التصنيفات: فضاء

تبعاً للعلماء، قد يكون هناك “كون موازي” تتحرك فيه الساعة إلى الوراء

على الرغم من أننا جميعاً نختبر الوقت باتجاه واحد – فنحن نتقدم بالسن، ونحتفظ بسجلات عن الماضي ولكن ليس عن المستقبل- إلّا أنه لا يوجد أي قانون فيزيائي يشير إلى أن الوقت يجب أن يتحرك إلى الأمام فقط.

في محاولة لحل لغز السبب الذي يجعل الوقت يتحرك في اتجاه معين، اعتمد العديد من الفيزيائيين تفسير أن الإنتروبيا، وهي درجة اضطراب الجزيء في النظام، تتزايد باستمرار، ولكن مجموعتين منفصلتين من الفيزيائيين البارزين كان لهما رأي آخر، ولذلك بدؤوا العمل على نماذج تدرس الشروط الأولية التي قد تكون قد شكلت سهم الوقت، ويبدو بأن كلا النموذجين يظهران بأن الوقت يتحرك في اتجاهين مختلفين.

يعتقد هؤلاء الفيزيائيون بأنه عندما قام الانفجار الكبير بتشكيل كوننا، قام أيضاً بتشكيل كون موازي ومعاكس له حيث يتحرك الوقت في الاتجاه المعاكس، ومن وجهة نظرنا، فإن الوقت في الكون الموازي يتحرك إلى الوراء، ولكن من وجهة نظر الشخص الذي يعيش في الكون الموازي، فإن الوقت في كوننا هو من يتحرك إلى الوراء.

نقطة يانوس

يرى النموذج الأول، الذي تم نشره قبل حوالي السنة في (Physical Review Letters)، بأن أحد الآثار الأساسية لنظرية نيوتن للجاذبية تفترض بأن الوقت يتحرك في اتجاه معين، حيث يشير كل من (جوليان بربور) من جامعة أكسفورد، و(تيم كوسلوسكي) من جامعة نيو برونزويك و(فلافيو ميرساتي) من معهد المحيط للفيزياء النظرية، إلى أن أي نظام محصور من الجسيمات – كون قائم بذاته مثل كوننا على سبيل المثال- يمكن للجاذبية أن تنشئ فيه نقطة تكون فيها المسافة بين الجسيمات في حدها الأدنى.

ولكن عندما تتوسع الجسيمات إلى الخارج بعد ذلك، فإنها تفعل ذلك في اتجاهين زمنيين مختلفين، وقد قام (بربور) وزملاؤه بإنشاء نموذج نقطي مبسط للكون مؤلف من  1000 جسيم يبين هذا التوسع المزدوج، ويبين كيف تقوم الجاذبية بخلق هيكل في كلا الاتجاهين.

يوضح (ميرساتي) بأن هذه الأنظمة تتلاقى ثم تتوسع بحكم الضرورة، وذلك وفقاً للقانون الثاني للديناميكا الحرارية (واحد من أكثر الآثار الأساسية لقوانين نيوتن) وأن الإنتروبيا المتزايدة هي من يحدد تجربتنا الفردية لسهم الوقت.

يدعو علماء الفيزياء اللحظة قبل التوسع بـ”نقطة يانوس”، وذلك تبعاً للإله الروماني ذو الرأسين، وتبعاً لـ(بربور) فإن الوقت ليس بالشيء الذي كان موجوداً من قبل، لذلك علينا استنتاج اتجاه وتدفق الوقت مما يحدث في الكون، وعندما ننظر إلى الأمر على هذا النحو، يصبح من الطبيعي أن نقول بأن الوقت يبدأ عند تلك النقطة المركزية ويتدفق بعيداً في اتجاهين متعاكسين.

يقارن (بربور) نقطة يانوس باللحظة التي ينقسم فيها النهر إلى مجريين ويتدفق في اتجاهين متعاكسين، يقول: “إن هذا أمر بسيط، فهو يبدأ عند نقطة يانوس المركزية حيث تكون الحركة فوضوية، ولكنه بعد ذلك يتحرك في كلا الاتجاهين ليشكل هذه الهياكل المتعاكسة، وإذا كانت هذه النظرية صحيحة فهذا يعني أن هناك عالم آخر على الجانب الآخر من الانفجار الكبير الذي حدث، وفي هذا العالم يكون الوقت معاكسنا لكوننا”.

ولكن على الرغم من الوقت يمكن أن يتدفق في اتجاهات مختلفة، فإن هذا لا يعني أنه قد يكون بإمكاننا ملاحظة هذا التعاكس، فنحن على جانب واحد من نقطة يانوس، وعلى هذا الجانب يمكن فقط الإحساس بسهم الوقت الموجه في اتجاهه ولا يمكن أبداً تجربة الآخر، فهو في الماضي.

سهم الوقت ذو الرأسين

عل الرغم من أن النظرية قد تكون بعيدة كل البعد عما هو مقبول عالمياً، إلّا أنها نجحت في إثارة الاهتمام في هذا المجال، والآن، وتبعاً لتقارير (New Scientist)، فهناك عالمي فيزياء آخرين، هما (شون كارول) من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا و(آلان غوث) من معهد ماساتشوستس، قاما بإنشاء نموذج جسيمات مماثل يظهر بأن الوقت يتحرك في اتجاهين مختلفين وفي عالمين متوازيين بعد الانفجار الكبير، وعلى الرغم أنه لم يتم بعد نشر النموذج، إلّا أن علماء الفيزياء يقولون بأنه مبسط أكثر من نموذج (بربور)، كما أنه لا يعتمد على الجاذبية أو حركة الجزيئات في نظام مغلق، فهو بدلاً من ذلك، يقوم على مفهوم الإنتروبيا وحده، دون شروط مسبقة أخرى، وبهذا فهو ينطبق على الجسيمات في الفضاء اللانهائي بدلاً من نظم محتوي بذاته فقط.

بناء على النموذج، فإن نصف الجسيمات تتوسع إلى الخارج، مع زيادة توسع الكون، في حين يتلاقى النصف الآخر ويندمج ببعضه للغاية، حتى يمر عبر نقطة مركز النظام ويخلق إنتروبيا في الاتجاه المعاكس، بمعنى آخر، تخيل كومة من الكرات موضوعة على الترامبولين، نصف الكرات فيها ترتد إلى أعلى، في حين يتلاقى النصف الآخر من الكرات في الوسط، يخترق الترامبولين لينشئ كومة فوضوية من الكرات على الجانب الآخر، وبذات الطريقة، أدى الانفجار الكبير إلى نشوء كونين يسيران في اتجاهين مختلفين، في عالمين مختلفين.

يشير (جوث) بأن هذا ما يدعوه العلماء سهم الزمن ذو الرأسين، ولأن قوانين الفيزياء ثابتة، فنحن نرى الشيء نفسه بالضبط في الاتجاه الآخر.

لا تزال النظرية بعيدة عن الكمال، فأهم انتقاد وجه لها هو أن العلماء اعتمدوا في نموذجهم على الفيزياء الكلاسيكية، وبمجرد تقديم المسائل اعتماداً على الفيزياء الكمومية، فإن كل الحسابات تتغير، فبدلاً من الحصول على مجريين نابعين عن النهر، يمكن أن يكون الأمر أشبه بالحصول على نافورة تمتلك الكثير من أزواج الينابيع، أو مجرد مجموعة كاملة من الينابيع التي تتدفق من نافورة في اتجاهات مختلفة.

ولكن إذا كانت الفيزياء الكلاسيكية وحدها قادرة على تشويه أفكارنا المسبقة عن الزمن، فلا بد أن يكون هناك بالتأكيد أكثر من مجرد اتجاه واحد لتجربتنا للوقت.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير