التصنيفات: غير مصنف

تصنيع معدة بشرية صغيرة من خلايا جذعية

استطاع العلماء تصنيع “معدة مصغرة” ثلاثية الأبعاد من خلايا جذعية بشرية، يصل قياس قطرها إلى حوالي 3 ملليمترات، حيث يمكن استخدامها كنماذج لعلاج الالتهابات التي غالباً ما تكون مصاحبة للقرحة أو لسرطان المعدة، ويشير (جيمس ويلز)، وهو عالم أحياء في الخلايا الجذعية في مستشفى سينسيناتي للأطفال، والمؤلف المشارك لهذه الدراسة التي تم نشرها في مجلة نيتشر (Nature)، أن هذا الاختراع يمثل أول عملية تصنيع لنموذج مَعِدَات بشرية في المختبرات.

تضمنت المحاولات الأولى للباحثين لتصنيع هذا النوع من الأنسجة استخدام خلايا جذعية جنينية، وقد استغرقت عملية نمو الخلايا منذ بدايتها حتى تمامها حوالي الشهر، وكانت النتيجة إنماء عضو صغير يحتوي على أنسجة خلايا بشرية مصنعة من ثمانية أنواع من الخلايا المختلفة، ولكن قبل أن يحتفل الباحثين باكتشافهم، كان عليهم التأكد من أن هذه التقنية يمكن القيام بها باستخدام خلايا مأخوذة من البالغين أيضاً، حيث أن أخذ خلايا جذعية من البالغين وتنميتها تعتبر عملية مهمة لضمان تصميم الخلايا لتناسب مريض معين بالذات، وبالنتيجة نجحت هذه التقنية على خلايا البالغين الجذعية أيضاً.

عادةً ما يقوم الباحثون بدراسة الالتهابات عند البشر من خلال مراقبة النسيج المصاب بذلك الالتهاب، إلّا أن المشكلة التي تكمن في هذا النهج هو أنه لا يمكنه تفسير الطريقة التي ينتقل بها الالتهاب من الخلية المصابة إلى الخلايا السليمة، ولكن من خلال هذه الدراسة استطاع الباحثون إلقاء نظرة على ما يحدث عندما تصطدم البكتيريا مع نسيج “سليم” للمعدة في طبق بتري، ويشير (ويلز) أن هذه التقنية الجديدة قد تساعد على تحديد الجينات وأنماط إشارات الخلايا التي تسمح لبكتيريا الهيليكوباكتر بيلوري مثلاً – والتي تعتبر المسبب الرئيسي لمرض القرحة الهضمية – أن تعيث فساداً في جهازنا الهضمي، كما يمكن لهذه الأنسجة الـمَعِدِيَّة أيضاً أن تعزز الطريقة التي تقوم بها شركات الأدوية باختبار العقاقير التي تعالج الالتهابات، وعلى اعتبار أن سرطان المعدة هو السبب الرئيسي الثاني للوفيات المرتبطة بالسرطان، فإن التحقيق في كيفية تطور أسلاف هذا النوع من السرطانات قد يساعد يوماً ما في إطالة حياة مرضى سرطان المعدة.

يخطط الباحثون حالياً لاكتشاف الكيفية التي تحدث فيها هذه الالتهابات الـمَعِدِيَّة، واكتشاف الخلايا التي تتأثر سلباً بالبكتيريا، وكيف يمكن أن يتم استخدام المواد الكيميائية لتخفيف أو إيقاف هذه الاستجابة، ولكن للأسف (ويلز) وزملائه لم يستطيعوا التوصل لمعرفة الإجابة على هذه التساؤلات، كون الجزء الذي استطاعوا إنمائه هو قسم صغير من المعدة البشرية فقط، وهو القسم السفلي والمعروف باسم “التجويف”، والذي يصل المعدة بالأمعاء، أما الجزء العلوي من المعدة وهو الجزء الذي تصنع فيه معظم الإنزيمات الهضمية والأحماض، فإن إنمائه في المختبرات يستغرق مزيداً من الوقت، وهذا يعني أنه في الوقت الراهن، ستكون الأعضاء التي سيتم هندستها هي عبارة عن تجويفات صغيرة ومكتفية ذاتياً وليست معدة بشرية كاملة، وبهذه المرحلة لا يمكن للعلماء اكتشاف الطريقة التي تحدث فيها الالتهابات المعدية، لكون الالتهابات تتصرف بطريقة مختلفة تبعاً للمكان الذي تصيبه، ولكنهم لا يزالون يعملون على هندسة باقي أنسجة المعدة، بالاستفادة من أنسجة “التجويف” التي استطاعوا إنمائها مسبقاً.

فعلى سبيل المثال، بدأ (ويلز) وفريقه باختبار فيما إذا كان يمكن استخدام النسيج الـمَعِدِي لتصحيح القرحة لدى الفئران، فعلى اعتبار أن القرحة الـمَعِدِيَّة هي بالأساس عبارة عن عيوب في بطانة العضو، فإنه يتم في حالات القرحة الشديدة إجراء تدخل جراحي لترقيع مكان حدوث القرحة لتجنب حدوث الألم والنزيف الداخلي لدى المرضى، وتتم هذه العملية عادةً بزراعة أنسجة مَعِدِيَّة مأخوذة من عينة عن طريق الخزعة، وهذه الطريقة تعتبر مؤلمة للمريض، ولكن زراعة الأنسجة المأخوذة من الخلايا الجذعية سوف تسمح للباحثين بتجاوز هذه الخطوة تماماً، لأنه يمكن أخذ الخلايا اللازمة من دم المريض، وبحسب (ويلز) إذا ما أثبتت التجارب على الحيوانات فعاليتها بشكل جيد، فقد يكون بالإمكان البدء بترميم تقرحات المعدة لدى البشر في غضون السنوات العشر القادمة.

يصف (جيسون ميلز)، عالم الأحياء التنموية في جامعة واشنطن، هذه الدراسة بأنها “جميلة” و “مبتكرة”، لأنها توفر للعلماء إمكانية القيام بالتجارب على جينات بشرية، وهذه الطريقة أفضل من تطبيق هذه الاختبارات على الفئران، ولكن العضو الذي قام الفريق بتنميته لا يحتوي على خلايا مناعية أو دماء، -والتي تعتبر العناصر الأساسية في أي عدوى – لذلك فهي ليست نموذجاً مثالياً، حتى أن (ويلز) نفسه أشار إلى أن الأنسجة التي أنتجها فريقه “غير ناضجة” بعد، وهذا يعني أن هذه الأنسجة لا تحاكي تماماً أنسجة المعدة لدى البالغين.

أخيراً، فإن وجود هذه الأنسجة الـمَعِدِيَّة يمكن أن يوفر المزيد من الفهم لدى العلماء حول العلاقة بين البكتيريا وسرطان المعدة لدى البشر، كما يمكنه أن يقدم وسائل لوصف العلاجات الخاصة لكل مريض، ومع أن العلاجات الفردية لا تزال بعيدة المنال، ولكن بحسب (ويلز) فإنه يمكن استخدام هذا النهج كمثال للعديد من البحوث الأساسية القادمة.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير