التصنيفات: اخر الأخبار

سويسرا تفتتح أطول نفق للسكك الحديدية في العالم

قد تبدو سلسلة جبال الألب مذهلة لناظرها، ولكن بالنسبة للأوروبيين، يمكن أن تكون مزعجة جداً، فبارتفاعها الذي يناهز حوالي 16000 قدم، تشكل هذه السلسلة الجبلية جداراً سميكاً عبر غرب القارة ووسطها، وتقسم البلدان وتحتم على الكثير من الأوروبيين السفر لمسافات طويلة شاقة وبسرعة بطيئة.

في الوقت الحاضر، تم بالطبع اختراق الجبال من خلال حفر العديد من الأنفاق وإنشاء العديد من الطرق السريعة الرئيسية، وهي شبكة استطاعت حتى الآن ربط الوديان النائية بالمدن الكبيرة خلال رحلة لا تتجاوز عدة ساعات، ولكن على الرغم من ذلك، لا تزال جبال الألب تشكل حاجزاً يبطئ سرعة الرحلات بين جنوب وشمال أوروباً حتى اليوم، إلّا أنه وابتداءً من 1 تموز/ يونيو، سيصبح هذا الحاجز أقل تسبباً في المشاكل.

في الشهر المقبل، ستقوم سويسرا بافتتاح أطول نفق لسكك حديدية في العالم، وبطول سيصل إلى 35.5 كيلومتراً، سيستطيع النفق الحجري الجديد الذي سيمر في عمق جبل وجوتهارد أن يصل بين مناطق سويسرا التي تتحدث باللغة الألمانية والإيطالية، وسيربط بشكل أساسي بين الأراضي المنخفضة السويسرية مع السهل الإيطالي الشمالي، وسيتجاوز طول نفق سيكان في اليابان بما يزيد قليلاً عن ثلاثة كيلومترات (1.9 ميل).

بانخفاضه إلى أكثر من 8000 قدم تحت قمم الجبل في بعض الأحيان، فإنه سيكون أيضاً أعمق نفق يتم بناؤه تحت مستوى سطح الأرض، والجدير بالذكر أن كمية الصخور والأنقاض التي نتجت عن أعمال التشييد وصلت إلى أكثر من 28 مليون طن، مما أدى إلى ظهور تلال اصطناعية في الوادي الذي يقع عند مدخل النفق.

على الرغم من أن افتتاح النفق يعتبر انتصاراً بحد ذاته، إلّا أن طول الفترة الزمنية التي تطلبها هذا النفق ليصبح جاهزاً يظهر مدى الالتزام والتمويل الذي تطلبته أعمال البنية التحتية الرئيسية، حيث أنه كان قد تم الموافقة على إنشاء النفق للمرة الأولى في عام 1992 خلال استفتاء وطني، كنتاج لنظام سويسرا للديمقراطية المباشرة، التي ترى بأن الاستفتاء الشعبي هو الوسيلة لحل العديد من القضايا، أما أعمال البناء فقد بدأت في عام 1996، ولم تكتمل أعمال الحفر الفعلي للنفق سوى في عام 2011، في حين أن التكلفة الإجمالية بلغت حتى الآن ما يقرب من 10.3 مليار دولار.

من جهة ثانية، فإن هناك العديد من الفوائد التي سيقدمها هذا النفق الضخم، فمع سير القطارات على مسار مسطح بالكامل تقريباً ومشيد بطريقة خاصة، ستستطيع القطارات السير من خلال النفق بسرعة يمكن أن تصل إلى 150 ميلاً في الساعة، وهذا يمكن أن يقلل من الوقت اللازم للسفر من زيوريخ إلى ميلانو إلى ساعتين و30 دقيقة فقط، وهذا أسرع من الوقت التي تتطلبه الرحلة حالياً والذي يصل إلى أربع ساعات و40 دقيقة، وعلى الرغم من أن هذا بحد ذاته قد يكون مثيراً للإعجاب، إلّا أن الوصول السريع بين المدن الفرعية التي تحيط بجبال الألب ليس حقاً السبب الرئيسي لتشييد الأنفاق الجديدة، ولن يكون لوحده السبب الذي يجعل الدولة تنفق بالضرورة أكثر من 10 مليار دولار على أعمال بنائه.

لقد تم تشييد النفق في الحقيقة ليكون جزءاً من مشروع أكبر بكثير، وهي خطط لتطوير السكك الحديدية على نطاق واسع، تهدف إلى تبسيط عبور البضائع عبر أوروبا، وعند اكتمالها، ستساهم هذه الشبكة السريعة بخفض أوقات الرحلات وتكاليف النقل وجذب شركات الشحن للخروج من الطرق السريعة للقارة واستخدام السكك عوضاً عنها، وإذا سارت الأمور بحسب الخطة، فإن هذا يعني بأن الطرق السريعة ستكون أقل ازدحاماً وسيكون الهواء أقل تلوثاً، ومع انخفاض الحركة المرورية، ينبغي أيضاً أن تنخفض عدد الوفيات على الطرق.

هذا يعتبر مهماً جداً في مناطق جبال الألب، حيث أن العدد المحدود من معابر الطرق عبر الجبال يؤدي لحدوث ارتفاع بدرجات التلوث، فضلاً عن الازدحام في المناطق النائية التي كانت سابقاً تنعم بالسلام، ولكن التغيير لن يطال فقط المنطقة المجاورة مباشرة للنفق، حيث سيكون أول خطوط السكك الحديدية المسطحة التي ستعبر من خلال نفق جوتهارد، هو الخط الذي سيمتد على طول الطريق من روتردام في هولندا بالجنوب إلى جنوا على ساحل البحر المتوسط، وهما نقطتان مهمتان جداً، فهما تشكلان أبعد نقطتين من القسم البري الرئيسي من الموزة الزرقاء لأوروبا، وهو ممر مكتظ بالسكان يقطنه أكثر من 110 مليون نسمة.

سيظل النفق الذي سيعبر جبل جوتهارد هو أطول الأنفاق التي سيتم تشييدها لاحقاً والتي من شأنها أن تبسط جذرياً من حركة النقل عبر جبال الألب، ففي النمسا، سيتم افتتاح نفقين جديدين، أحدهما سيعبر جبل وسيمرنغ والآخر سيكون عبر كورالم، ومن المفترض أن يكون النفقان جاهزان بحلول عام 2024،  حيث أن هذا سيساهم أيضاً في خفض أوقات السفر بين مدينتين رئيسيتين في البلاد، وهما فيينا وغراتس، ولكن هدفهما الرئيسي سيكون توفير ممر سريع جداً يصل في نهاية المطاف بين ميناء بحر البلطيق في غدانسك إلى بولونيا (وبالتالي إلى روما)، وفي الوقت نفسه، في النمسا، بدأ العمل بالفعل على إنشاء نفق رئيسي جديد تحت ممر برينر، وبعد 34 ميلاً، سيكون تقريباً بطول نفق جوتهارد، وسيوفر طريقاً أسرع بين إيطاليا ومدينة ميونخ وبراين الألمانية وقد يصل حتى إلى الدول الاسكندنافية.

في غضون ذلك، تم إعطاء الضوء الأخضر لسكك جديدة سريعة تمر من جبال الألب وتربط بين الشرق والغرب، حيث أنها ستصل بين ليون في فرنسا وتورينو (وهو المشروع الذي كان حتى الآن مثيراً للجدل)، وينبغي أن يكون جاهزاً في عام 2028، ويصنع في نهاية المطاف ممر سكك حديدية سريع يصل إلى بودابست في الشرق.

إلى الآن تبدو الأمور جيدة، ولكن في حين أن نفق جوتهارد قد يشير إلى أننا سنحصل على طرق أوروبية أسرع وأنظف في المستقبل، فإن هذا النفق لن يستطيع تماماً تحقيق إمكاناته في الوقت الحالي، حيث أن شبكة السكك الحديدية في إيطاليا لا تزال بحاجة إلى إجراء الكثير من الأعمال عليها، وعلى اعتبار أن أسوأ الطرقات هي تلك التي توجد في جنوب البلاد، فإن الأولوية الحالية بالنسبة لروما قد يكون بأن تعمل عليها أولاً، وعلى الرغم من أن التعاون بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا غير العضو ضمنه قد فتح المجال أمام كميات هائلة من التمويل وحسن النية للقيام بمشاريع من شأنها أن تغير وجه القارة مثل النفق، إلّا أن المهندسين لا يزالون بحاجة إلى التعامل مع دول مختلفة، بما في ذلك تلك التي تواجه عدم اليقين الاقتصادي، ومع ذلك، وفي حين أن مستقبل السكك الحديدية الأوروبية السريعة والنظيفة لن يتحقق بمجرد افتتاح نفق جوتهارد، إلّا أنها على الأقل في طريقها لتصل إلى هناك.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير