناك وباء في الصين والهند في القرن التاسع عشر، قتل 12 مليون إنسان.

لكن، المرض المخيف لم يلق بعد في مزبلة التاريخ، فهو متوطن في مدغشقر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية والبيرو، لكن الشئ الأكثر إدهاشاً على الإطلاق أنه ما يزال يقتل الناس في الولايات المتحدة !

كان هناك 12 حالة في السنة الماضيةفي الولايات المتحدة، مقارنة بمتوسط سبعة مرضى لكل سنة، بحسب ما قال مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منه، كما كانت هناك أربعة وفيات بسببه، وهو رقم أعلى من أي سنة لهذا القرن.

البكتيريا المسئولة عن هذا المرض تسمى “يرسينيا بيستيس”، وقد دخلت إلى الولايات المتحدة عن طريق البواخر التي تنتشر فيها الفئران، التي تعد الحامل لها، بحسب ما قاله دانيال إبشتاين من منظمة الصحة العالمية، وهو ما لم يدركه الأطباء في القرون السابقة، ثم تابع قائلاً أن الطاعون منتشر جداً في المدن الساحلية الغربية، لكن آخر طاعون حدث في المناطق الحضرية كان عام 1925، في لوس أنجيلوس، وانتشر إلى الجرذان والفئران في المناطق الحضرية، وهو ما جعله الوباء مترسخاً في الولايات المتحدة .

ينقل المرض من الحيوانات إلى الإنسان عبر لدغات البراغيث، ومعدل الوفيات التي يسببها تقدر من 30 إلى 60 بالمئة إذا لم يعالج، ومع ذلك، فالمضادات الحيوية ليست فعالة إلا إذا تم تشخيصه بشكل مبكر.

تحدث معظم الحالات في الصيف، لأن الناس يقضون وقتاً أطول في الخارج، ويقول إبشتاين أن النصيحة التي يقدمها للناس هي اتخاذ الاحتياطات ضد لدغات البراغيث، وعدم التعامل مع جثث الحيوانات في المناطق التي يتوطن فيها الطاعون، وقال مركز السيطرة على الأمراض أن المناطق المعنية بالتحذير هي نيو مكسيكو وأريزونا وكاليفورنيا وكولورادو، فكل حالات هذه السنة جاءت من هذه المناطق، أو من الولايات التي تقع على غرب خط الطول المئة، وهو الخط الذي يسميه الدكتور أميش أدالجا المتخصص في الأمراض المعدية، “خط الطاعون”، قائلاً أن كلاب البراري هي المضيف الأساسي لهذا المرض، والجغرافيا والمناخ في غرب الولايات المتحدة مناسبة لها كثيراً، وحقيقة إنها “حيوانات اجماعية” تساعد البراغيث المصابة بالمرض بنشره للأسف.

القوارض سوداء القدمين والوشق الكندي هي الأنواع المعرضة للطاعون أيضاً، كما يقول الدكتور دانيال بوتك، المتخصص في علم الأوبئة في المجلس الوطني الامريكي، مضيفاً أن وجود هذه الحيوانات المضيفة يجعل الطاعون صعب الإفناء، إن لم يكن مستحيلاً!

المرض الوحيد الذي نجح العلماء في القضاء عليه حتى الآن كان  الجدري، ونفس الشئ مع شلل الأطفال، ذلك لأنه ليس لديه مضيف حيواني، مع أنها لا تزال متوطنة في بلدين هما أفغانستان وباكستان، وتعمل منظمة الصحة العالمية على القضاء على القضاء التام على شلل الأطفال، وقد أعلنت بالفعل أن هذا المرض لم يعد متوطناً في نيجريا، أما المؤسف أنه عاد إلى سوريا بعد أن قضي عليه هناك، بسبب الحرب المضطرمة هناك.

قال إبشتاين أنه علينا أن نبيد القوارض، وبدون أن نفعل هذا سوف يبقى الطاعون يرتع في أرجاء البلاد، على الناحية الأخرى، فإن العلماء في المركز الوطني لصحة الحياة البرية قد عمل مع الحدائق لتطوير تطعيمات تتناول عن طريق الفم لحماية القوارض سوداء القدمين وكلاب البراري، كما تم تصنيع تطيعم قابل للحقن للقوارض سوداء القدمين، لذلك، يبدو أنه من الممكن الانتصار على المرض، على الأقل في الحدائق الوطنية الأكثر شعبية.

بشكل عام، فإن البحث في هذا المرض حيوي بشكل عظيم، والعلماء يحاولون تطوير طرق لتشخيصه، وتطوير تطعيمات فعالة للإنسان، والسبب في ذلك أن الطاعون يصنف سلاحاً في الحرب البيولوجية من النوع A، أي أنه من الأسلحة البيولوجية الاخطر على الإطلاق، وإذا حدث ذلك، فحينها سوف يكون السبعة الذين يموتون كل سنة في كفة، والكارثة التي ستكرر كوابيس القرون الوسطى في كفة أخرى تماماً.

شارك
نشر المقال:
محمد حمزة