التصنيفات: غير مصنف

دواء جديد لعلاج مرض الأكزيما

استطاع الطب الوصول إلى مرحلة مثيرة وإيجابية جداً فيما يخص علاج مرض الأكزيما، أو ما يدعى بالتهاب الجلد التأتبي (AD)، فسابقاً كان يعتقد أن الأكزيما هي عبارة عن مرض جلدي يصيب 4-7 % فقط من البالغين، ومن 15- 25 % من الأطفال في جميع أنحاء العالم – والغالبية العظمى من الأشخاص هم من سكان آسيا- كما كان يعتقد أن المسبب الأساسي لها هو إصابة طبقة البشرة أو الطبقة الخارجية من الجلد بعيب ما، ولكن أصبح الآن من المعلوم لدى الأطباء أن مرض الأكزيما هو أحد الأمراض التي تسببها المناعة والتي تسبب بدورها عيوب ثانوية في البشرة، وهذا الاكتشاف يعتبر نقلة نوعية بحد ذاته في هذا المجال.

هناك نسبة كبيرة من المصابين بالأكزيما حول العالم، ففي الولايات المتحدة وصل عدد المصابين بالأكزما إلى 31.6 مليون شخصاً، من بينهم 17.8 مليون شخصاً يعانون من حالات متوسطة إلى شديدة من المرض، كما أن نسبة الأطفال المصابين بالأكزيما تصل إلى 10.7 % ، وقد تصل إلى 18.1% في بعض الدول، وهذا ما دعا للاعتقاد بأن هذا المرض هو مرض طفولي، كونه يبدأ في مراحل مبكرة من الطفولة، ولكنّ الدراسات الحديثة أظهرت أن انتشار الأكزيما يصل إلى 10.2٪ عند البالغين، مما يشير إلى أن معظم حالات الأكزيما التي تصيب الأطفال يستمر تأثيرها حتى في مرحلة البلوغ.

وجد الباحثون أن ثمانية من أصل 10 مصابين بالأكزيما كان لديهم تاريخ وراثي عائلي بالإصابة بالأكزيما أو بالحساسية الموسمية أو بالربو، كما وجدوا أن أعراض الأكزيما تشتد في فصل الشتاء أو الصيف عندما يكون الطقس جافاً، أو عندما يكون هناك زيادة في التعرق، والجدير بالذكر أن الأكزيما ترتبط دائماً بحصول حكة مستعصية لدى المريض، مما يؤثر على نوم المريض وأدائه لأنشطته اليومية.

إن العلاجات المتوفرة حالياً لا تلبي حاجات المصابين بالأكزيما، فهي ما تزال محدودة جداً، فمثلاً دواء (بريدنيزون) الذي يؤخذ عن طريق الفم، يسبب آثاراً جانبية عديدة، كما أنه بمجرد التوقف عن تناوله فإن الأكزيما تعود من جديد إلى المريض، أما (السيكلوسبورين) فهو يقوم بقمع النظام المناعي مما يخفف أعراض الأكزيما، لكنه أيضاً يسبب آثاراً جانبية مثل الإصابة بتلف الكلى بعد سنة إلى سنتين من العلاج المستمر، وكذلك الأمر بالنسبة (للفوتوثيرابي) أو العلاج بالضوء، فهو فعّال لمعظم المرضى، ولكنه متعب كونه يتطلب الحضور إلى عيادة الطبيب ثلاث مرات في الأسبوع.

أما الأبحاث الحديثة والتي بدأت في جامعة روكفلر واستمرت في مستشفى مونت سيناي من قبل الدكتورة (ايما كوتان ياسكي) وزملائها، وهي أستاذة مشاركة في طب الأمراض الجلدية وعلم المناعة، ومديرة مركز (Excellence in Eczema)، فقد استطاعت تقديم أكثر الخرائط الجزيئية شموليةً لآليات عمل الأكزيما، كما قدم البحث رسماً لخرائط الدورة المناعية التي تميز هذا المرض، إضافةً إلى تبيان العيوب المرفقة التي تصيب الحاجز الجلدي للبشرة.

منذ فترة ليست ببعيدة كان يعتقد أن المسبب الرئيسي لمرض الأكزيما هو نوع من خلايا الدم البيضاء التي تسمى بالخلايا اللمفاوية ذات الاستجابة Th2، فالخلايا اللمفاوية عادةً ما تنتج جزيئات التهابية بكميات منخفضة، وذلك للحفاظ على الجسم في حالة مستقرة، أما عند المرضى الذين يعانون من الأكزيما، فإن هذه الخلايا الليمفاوية تتنشط، مما يحدث فرطاً في إنتاج الجزيئات الالتهابية، ما يؤدي في النهاية إلى حدوث التهاب جلدي، ولكن في عام 2009، بينت الدراسات التي قامت بها (كوتان ياسكي)  أن هناك جزء مفقوداً في هذا التفسير، حيث وجدت أن الخلايا اللمفاوية Th22))، تلعب دوراً رئيسياً في الأكزيما، فهي تقوم بإنتاج الانترلوكين 22 (IL-22)، وهو من المواد التي تؤثر على الالتهابات التي تصيب البشرة، مثل سماكة البشرة والتمايز الغير طبيعي، مما يضعف في النهاية الحاجز الجلدي، ولذلك فإن آثار هذه المادة الخلوية قد ترتبط مع العيوب التي تصيب حاجز البشرة والمناعة في مرض الأكزيما.

حالياً يقوم الباحثون بإجراء العديد من التجارب السريرية على عدد من العلاجات التي تستهدف جزيئات محددة من النظام المناعي فقط، وقد تم تمويل إحدى هذه التجارب السريرية من قبل المعاهد الوطنية للصحة، حيث تعد هذه الدراسة من أولى الدراسات التي تهدف لاكتشاف آثار تثبيط جزيء (IL-22) على نشاط  مرض الأكزيما، وما يرتبط به من أمراض جلدية، وقد تم تسجيل حوالي 60 مريضاً في هذه الدراسات خلال العام الماضي، ويتوقع من الدراسة أن توفر العديد من الفرص للمرضى للمشاركة فيها.

قام الباحثون بتجربة العديد من الأدوية التي تستهدف المسارات المناعية التي تشارك في تنشيط الجهاز المناعي في حالة الأكزيما، (عادة ما تكون الخلايا اللمفاوية ذات الاستجابة Th2، وTh22 وغيرها)، حيث تم تجربة دواء الدوبيلوماب (dupilumab)  البيولوجي والذي أظهر نتائجاً واعدةً من حيث سلامة استخدامه وفعاليته في التجارب الأولية، ويتم اعطائه إما بحقنه تحت الجلد عن طريق الوريد، أو عن طريق الفم، كما أن هناك أيضاً عدد قليل من العلاجات الموضعية التي يمكن أن تكون فعالة لدى المرضى الذين يعانون من أشكال خفيفة من المرض.

هناك دراسات أخرى قام بها فريق الدكتورة (كوتان ياسكي) بالمشاركة فيها تهدف لمعرفة ما إذا كان يمكن إجراء مقارنة بين الأكزيما عند الأطفال والكبار، حيث يمكن أن تكون هذه الدراسة حاسمة لمعرفة فيما إذا كان مرض الأكزيما هو ذاته لدى الأطفال والبالغين، كما أن هذه الدراسات تساعد على تطوير أدوية معينة لاستهداف المرض عند الأطفال، ومن المرجح أن تصبح هذه الأدوية متوفرة للمستهلكين خلال سنتين إلى خمس سنوات، وذلك حتى تظهر النتائج النهائية للتجارب السريرية ويصبح بالإمكان الحصول على الموافقات الحكومية، وخلال العشر سنوات القادمة سيكون لدى السكان العديد من الأدوية الشاملة والموضعية الجديدة التي ستكون أكثر أمناً وفعالية لعلاج الأكزيما، فعلى الرغم من أن المطريات والكريمات التي تعالج البشرة هي مهمة لعلاج الجلد، ولكن المريض يحتاج لوجود نوع من الأدوية التي تستهدف الجهاز المناعي وذلك لعلاج هذا المرض بشكل فعال.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير