التصنيفات: أخبار العلوم

كهوف المادة

كان لنا موعد مع رحلة فضائية قصيرة تحت سماء المادة، حلقنا من خلالها على كامل الهيكل الجغرافى للمادة. وكانت الرغبة من هذه الرحلة المكوكية هو اكتشاف سر من أسرار المادة التى اخفت بين ضلوعها الكثير من الأشياء الهامة لكل مكتشف أو كل صانع وبالطبع لكل  كل باحث علمى. لم يكن الهدف من هذه الرحلة خفيا على رائد رحلتنا كما أنه لم يكن ببعيد عن عاشق المادة والقائم على دراستها أناء الليل وأطراف النهار. امتلئ قلب عاشق المادة بالشغف البحثى لدرجه أنه اعتبرها طفلته التى يداعبها فى حب وحنان، وعلى الجانب الأخر لم تبخل هذه المادة فى مبادلة  معشوقها بكل ما لديها حب وأسرار. وعندما اكتشف رائد رحلتنا العلاقة بين المادة وعاشقها، قرر فى التو واللحظه أن يوثق هذه العلاقة من خلال كاميرات طائرته التى كانت تارة تنظر بعين ماسحة وتارة أخرى تمعن النظر بعين نافذه. تصوير فضائى للمادة جاء لنا بطبيعة ما تحتويه المادة من كهوف علاوة على ما تضمنته من مرتفعات ومنخفظات بل وكل ما تخللها من سهول وهضاب.

الطبيعة الجغرافية للمادة

عندما حلقت طائرتنا فى سماء المادة، غمرتنا الدهشة مما رأينا ووقعت أعيينا على عالم جديد وممتع ما كان يخطر بخيالنا. وعندما أمعنا النظر فوق مساحة معينة من أرض المادة الصامته وجدنا تجمع كثبان حبيبات هذه المادة، وكأننا أمام صخور جبلية مختلفة الأشكال والتى كان بعضها كروى فى تصميمه وكان البعض الآخر عبارة عن رقائق متراصة فى عشوائية منقطعة النظير. تخلل كل هذه الصور الكروية بل وكل هذه الرقائق فجوات وتجاويف شيدت كهوفا مختلفة الملامح أدت بنا الى طبيعة جغرافيه معينة تميزت بها كل مادة، أطلقنا عليها فيما بعد الطبيعة المورفولوجية للمادة.

كاميرات استكشاف الطبيعة الجغرافية للمادة

لم يكن الأمر بسيطا بل كانت كاميراتنا الحديثة أكثر دقه فى الاقتراب من المادة وتحديد الملامح الدقيقة لها من خلال الميكروسكوب الالكترونى الماسح. عندها حركنا ما لدينا من كاميرات هناك وهناك، وفى كل مره لم تبخل علينا طبيعة المادة بسحرها وجمالها الذى تطلب منا البحث والتنقيب عن الأسباب والمسببات لكل هذا السحر والجمال الالهى. وفى رحلة البحث الشيقه استطعنا أن نحدد حجم حبيبات المادة وكذلك طبيعة توزيع وتناثر هذه الحبيبات داخل المادة. ولم يتوقف شغفنا البحثى وسعينا وراء الحقيقة واكتشاف المزيد، بل كثفنا جهودنا للاقتراب أكثر وأكثر من أعماق بحار المادة، فغيرنا الكاميرا التى فى أيدينا بكاميرا أكثر نفاذية والتى كانت من خلال الميكروسكوب اللالكترونى النافذ الذى أكد لنا كل ما سبق من حقيقة حجم الحبيبات ولكنه  كشف لنا عن المزيد من كنوز الطبيعة الجغرافية للمادة وأعطانا فى كثير من الأحيان طبيعة بصمة المادة المتمثلة فى المسافات البينية بين بلوراتها. 

كهوف المادة وآثارها

جاءت كهوف المادة بكامل آثارها على كل المستويات البحثية والصناعية بل والاقتصادية. فجاء الباحث بالعديد من التقنيات والنظريات المتعلقة بكيفية تكوين هذه الكهوف، فى حين جاء الصانع بالكثير من التطبيقات التى استفادت بها البشرية، فكان للمواد المحتوية على الكثير من الكهوف المختلفة الصور والأشكال الكثير من التطبيقات فى مجال معالجة التلوث البيئى المترامى الأبعاد فى كل من الهواء والماء. أما على المستوى الاقتصادى جاءت كهوف المادة بالمواد الحفزية التى ادت الى اكتمال الغالبية العظمى من الصناعات الكيماوية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد الى مواد تخزين الطاقة وتخزين المعلومات وغير ذلك من المواد البازغة والمستقبلية. وكأن فى كهف المادة سر الحياة!!!.

طبيعة كهوف المادة

كانت عملية اكتشاف طبيعة كهوف المادة من الضروريات التى فرضت نفسها على المتخصصين فى علوم المواد. وما كان أمام عاشق المادة الا الذهاب نحو تحديد طبيعتها النسجية القائمة على تحديد مساحة سطح هذه المادة والتى اعتمدت اصلا على ما سوف تحتضنه هذه كهوفها من طبقة أولية من الغاز الممتز ( كغاز النيتروجين أو الأرجون أو ثانى أكسيد الكربون) على سطح هذه المادة. ومن مدى قدرة المادة على تخبأة أكبر كمية من الغاز الممتز المستخدم فى تحديد الطبيعة النسجية للمادة نستطيع تحديد هوية المسام الموجودة داخل كهوف المادة. علاوة على أن تشخيص الطبيعة النسجية للمادة يؤدى بنا الى التشخص السليم لمدى تاثير المادة فى الكثير من التطبيقات الهادفة كازالة العناصر الثقيلة والضارة من المياة…ألخ.

شارك
نشر المقال:
أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz