لم يعد التطور الاقتصادي مقتصراً على المصانع والشركات والأسواق المالية التقليدية، إنما دخل العالم اليوم في مرحلة متقدمة من التوجهات التقنية اللامركزية، وبسمات التكنولوجيا الفائقة المحددة لهذه المرحلة، ومن الطبيعي أن يشمل هذا التطور التقني ظهور مصطلحات عديدة، ولعل من أبرز هذه المصطلحات هو (سلسلة الكتل) أو (Blockchain) التي لا شك وأن عدة تساؤلات قد أثيرت في ذهن كل من سمع هذا المصطلح لاسيما أصحاب الأعمال التجارية، فما هي سلسلة الكتل؟ وما هو تاريخ ظهورها؟ ومما تتكون؟ وكيف تعمل؟ وكيف يمكن الاستفادة منها؟ وهل من مثال توضيحي عليها؟ وماذا عن علاقتها بالبتكوين؟ سنجيب خلال الطرح التالي على كل هذه التساؤلات بإلمام وبما يُكون لديك خلفية معلوماتية قيمة عن سلسلة الكتل:
تعريف سلسلة الكتل:
بالتعريف المبسط فإن سلسلة الكتل عبارة عن قاعدة خوارزمية برمجية للبيانات تتكون من مجموعة مترابطة من السجلات الرقمية المكونة من عدة كتل تحكمها الأطر الزمنية التي تعتمد على أسلوب التشفير الذي لا يقبل التغيير أو الإتلاف، وذلك بهدف إجراء التعاملات المختلفة لا سيما الاقتصادية بين المشتركين من كافة أنحاء العالم.
وبالنظر إلى المصطلح ذاته يمكن تحليله وفق مصطلحات الدراسة الخاصة بالإطار النظري كالتالي:
سلسلة: مجموعة العناصر المترابطة والمتصلة.
الكتل: محتويات تضم مجموعة من المعلومات.
ومن خلال هذا التحليل نفهم أن سلسلة الكتل نظام متكامل ليس بالسهل تفكيكه أو العبث في أحد أجزائه دون تأثر باقي الأجزاء، وهذا ما يفسر موضوعية وآمنة نظام سلسلة الكتل التي فسرها بعض الخبراء بأنها (كاتب عدل إلكتروني) يقوم بتدوين المعاملات في تواريخ دقيقة غير قابلة للتعديل في كافة المستندات ضمن اتفاقيات لامركزية.
كيف بدأت فكرة إنشاء سلسلة الكتل؟
ذهب المختصون إلى أن سلسلة الكتل موجودة منذ عام 1991م حيث أنشئت في ذلك الوقت لتقوم بوظيفة توثيق البيانات في المؤسسات الحكومية والخاصة بما يعمل على حمايتها من تزوير التاريخ أو المحتوى، ولكن نظام سلسلة الكتل لم يتم تطبيقه بشكل ملموس حتى عام 2009م وبالتحديد عندما الخبير الياباني (ساتوشي ناكاموتو) باختراع عملة البتكوين الرقمية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمعاملات اللامركزية والتي توفرها سلسلة الكتل، ومنذ العام 2009م أصبحت سلسلة الكتل واحدة كأهم محددات التقدم التكنولوجي الحديث لا سيما مع مؤشرات التغيير الضخمة التي يتوقع أن تحدثها التقنية، تماماً كالمرحلة التي تنبأت بظهور الإنترنت، وهذا الأمر استدعى دراسة تقنية سلسلة الكتل بشكل معمق من قبل الخبراء التقنيين من جهة ومن خبراء المجالات المتخصصة مثل الاقتصاد والقانون من جهة أخرى، وذلك لما لتقنية سلسلة الكتل من آثار على الحياة اليومية في العالم أجمع.
ما هي مكونات سلسلة الكتل؟
قبل البدء بتفصيل مكونات سلسلة الكتل نرى أنه من الأفضل تعريف مصطلح الهاش، وهو مجموعة من الأرقام والحروف الداخلة ضمن عملية تشفير للبيانات أكثرها أهمها SHA-256 الذي تعتمد عليها عملة البتكوين الرقيمة.
بعد معرفتك للهاش، فإن سلسلة الكتل هي عبارة عن حلقات متماسكة من البيانات ترتبط كل حلقة بثلاث هاشات مفصلة كالتالي:
أولاً: هاش المعلومات: وهي كافة المعلومات التي قام المستخدم بتضمينا في سلسلة الكتل معنونة بالتاريخ.
ثانياً: هاش الكتلة السابقة: وهي ما يربط الكتلة الحالية معلوماتها بالكتلة السابقة لها ومعلوماتها.
ثالثاً: هاش الكتلة التالية: وهي عكس الكتلة السابقة بحيث تربط الكتلة الحالية مع الكتلة التي تليها.
ومن خلال معرفة مكونات سلسلة الكتل وطريقة تخزين المعلومات وربطها ببعضها البعض فيتضح لنا أن المعلومات المرفقة يصعب التلاعب فيها كما تتميز بأن أي تغيير في أي حلقة من حلقات سلسلة الكتل سيؤدي إلى تغيير المعلومات في كافة الحلقات الأخرى.
كيف تعمل سلسلة الكتل؟
لكي لا يصبح لدى القارئ العزيز تشتت فكري تجاه آلية عمل سلسلة الكتل، فإننا نلخص ذلك في النقاط التالية:
هل يمكن أن يستفيد أي شخص من نظام سلسلة الكتل؟
بعد معرفة النظام العام لسلسلة الكتل بمفهومها ومكوناتها وطريقة عملها، فتلقائياً سيتساءل الناس من يمكنه الاستفادة من هذه التقنية؟، بالطبع، فإن تقنية ضخمة مثل سلسلة الكتل يمكنها الارتباط في عدة مجالات حياتية يومية لشرائح مختلفة من الناس ولكن نوضح أهم الشرائح التي سيلزمها نظام سلسلة الكتل وطبيعية العمل الذي سيجري عليها:
مثال عملي على سلسلة الكتل:
لأن المقال لا يتضح إلا بالمثال، فنحرص على إعطائك على المثال حول عملية سلسلة الكتل، فتبع معنا:
ما علاقة سلسلة الكتل بعملة البتكوين؟
سلسلة الكتل تمثل القاعدة التي قامت عليها عملة البتكوين، ويظهر هذا من خلال طبيعة العملية التي تنتهجها البتكوين وهي (اللامركزية)، حيث تتم المعاملات بين الأطراف المستخدمين البتكوين من خلال التخزين الدوري للبيانات ضمن حلقات سلسلة الكتل ليتسنى التأكد من صحة المعاملة.
كما أن تقنية البتكوين تتبع أٍلوب المشاركة لبيانات المعاملة على الشبكة المرتبطة ببعضها البعض من خلال الحسابات المسجلة، بحيث يمكن لكل مشترك الاطلاع على محتويات سجلات سلسلة الكتل وهذا يعمل على معرفة القيم الحقيقة للسلع والخدمات.
بعد قراءتك لفقرات المقال السابقة نتوقع أن تكون قد استفدت بإيجاد صورة ذهنية مفاهيمية قوية عن كيفية استخدامك واستفادتك من تقنية سلسلة الكتل التي من الممكن أن تصبح أحد أساسيات التعامل في المستقبل، كما أن هذا الجهد سيستمر في مقالات أخرى لمواكبة كل ما هو جديد وتقديمه لك.