التصنيفات: الصحة الجيدة

علم الأحياء النسائي

قامت مجموعة من العلماء بتمويل نوع من البحوث البيولوجية التي تم تجاهلها لفترة طويلة من الزمن بسبب التمييز العنصري بين الجنسين، ففيما مضى تحدث العلماء كثيراً عن تأثير التميز العنصري بين الجنسين على البحوث العلمية الحيوية, منذ ثلاثين سنة كان العلماء الأحياء يشيرون إلى الحيوانات المنوية “بالمختَرِقة” أو “بالناقبة” عبر البويضة، حيث يكون دور الأخيرة سلبي في عملية الالقاح, وقد استمرت هذه التسمية حتى بعد أن أظهرت الدراسات بأن البويضة تلعب دوراً فعالاً في عملية التخصيب وأن الحيوانات المنوية السابحة نحوها أضعف من أن تستطيع اختراقها, أما في وقتنا الحالي, فقد أصبح من المعلوم أن كل من البويضة الملقحة و الحيوان المنوي يتعرّفان على بعضهما البعض و ينجذبان إلى بعضهما، ويلتحامان لتشكيل الأجنّة, ولكن مع ذلك كان التحيّز الجنسي مستمر في باقي فروع علوم الأحياء, حيث قامت مجلة (Popular Science) هذا الشهر بنشر تقرير عن إشكالية في علم الأعصاب, ترمي من خلاله لإيجاد اختلافات في البنى الأساسية للدماغ ما بين الرجال و النساء.

ولكن, ومن جهة ثانية, قامت جامعة ويسكونسن ماديسون بالبحث عن نوع معين من علماء الأحياء و اللاتي يكنّ من النساء تحديداً, وتسعى الجامعة لإنشاء زمالة علمية يديرها قسم البحوث العلمية الخاص بالنساء, والتابع للبحوث العلمية الحياتية، وبقدر ما تبدو فكرة أن يكون هناك عالمات أحياء في قسم العلوم الاجتماعية أمراً غريباً، ولكن الباحثون المسؤولون يأملون أن تكون هذه الخطوة أكثر من مجرد كسر للقاعدة.

تعد جامعة ويسكونسن أحد أهم المراكز التي تركز إهتمامها على دراسة الناحية البيولوجية بالفرق ما بين الجنسين, وكان الفضل الأكبر لوجود هذا البرنامج يعود للدكتورة (روث بليير) والتي كان لها شهرة واسعة في هذا المجال, ولكن للأسف وافتها المنية مبكراً, و ما حدث بعد وفاتها أنه أصبح لدى زملائها إرثاً كبيراً, لاستكمال الجهود التي قدمتها, لذلك تم التوصل إلى فكرة برنامج الزمالة لدراسة البيولوجيا النسوية في مرحلة ما بعد الدكتوراه.

بشكل طبيعي, كانت علاقة الزمالة التي أنشأتها جامعة ويسكونسن ماديسون مفاجئة كبيرة للمجتمع الطبي, وهذه العلاقة ستدعم عالمات الأحياء سنوياً و لعدة سنوات قادمة, وبحديث تم إجراءه مع (جانيت هايد) وهي إحدى المسؤولات عن هذه المجموعة إضافة لكونها طبيبة نفسية مسؤولة عن إدارة المركز الجامعي لأبحاث الجنس والمرآة, تم سؤالها عن ماهية علم بيولوجيا النساء.

أفادت (جانيت هايد) أن علم البيولوجيا النسائية يدرس موضوعين أساسيتين, الموضوع الأول يقوم على نقد التحيّز ما بين الجنسين ضد المرآة فيما مضى, عن طريق الإشارة إلى الإشكاليات الموجودة في هذه النظريات والأساليب لعلم الأحياء التقليدي, والموضوع الثاني هو القيام بأبحاث جديدة بأساليب جديدة على مواضيع جديدة, بعيداً عن هذا التحيز، منصفاً الدور النسائي ضمن هذه الأبحاث.

وتجدر الإشارة إلى أن الزمالة التي احدثتها جامعة ويسكنسون تجري لأول مرة, ولا مثيل لها على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يحصل الذين شاركوا بهذه الدراسة على درجة الدكتوراه ومن ثم سيجري الحاقهم بالعمل في الأبحاث و التدريس.

إن أحد أفضل الأمثلة عن تأثر علم الأحياء بالتحيز العنصري كانت في الدراسات على الرئيسيات(هي أحد رتب الثدييات في التصنيف العلمي للمملكة الحيوانية وتتضمن  جميع الأنواع التابعة لليموريات والقردة بالإضافة للإنسان), ففي كتاب للباحثة (سارة بلافر هردي) ناقشت فيه سلوكيات الحيوانات الرئيسية التي تم تشويهها من قبل تفسيرات الباحثين, وضربت مثال على ذلك كيف تم اهمال السلوك العدواني من قبل الإناث والذي أدى إلى جعل النساء على قمة التسلسل الهرمي للنظام الاجتماعي لأنواع معينة من الرئيسيات,  ومثال آخر يتحدث عن تجربة أجريت على حجم الجسم الثفني (هو منطقة من الدماغ له وظيفة في عمليات الإتصال  بين نصفي الدماغ), فقد أشارت هذه الدراسة أن مساحة الجسم تكون أكبر لدى النساء منه عند الرجال, مما يسمح لهم بمزيد من عمليات الاتصال بين نصفي الدماغ, و هذا يتفق مع الصورة النمطية المأخوذة عن النساء بكونهن جيدات في عمليات التواصل, ولكن عندما حاول العلماء تطبيق هذه النتائج على أرض الواقع لم تأتي متفقة مع البحث.

تاريخياً، فقد جرت عدة محاولات لدمج النساء في العديد من الميادين العلمية، حيث تم إدخال المشاركات النسائية كحقل فرعي كامل في قسم اللغة الإنكليزية وأيضاً في قسم التاريخ، ولكن كانت المشاركة النسائية في فرع علم النفس بشكل جزئي, وبشكل عام فإن المشاركة النسائية في المجالات العلمية كانت أبطأ من باقي الدراسات، وبحسب اعتقاد بعض العلماء فإن البطء في وصول هذا النوع من الزمالة إلى علم الأحياء لكون علم الأحياء هو علم موضوعي ومنطقي , ولكن هذا الاعتقاد ليس صحيحاً, فلكل عالم وجهة نظره و لا يمكن أن نكون متحيزين بالرأي في مجال العلم, وللحقيقة فإن التطور التاريخي للزمالة النسائية في فروع العلم هو الذي أوصل هذه الزمالة الآن إلى قسم علم الأحياء, على أمل أن هذه الزمالة ستبرز جيل جديد من العلماء الذين سيسعون لاستمرار هذه المنهجية.

ستكون أول متدربة لدى الدكتورة (جانيت هايد) فتاة تدعى (كارولين فانسيكل) حصلت مؤخراً على درجة الدكتواره في علم الإنسان البيولوجي في جامعة ميشيغان, و وهي متخصصة في دراسة الأحفوريات البشرية وأحفوريات أسلاف البشر الأقرب إلى الهيئة البشرية, و حالياً ستجري بحثاً أحفورياً على منطقة الحوض لدى الإناث، بهدف تحليل آثار تطور منطقة الحوض في تطور الولادة الطبيعية, حيث تم سابقاً دراسة منطقة الحوض لدى الرجال ولكن ليس لدى النساء.

في الحقيقة، فإنه لا يمكن للقارئ العادي بأن يميّز فيما إذا كان المقال العلمي الذي يقرأه يحتوي على تحيّز عنصري أم لا، وفي محاولة لوضع الأمور في نصابها، فإن الدكتورة (جانيت هايد) تنصح بأننا عندما نقرأ مقالاً في علم الأحياء يجب أن نتأكد إن كان متحيزاً أم لا، وذلك بطرح السؤال (هل يمكن أن تكون النتائج متكررة عند الجميع)؟ ففي هذا الوقت حيث هناك الكثير من الاكتشافات العلمية التي تتسابق مع بعضها، قد تتلقى الكثير من الأبحاث كماً هائلاً من الانتشار الاعلامي, على الرغم من عدم موضوعية وصحة الكثير منها, بالإضافة إلى ذلك يمكننا تمييز البحوث المتحيزة جنسياً، عن طريق وجود بعض العبارات التي يتم استخدامها في البحث، كاحتواء الدراسة التي يقدمونها على جزء متعلق بمقارنة هذه الدراسة ما بين الرجال و النساء, لأن أي باحث جيد لا يمكن أن يميز في دراسته ما بين الرجال والنساء إلا من خلال إرجاع هذه الاختلافات إلى الاختلاف الهرموني مثلاً أو شيء من هذا القبيل, فضلاً عمّا تقدم يجب أن نعير بالاً إلى عدد المشاركين الذين تتم عليهم الدراسة المطروحة، فالدراسات الصحيحة يجب أن تكون مبنية على عدد كبير من العينات إضافة لكون هذه العينات جيدة, وليس مجرد مقارنة بين بضعة نساء وبضعة رجال.

أخيراً، ولنكون موضوعيين في الطرح، فإنه يوجد الكثير من الاختلافات ما بين الرجال النساء، ومهمة الزمالة النسائية التي طرحتها جامعة ويسكنسون هي إجراء دراسة للتحقق من صحة هذه الاختلافات,  فالكثير من الظواهر في علم الأحياء وعلم النفس تبدو واضحة حقا ولكنها مع ذلك يمكن أن تكون بحاجة لإعادة النظر بأمرها، كمثال على ذلك، فإننا إذا نظرنا إلى دورة الشمس من موقعنا على كوكب الأرض، فإننا سنجزم بأن الشمس تدور حول الأرض، كوننا نراها كل يوم تظهر من الشرق وتختفي في الغرب، إذاً، فليست جميع الأمور التي يفرضها الحدس صحيحة، وإننا عن طريق امتلاك التكنولوجيا الملائمة وإجراء الاختبارات اللازمة سنصل إلى النتيجة الصحيحة.

المقالة الأصلية

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير