الصحة الجيدة

جراحةٌ فريدةٌ لزرع عضو ذكري.. فماذا كانت النتيجة؟

نجح فريقٌ طبّيٌ مؤلّفٌ من 9 جراحين مختصين في الجراحة التجميلية، واثنين مختصين في المسالك البولية، بزرع عضو تناسليٍّ ذكريٍّ مع كيس الصفن، إضافةً إلى جزءٍ من جدار البطن، لأحد قدامى المحاربين الأمريكيين في أواخر مارس/آذار الماضي.

وفي تفاصيل عملية الزرع الأولى من نوعها، تلقى أحد قدامى المحاربين الأمريكيين المصابين بجراحٍ شديدةٍ نتيجة انفجار عبوةٍ ناسفةٍ في أفغانستان، قضيبًا وكيس صفنٍ من متبرعٍ متوفى، بعد جراحةٍ ناجحةٍ استغرقت نحو 14 ساعة، أجريت في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز، أزال الأطباء من خلالها الأنسجة التالفة للمريض، وقاموا بوصل 3شرايين و4 أوردةٍ وعصبين ومجرى البول إلى الأنسجة المزروعة.

وفي مؤتمرٍ صحفيٍ عُقد في 23 أبريل/نيسان الجاري، أفاد جراح التجميل ريتشارد ريديت، عضو الفريق الجراحي، بأن حالة المريض في تحسّن، ومن المنتظر أن يجرى الاختبار الأول لوظائف المريض البولية في أقرب وقت، فيما يُتوقع أن تستغرق استعادة الوظائف الجنسية للمريض نحو 6 أشهرٍ أخرى، والأمل في أن تتاح للمريض فرصةٌ ليحيا حياةً شبه طبيعية.

ويعدّ هذا الإنجاز الأحدث في سلسلة التطورات الطبية، التي دفعت علم زراعة الأعضاء إلى ما هو أبعد من مجرد إنقاذ حياة المرضى، فمنذ أول عملية زرع عضوٍ ناجحة، وكانت لكليةٍ عام 1954، فُتح الباب أمام الجراحين لزرع الأيدي والأذرع والأعضاء التناسلية وحتى الوجوه، بعد أن كان الزرع مقتصرًا على الأعضاء الحيوية كالقلب والرئتين والكبد.

وقد أُطلق على هذا النوع من العمليات الجراحية اسم: Vascularized Composite Allotransplantation (VCA)، أي: زراعة أنسجةٍ متعددةٍ في وقتٍ واحد، بهدف تعزيز نوعية حياة المستلمين، وليس فقط إنقاذ حياتهم.

وفي بيانٍ أصدرته كليّة جونز هوبكنز التي تمّ إجراء عملية الزرع النادرة فيها، قال المريض -الذي فضّل عدم نشر اسمه: “لقد كانت إصابةً مروّعةً سببت لي الكثير من المعاناة، ولكن عندما استيقظت لأول مرةٍ بعد العملية، شعرت أخيرًا بأنها أصبحت شبه طبيعية.”

ويأمل الفريق الطبي الجراحي، بأن يمهد هذا الإجراء الطريق لمساعدة محاربين آخرين، تعرّضوا للإعاقة في منطقة الحوض بسبب انفجار القنابل.

وإليكم نظرةً عن قرب حيال التحديات والتطورات والقضايا الأخلاقية التي انطوت عليها عملية الزرع هذه:

ماذا كان التحدي الأكبر؟

إنه كمية الأنسجة التي تم زرعها، فقد أحيل المريض إلى د. ريديت عام 2012، من أجل إجراء جراحة إعادة بناءٍ تقليديةٍ باستخدام  أنسجة المحاربين القدماء، ولكن مشكلته كانت كبيرةً جدًا، فحتى الآن، أجريت فقط 3 عمليات زرع للعضو التناسلي الذكري، نجحت اثنتان منها بحسب تعبير د. ريديت.

ومن أجل التحضير للجراحة، أمضى فريق كلية جونز هوبكنز نحو 5 سنوات في المختبر، لإجراء اختباراتٍ على الجثث واكتشاف إمدادات الدم إلى هذه القطعة الكبيرة من الأنسجة، وقد استخدموا صبغةً خاصّةً لتحديد الأوعية الدموية الأكثر أهميّةً بالنسبة للأنسجة المعنية، وقاموا بإجراء جراحاتٍ وهمية، كما يقول د.ريديت، الذي أضاف: “لم يكن لدينا الكثير من عمليات الزرع السابقة لنعتمد عليها، لذا اضطررنا لإجراء الكثير جدًا من التجارب على المتلقي وجثث المتبرعين، قبل أن نقوم بإجراء الجراحة فعلًا”.

لماذا لم يقم الفريق بزرع الخصيتين أيضًا؟

لأن هذا يفتح الجدل أمام قضايا أخلاقية، فالخصيتان تصنعان الحيوانات المنوية، ولو تم نقلهما، فقد يصبح المتلقي قادرًا على إنجاب أطفالٍ يحملون جينات الجهة المانحة، لذا قرر فريق جونز هوبكنز في وقتٍ مبكرٍ عدم تضمين الأنسجة التي تولد الحيوانات المنوية في عملية الزرع، كي لا يفتحوا باب جدلٍ واسعٍ حول عدة قضايا أخلاقية، وهكذا فلن يكون الرجل قادرًا على إنجاب أطفالٍ –من صلبه- حتى بعد العملية.

هل كان هناك أي اعتباراتٍ أخلاقيةٍ أخرى؟

بالطبع! بما أن المهمة كانت تهدف إلى تحسين نوعية الحياة وليس مجرد حفظها، فإن طريقة حساب مخاطر ومزايا الجراحة قد تغيرت، وكما هو الحال في أي عملية زرع، فهناك إمكانيةٌ بأن يرفضها جسم المتلقي، ممّا يحتّم عليه بأن يتناول الأدوية المثبطة للمناعة مدى حياته، كما أن نظام المناعة المتدهور قد يزيد من أخطار انتقال العدوى، والإصابة بأمراض السكري وارتفاع ضغط الدم وغيرها من الأمراض.

ومن ناحيةٍ أخرى، يعتبر التقييم النفسي أمرًا حاسمًا، فقد تكون مجرد رؤية العضو المتبرَّع به تحديًا نفسيًّا خطيرًا لمشاعر المتلقي، كما يمكن أن يعتريه شعورٌ بعدم إمكانية الشفاء، ولكن أحد أهمّ الأسباب التي جعلت فريق جونز هوبكنز يمضي قدمًا في عملية الزرع، أن المريض كان شديد الحماس والإصرار على متابعة الأمر، كما يوضّح د. ريديت.

ما الذي تمّ فعله لمنع الرفض؟

بعد أسبوعين من إجراء الجراحة، تمّ منح المريض جرعةً من خلايا النخاع العظمي للمتبرع، هذا الإجراء كان من شأنه جعل جسم المريض أكثر تسامحًا مع الأنسجة المزروعة، ممّا يتيح له الاقتصار على تناول نوعٍ واحدٍ فقط من الأدوية المثبطة للمناعة، عوضًا عن الأنواع ال3 التي تُعطى للمريض عادةً بعد الزرع، علمًا بأن فريق جونز هوبكنز استخدم تقنية النخاع العظمي بنجاح، مع 5 مرضى أجروا جراحات زرع اليد في الفترة بين عامي 2009 و2010، كما استخدم التقنية ذاتها جرّاحون آخرون، في عمليات زرع الأعضاء.

وماذا بعد؟

الهدف المباشر لتلك العمليات هو مساعدة المحاربين القدماء الآخرين الذين يعانون من إصاباتٍ مماثلة، فوفقًا لدراسة أجرتها مجلة Urology عام 2017، عانى 1367 جندياً أمريكياً خدموا في أفغانستان والعراق بين عامي 2001 و2013، من إصاباتٍ في المناطق البولية والتناسلية، وخاصةً في كيس الصفن أو الخصية أو القضيب.

ولكن الفريق لن يقتصر عليهم، بل سينظر أيضًا في أمر أصحاب العيوب الخلقية في المناطق البولية والتناسلية، وعن ذلك يقول د. ريديت:

“يتعلق الأمر بأكبر عملية زرعٍ يمكن القيام بها في هذه المناطق، وبالتأكيد الأكثر تعقيدًا، وقد أمضى فريقنا الكثير من الوقت في محاولة فكّ رموزها، لذا فنحن منفتحون على القيام بأنواعٍ أخرى من عمليات زرع القضيب أيضًا”.