الصحة الجيدة

تبعاً للعلم، ما هي الفوائد العقلية التي تقدمها لنا الكتابة بشكل منتظم؟

عندما نحاول تخيل كاتب، فإن العديد منا يتصور شخصاً يجلس في مكان منعزل، ينكب على مكتبه الذي يوجد في مقصورة ما، ويمزق الورق وينثره هنا وهناك وهو يعمل بأعصاب مشدودة على كتابة رواية جديدة عظيمة.

لكن الكتابة قد تكون أكثر من ذلك بكثير، فالنثر مثلاً هو عبارة عن أفكار يتم وضعها على الأوراق، الأمر الذي يجعل كل واحد منا كتاباً بحد ذاته – حتى لو لم يكن لدينا القدرة على ربط الأفكار معاً بذات الطريقة التي يستخدمها الكتاب العالميون.

في معظم الحالات، تكون الكتابة مفيدة جداً كأداة للتفكير والإدراك والتعبير والإبداع.

دعونا نلقي نظرة على بعض فوائد جعل الكتابة عادة منتظمة.

  • الكتابة والسعادة

تتعلق الكثير من البحوث التي تبحث بالارتباط بين الكتابة والسعادة بـ”الكتابة التعبيرية”، أو تدوين الآراء والمشاعر، كما أن كتابة المدونات تتيح فوائد مماثلة في تحويل الكتابة التعبيرية إلى قيمة علاجية.

من ناحية ثانية، فقد تم ربط الكتابة التعبيرية بتحسين المزاج، والشعور بالسعادة، وخفض مستويات التوتر لدى الأشخاص الذين يقومون بفعل ذلك بانتظام.

بحسب (آدم غرانت)، وهو كاتب وأستاذ في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، فإن البحوث التي يتم تقديمها من قبل (لورا كينغ) تدل على أن الكتابة عن تحقيق الأهداف والأحلام المستقبلية يمكن أن تجعل الأشخاص أكثر سعادة وأكثر صحة، كما تبين أنه عندما قام الأشخاص الذين يعملون في مجال جمع التبرعات المجهدة بكتابة يوميات حول الكيفية التي استطاعوا من خلال عملهم المساهمة في إحداث فرق، زاد مجهودهم الساعي بنسبة 29% خلال الأسبوعين التاليين.

  • الكتابة والتواصل بشكل أوضح

ضعف المعجم اللغوي قد يخلق صعوبة في التعبير عن المشاعر وتبادل الخبرات والتواصل مع الآخرين، والقدرة على تجسيد الأفكار في عقلك دون التمكن من التعبير عنها بالكلمات قد يكون أمراً محبطاً للغاية، ولكن لحسن الحظ، يبدو بأن الكتابة الدائمة تقدم بعض العون.

تبين بأن الكتابة يمكن أن تساعد الأشخاص على توصيل أفكارهم المعقدة سواء في مجال الذكاء العاطفي أو في العلوم الصعبة مثل الرياضيات على نحو أكثر فعالية، فالكتابة تساعد على إخراج ” تجسيدات الأفكار من رأسك” من خلال إجبار يدك على الكتابة لتوضيح تلك الأفكار المجردة في رأسك.

  • الكتابة والتعامل مع الأوقات الصعبة

في إحدى الدراسات التي تلت الموجة الأخيرة من تسريح الموظفين، وجد الباحثون بأن أولئك الذين كانوا يقومون باستمرار بالكتابة التعبيرية، كانوا أكثر قدرة على العثور على وظيفة أخرى بشكل أسرع، حيث يشير (آدم غرانت):

“إن الأشخاص الذين كانوا يقومون بكتابة أفكارهم ومشاعرهم حول فقدانهم لوظائفهم أشاروا بأنهم شعروا بمعدلات أقل من الغضب والعدائية تجاه صاحب العمل السابق، كما أنهم أشاروا إلى أنهم كانوا أقل انخراطاً بالعادات السيئة كالشرب أو التدخين، وبعد ثمانية أشهر، تم إعادة توظيف أقل من 19% من الأشخاص الذين كانوا ضمن المجموعات الضابطة، مقارنة مع أكثر من 52% من الأشخاص الذين كانوا ضمن مجموعة الكتابة التعبيرية”.

وفقاً لدراسة أقدم، فإن الكتابة عن الأحداث المؤلمة جعلت المشاركين أكثر اكتئاباً، ولكن ذلك بقي حتى حوالي 6 أشهر، عندما بدأت فوائد العاطفية للكتابة تظهر لتستمر بشكل دائم.

أشار أحد المشاركين، أنه على الرغم من أنه لم يتحدث مع أي شخص حول ما كتبه، فقد كان في النهاية قادراً على التعامل مع مشاعره المؤلمة، والعمل مع الأمر من خلال فهم الألم بدلاً من محاولة منعه من الظهور، والآن لم يعد التفكير في الأمر يضره.

يبدو بأن التوقيت هو أمر أساسي كي تستطيع الكتابة التعبيرية إظهار فوائدها، فإجبار الشخص نفسه على الكتابة قد يجعل الأشياء تصبح أسوأ، ولكن إذا كانت الكتابة نشاطاً يأتي بصورة طبيعية، فإن فوائدها ستبدو واضحة للجميع.

  • الكتابة والامتنان

كما لاحظ واضعو إحدى الدراسات، فإن الأشخاص الذين قاموا بتدوين الأشياء الجيدة في حياتهم مرة واحدة في الأسبوع، كانوا أكثر إيجابية، وأكثر اندفاعاً لعيش حاضرهم ومستقبلهم.

عندما كانوا يكتبون عن هذه الأمور كل يوم، كانت الفوائد الظاهرة لهذا الأمر في حدها الأدنى، وهذا الأمر يبدو معقولاً تماماً، فأي نشاط يمكن أن يبدو مخادعاً ويصبح مملاً إذا ما تم القيام به بشكل مكثف ودائم، لذلك، يبدو بأن الحل يكمن في التفكير والكتابة عن الامتنان بانتظام، ولكن ليس بشكل مكثف.

  • الكتابة و”الصفحات العقلية”

هل واجهت يوماً نفسك في موقف كان لديك فيه الكثير من صفحات الإنترنت المفتوحة دفعة واحدة؟ هذا قد يكون مسبباً كبيراً للالهاء، والشيء ذاته ينطبق على الدماغ، فعندما تشعر بأن دماغك يمتلك الكثير من الصفحات المفتوحة في آن واحد، فإنه غالباً ما يكون نتيجة لمحاولتك لتقليب العديد من الأفكار في عقلك في الوقت ذاته.

الكتابة تعطي أفكارك شكلاً معيناً وتخرجها رأسك، وهذا يسمح بتحرير بعض المساحة ومنع ازدحام الأفكار في رأسك في وقت متأخر من الليل.

كما أن إخراج الأفكار الهامة ووضعها بشكل مكتوب يخفف من وطأة فقدان أفكارك مع مرور الوقت أو نتيجة لاكتظاظ عقلك بالأفكار.

  • الكتابة والتعلم

عادة ما تترسخ المعلومات في الدماغ بشكل أفضل عندما تركز جيداً على تعلمها أو تعيد كتابتها بطريقتك الخاصة.

هناك نظام معين يجب اتباعه لإنشاء عمل مكتوب مثير للاهتمام، وهو يتطلب من الفرد أن يكون أكثر تقبلاً وتركيزاً على إيجاد مصادر جديدة للمعلومات والإلهام، وللقيام بذلك يمكنك قراءة الكتب، والاستماع إلى الإذاعات، ومشاهدة مقاطع الفيديو من أجل تعلم شيء جديد، لتتمكن من كتابته بكلماتك الخاصة في وقت لاحق.

إن الكتابة حول موضوع معين لبعض الوقت سيسمح لك بهيكلة الأفكار القديمة، واستخدام ما كنت قد كتبته بالفعل لتطوير أفكارك على نطاق أوسع، وكن واثقاً أن المقالة الجيدة تبدأ من فقرة واحدة، وفيما بعد تتحول هذه المقالة لتصبح سلسلة من المقالات، أو حتى كتاباً كاملاً.

  • الكتابة وشعور تغيير العالم

على الرغم من أن العالم قد يكون الآن غارقاً تحت طوفان من العلامات التجارية الشخصية، فإن هناك فرص مثيرة حقاً تتيح لأي شخص أن ينشر أفكاره إلى العالم.

إن القدرة على ترك أثر من خلال الكلمات، قد تكون مفهوماً مذهلاً بحد ذاتها، وقد تستمتع بالصدمة التي ستشعر بها عند تلقيك أول رسالة بريدية من شخص يشكرك على العمل الذي قمت بنشره ويشاركك كيف ساهم ذلك في مساعدته أو كيف أثر عليه.

من دون أدنى شك، فإن ردود الفعل الإيجابية هذه تجعلك تشعر بالامتنان وتحفزك للقيام بالمزيد من الكتابة.

وحتى في مواجهة الانتقادات، فإن هذا يعلم الكتّاب كيف يتغاضون عن التعليقات التي لا جدوى منها ويستفيدون من الانتقادات البنّاءة لتحسين عملهم.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير