التصنيفات: غير مصنف

علاج جيني جديد يمنع تمرير الأمراض الوراثية الخطيرة من الأم إلى أطفالها

أشار الباحثون في الولايات المتحدة في دراسة تم نشرها في مجلة (Cell) إلى أنهم يأملون أن يستطيع العلاج الجيني البسيط الذي توصلوا إليه الوقاية من الأمراض المدمرة التي تنتقل من الأمهات إلى أطفالهن، حيث أظهر فريق من معهد سالك في كاليفورنيا من خلال تجاربهم على الفئران أن هذا العلاج للأجنة استطاع تصحيح الأخطاء التي قد تكون موجودة في الحمض النووي للميتوكوندريا، والتي تعتبر البطاريات البيولوجية التي يحتاجها الكائن الحي للحفاظ على أنسجة جسمه بحالتها السليمة.

تحمل معظم الخلايا في الجسم المئات أو الآلاف من الميتوكوندريا التي نرثها فقط من أمهاتنا، ولكن الطفرات الضارة التي تصيب الحمض النووي للميتوكوندريا قد تؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض المتفاقمة والتي غالباً ما تكون قاتلة حيث أنها تؤثر عادة على القلب والدماغ والعضلات.

حتى الآن لا يوجد علاج فعال لأمراض الميتوكوندريا، ولكن بعد التغييرات الأخيرة التي حدثت على قانون المملكة المتحدة والتي سمحت بالقيام بإجراءات تجريبية تسمى “نقل الميتوكوندريا” يتم من خلالها إعطاء الأجنة لميتوكوندريا سليمة من متبرعة أنثى، قد يستطيع العلماء التوصل لعلاج فعال لهذه الأمراض، وذلك على الرغم من أن هذا الإجراء ما يزال موضع جدل، لأن الأجنة في هذه الحالة سيحملون حمض نووي لثلاثة أشخاص (الأب والأم والمتبرعة)، وهذا قد يؤدي لحدوث مخاطر طبية ليست معروفة تماماً قد تؤثر على العديد من الأجيال القادمة.

أظهر باحثون أمريكيون أن إجراء تعديل بسيط على الجينوم قد يعمل على تصحيح الميتوكوندريا في أجنة الفئران والحد بشكل كبير من عدد الأخطاء التي قد تنتقل إلى الأجيال المقبلة، وقد جاءت هذه الدراسة بعد أن ادعى باحثون صينيون بأنهم قاموا باستخدام إجراءات مماثلة لتعديل الأجنة البشرية وراثياً، حيث حاولت المجموعة الصينية تصحيح الخلل الجيني الذي يسبب ثلاسيميا بيتا، وهو اضطراب يصيب الدم ويكون مهدداً للحياة، ولكنهم وجدوا بأن التقنية المستخدمة كانت غير فعالة وغير آمنة، حيث أن الأجنة المستخدمين في التجربة كانوا غير قادرين على النمو بشكل طبيعي إلى أطفال أصحاء.

في تجربة الباحثين الأمريكيين، قام العلماء أولاً بحقن أجنة فئران مخصبة حديثاً بأنزيمات تقطع الحمض النووي (DNA) في نقاط محددة، وقد كانت الفئران تحمل نوعين من الميتوكوندريا التي تملك طفرة بحرف واحد عن الشفرة الوراثية، لذلك عندما تم حقن الأنزيمات في الفئران بدأت تتصرف على أنها مقصات جزيئية وقامت بقص الحرف المستهدف (الطفرة) من الميتوكوندريا، وترك بقية الأحرف والميتوكوندريات الأخرى سليمة إلى حد كبير.

في السلسلة الثانية من التجارب، قام العلماء بوضع ميتوكوندريا إنسانية خاطئة في بويضة فأر، ومن ثم حاولوا تصحيح الطفرات، وقد كانت الميتوكوندريا الإنسانية تحمل طفرات تسبب نوعين مختلفين من الأمراض الموهنة، وهي الاعتلال العصبي البصري الوراثي ليبر (LHOND)، اعتلال الأعصاب وترنح والتهاب الشبكية الصباغي (NARP)، وفي هذه المرة، قام الباحثون بتصنيع أنزيمات في المختبر مخصصة لاستهدف الطفرات الضارة دون إحداث أي أضرار على الحمض النووي (DNA) في أي مكان آخر من الخلايا، ولكن في هذه التجربة كانت فعالية الأنزيمات أقل من تلك التي استخدمت في التجارب الأولى، إلّا أنها مع ذلك كانت لا تزال قادرة على خفض الطفرات الموجودة في الميتوكوندريا بنحو النصف.

أشار (خوان كارلوس ازبيزوا بلمونتي)، وهو الباحث الذي قاد العمل، أن العديد من أمراض الميتوكوندريا لا تظهر إلّا إذا كان الأشخاص – أو أعضائهم- يحملون نسبة عالية بما فيه الكفاية من الميتوكوندريا المعتلة، لذلك فإن أمراض الميتوكوندريا تكاد لا تكون ملحوظة إذا ما كان على الأقل نصف عدد الميتوكوندريا التي توجد في الجسم صحيحة.

وبعد صدور النتائج، بدأت المجموعة الأمريكية بإجراء اختباراتها على البويضات البشرية الفائضة التي تبرعت بها عيادات الخصوبة، وسيتم استخدام البويضات المعدلة لتصنيع خلايا جذعية سيتم زراعتها في خلايا العضلات والمخ والقلب لمعرفة ما إذا كانت ستعمل بشكل صحيح.

بحسب (بلمونتي)، فإنه على الرغم من أن هذه التقنية ليست مثالية تماماً، فهي لا تستطيع القضاء على جميع الأجزاء سيئة في الحمض النووي، ولكنها تستطيع القضاء على بعضها، وهذا سيكون كافياً لمنع انتقال هذه الأمراض من الأمهات المصابات إلى الأطفال.

ستكون الخطوة القادمة بالنسبة للباحثين هي الكشف عن المشاكل التي قد تنجم عن الإنقطاعات العرضية للجينات الصحيحة، وهذه الدراسة المقبلة قد تتنبأ بمدى خطورة هذه الانقطاعات الخاطئة والتي يمكن أن تكون عقبة رئيسية في وجه العلماء، وفي هذا الخصوص يقول (بيلمونتي) إذا ما تأكد الباحثون من أن خلايا العضلات والمخ والقلب تعمل بشكل صحيح، سيستطيعون عندها وضع هذا الإجراء على طاولة النقاش وبعدها سيتم تقرير ما إذا كان العلماء سيمضون قدماً مع هذه التقنيات أم لا.

يعتقد (بيلمونتي) أنه إذا ما ثبت أن هذا الإجراء الجديد آمن وفعال بما فيه الكفاية، فسيكون له تأثير كبير على نقل الميتوكوندريا، ولأن هذا الإجراء يعتبر بسيطاً جداً، فإن هذا يعني أنه يمكن لمئات المختبرات في جميع أنحاء العالم القيام به، وليس المختبرات المتخصصة، ولكن وبحسب (جوانا بولتون)، أستاذة علم وراثة الميتوكوندريا في جامعة أكسفورد، رغم أن تعديل الجينوم يمكن أن يصبح قابلاً للتطبيق وخاصة بالنسبة للنساء اللواتي قد يمررن أمراض الميتوكوندريا الخطيرة لأطفالهن في يوم من الأيام، إلّا أن التبرع بالبويضات والتشخيص ما قبل زرع الأجنة لا يزال هو الخيار الأفضل حتى الآن.

حذرت (بولتون) أيضاً من أن تعديل الجينوم قد لا يكون مناسباً لجميع النساء، حيث أشارت إلى أن بعض أمراض الميتوكوندريا، مثل الـ(LHOND)، لا تمتلك عتبة دنيا ثابتة يمكن من بعدها التأكد من أن الطفرات لن تشكل مرضاً خطيراً، ولذلك فمن الصعب معرفة مقدار المساعدة التي يمكن أن يوفرها تخفيض عدد الطفرات في الحمض النووي.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير