التصنيفات: غير مصنف

خلايا جذعية لعلاج مرض السرطان

السرطان هو عبارة عن مجموعة من الأمراض تصيب الخلايا، وتجعلها أكثر عدائية تجاه الخلايا السليمة، حيث تقوم الخلايا المصابة بالانقسام والنمو اللامحدود، وتعمل بعدها على مهاجمة الأنسجة المجاورة، أو تقوم بالانتقال إلى أنسجة بعيدة في عملية يطلق عليها اسم (النقيلة)، وهذه القدرات هي من أبرز صفات الورم الخبيث على عكس الورم الحميد، الذي يتميز بنمو محدد للخلايا، كما أن الخلايا السليمة ليس لديها القدرة على الغزو والانتقال، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يتطور الورم الحميد إلى سرطان خبيث.

يمكن للسرطان أن يصيب جميع الفئات العمرية، وحتى الأجنة، ولكن تزداد مخاطر الإصابة به مع تقدم الإنسان بالعمر، وفي أغلب الأحيان يكون سبب تحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية هو حدوث تغيرات في المادة الجينية، أو بسبب تأثير عوامل مسرطنة مثل التدخين، أو التعرض للأشعة أو للمواد الكيميائية، وهناك أيضا عوامل مشجعة لحدوث السرطان مثل حدوث خطأ عشوائي أو طفرة في نسخة الحمض النووي DNA عند انقسام الخلية، أو بسبب توريث هذا الخطأ أو الطفرة من الخلية الأم.

يتم تصنيف كل نوع من السرطانات حسب النسيج الذي ينشأ منه، وهناك العديد من الأنواع السرطانية المختلفة، وكل منها له طريقة علاجه الخاصة، ولكن في مجال الأمراض السرطانية، قد تكون الأورام التي تصيب الدماغ من أصعب الأورام من الناحية العلاجية، فكثير من هذه الأورام تنتشر بسرعة وتستحوذ على أجراء دماغية تعتبر أساسية لعمل العديد من الأجهزة الرئيسية في الجسم، مما يجعل استئصال هذه الأوام جراحياً، أمراً صعباً جداً أو حتى مستحيلاً، ولكن مؤخراً توصل الباحثون في معهد جامعة هارفارد للخلايا الجذعية إلى طريقة جديدة لمحاربة هذه الأورام الدماغية القاتلة، وذلك من خلال تدميرها من الداخل الى الخارج، ففي هذه الدراسة الجديدة، قام العلماء بإعادة هندسة الخلايا الجذعية لتصبح قادرة على إفراز سموم خلوية تعمل على قتل السرطان من خلال تحطيم الورم في صميمه.

الخلايا الجذعية هي خلايا غير متخصصة ولكن يمكنها أن تتمايز إلى خلايا متخصصة، حيث تتميز بالقدرة على الانقسام لتجدد نفسها باستمرار، وأيضاً الانقسام لتكوين انواع مختلفة من الخلايا، فعلى سبيل المثال الخلايا الجذعية للجلد تستطيع تكوين خلايا جذعية للجلد وأيضاً خلايا متخصصة تقوم بوظيفة معينة مثل تكوين صبغة الميلانين، ويعتقد العلماء أن كل عضو في جسم الانسان يمتلك نوعاً خاصاً به من الخلايا الجذعية، للخلايا الجذعية نوعين متمايزين، النوع الاول هو الخلايا الجذعية الجنينية التي تتكون في المراحل الاولى من التكوين البشري، وهذه الخلايا تتميز بقدرتها على بناء كل الاعضاء والانسجة في أجسامنا خلال التطور البشري، أما النوع الثاني فهو الخلايا الجذعية البالغة والتي توجد لدى الأطفال والبالغين، وتمتلك القدرة على تعويض الجسم عمّا فقده من خلايا متخصصة، الفرق بين الخلايا الجذعية الجنينية والبالغة هو أن الخلايا الجذعية الجنينية لها القدرة على إنتاج كل انواع الخلايا في الجسم، أما الخلايا الجذعية البالغة فلها القدرة على تكوين أنواع متخصصة من الخلايا، فعلى سبيل المثال خلايا الدم الجذعية لها القدرة على إنتاج الدم، ولكن الخلايا الجذعية الجنينية لها القدرة على إنتاج خلايا الدم والعظام والجلد والدماغ وغيرها من الخلايا، وهذا يوضح سبب قدرة الخلايا الجذعية الجنينية على إصلاح الخلل في الانسجة المريضة.

تعتبر السموم الخلوية في الأساس سامةً لجميع الخلايا الحية، ولكن خلال العقدين الماضيين، استطاع الأطباء إيجاد سبيل لتغييرها لتستهدف الخلايا السرطانية المحددة فقط، بحيث تقوم هذه السموم الخلوية بالدخول فقط إلى الخلايا السرطانية، وبمجرد دخولها، يقوم السم الخلوي بإجبار الخلية على إيقاف إنتاجها من البروتين، مما يتسبب في موتها، هذه السموم الخلوية ناجحة جداً لعلاج أنواع معينة من سرطانات الدم، ولكن عندما يتعلق الأمر بالقضاء على الأورام الصلبة، وخاصة الموجودة في الدماغ، فإن هذه السموم لا ترقى للتوقعات المطلوبة، كون السموم الخلوية تأثيرها يضعف مع الوقت، كما أنه لا يتم  توزيع ما يكفي من هذه السموم على جميع أنحاء الورم، فضلاً عن أن إيصال الدواء إلى الدماغ يعدّ من الأمور الصعبة جداً وذلك بسبب وجود الحاجز الدموي الدماغي، لذلك فإن حقن السموم الخلوية في الجسم لن يكون مفيداً في قتل الأورام الدماغية.

لحل هذه المشكلة، قام العلماء باختراع طريقة أفضل لإدخال السموم الخلوية إلى داخل الدماغ، وذلك عن طريق وضعها ضمن خلايا جذعية، حيث تم إعادة هندسة الخلايا الجذعية لتتصرف وكأنها مصانع صغيرة لإفراز السموم، تقوم بإفراز السموم بشكل مستمر مع مرور الوقت، وبذلك فإن هذه الطريقة كانت بمثابة حل ناجح لمشكلة الحياة القصيرة للسموم الخلوية، حيث أن الخلايا الجذعية ستفرز باستمرار السموم العلاجية المتجددة على مدى فترات طويلة، كما أن السموم الخلوية لن تقوم بتدمير الخلايا الجذعية المضيفة لها، وبذلك فإنه إذا ما تم وضع هذه الخلايا الجذعية داخل الورم، فإن السموم الموجودة في داخلها ستقوم بتدمير الأورام السرطانية من الداخل إلى الخارج.

لاختبار قدرة هذه الخلايا الجذعية على قتل الخلايا السرطانية، قام الباحثون بتجربتها لعلاج أورام دماغية في الفئران، وبما أن نحو 70 الى 75 % من المرضى الذين يعانون من أورام دماغية من الدرجة 4، لا يتم إزالة الورم لديهم إلّا بشكل جزئي أثناء العمليات الجراحية، لذا قام الباحثون باستئصال جزء فقط من الورم الدماغي لدى الفئران، ثم قاموا بوضع الخلايا الجذعية في مادة هلامية قابلة للتحلل داخل التجويف الناتج عن العملية، بعد ذلك قاموا بتتبع الخلايا الجذعية أثناء إفرازها للسموم، ومنعها لتصنيع البروتين في الخلايا السرطانية، وكانت النتيجة النهائية بشكل عام أن السموم نجحت في قتل الخلايا السرطانية وأعطت للفئران فترة أطول لتعيش فيها.

أخيراً يشير الباحثون بأنه من الممكن مستقبلاً أن يتم تغيير نوعية السموم الخلوية التي توجد في الخلايا الجذعية، لتقوم هذه السموم باستهداف أنواع مختلفة من المستقبلات السرطانية، وبذلك يمكن جعل العلاج أكثر تخصصاً، وحالياً يُنتظر الحصول على موافقة إدارة الاغذية والعقاقير على هذه التقنية، ليتم اختبار فاعليتها على البشر.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير