التصنيفات: متفرقات

الواجبات المدرسية تضر أكثر مما تنفع

كان المصلحون في العصر التقدمي (من 1890 إلى 1920) يصورون تأدية الوجبات المدرسية في المنزل باعتبارها “الخطيئة” الكبرى التي حرمت الأطفال من وقت اللعب، واليوم، يعبر العديد من النقاد عن مثل هذه المخاوف أيضاً.

ولكن من ناحية ثانية، فإن هناك الكثير من الآباء الذين يشعرون بأنه يجب على الأطفال التعود على القيام بالواجبات المدرسية في المنزل في أبكر وقت ممكن، وذلك إذا أرادوا أن ينجحوا في حياتهم الأكاديمية المستقبلية التي أصبحت تعتمد بشكل متزايد على التنافس، فإذن، هل تساعد الواجبات المدرسية الأطفال أم تعيقهم؟

على مدى السنوات الـ10 الماضية، حاول الباحثون التحقق من النماذج الدولية المتبعة في إعطاء الواجبات المدرسية باستخدام قواعد البيانات المأخوذة من دراسة الاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم (TIMSS)، فإذا ما ابتعدنا عن المناقشات الساخنة حول مدى صحة هذا الفعل، ونظرنا إلى الكيفية التي تستخدم فيها هذه الواجبات في جميع أنحاء العالم، سنجد أن الواجبات المدرسية الأكبر عدداً والأكثر تعقيداً ترتبط مع البلدان التي تمتلك دخلاً أكثر انخفاضاً ونسبة أعلى من عدم المساواة الاجتماعية.

هل تؤثر تأدية الواجبات المدرسية على النجاح الأكاديمي؟

دعونا ننظر أولاً إلى الاتجاهات العالمية في تأدية الواجبات المدرسة في المنزل، مما لا شك فيه بأن تأدية الواجبات المدرسية تعتبر ظاهرة عالمية، حيث أفاد الطلاب الذين ينتمون إلى البلدان الـ59 الذين شاركوا في دراسة الاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم (TIMSS)، والتي تم إجراؤها في عام 2007، بأنهم جميعهم يقومون بتأدية الواجبات المدرسية، كما بينت الدراسة بأنه عالمياً، كان هناك فقط أقل من 7% من طلاب الصف الرابع لا يقومون بتأدية الواجبات المدرسية في المنزل.

تعتبر دراسة (TIMSS) واحدة من مجموعة قليلة من البيانات التي تسمح للباحثين بمقارنة مقدار الواجبات المدرسية التي يتم إعطاؤها للطلاب (والتي يتم تأديتها) في العديد من الدول، والجدير بالذكر أن هذه البيانات تشير إلى وجود اختلافات شديدة، فعلى سبيل المثال، أشار أكثر من واحد من بين كل خمسة طلاب في الصف الرابع في كل من الجزائر والكويت والمغرب، بأنهم يقومون بتأدية عدد كبير من من الواجبات المدرسية في المنزل، بينما أشار أقل من 3% من الطلاب في اليابان، بأنهم كانوا ينفقون أكثر من أربع ساعات في تأدية الواجبات المدرسية في الليلة المدرسية العادية.

ساعدت البيانات الصادرة عن دراسة (TIMSS) أيضاً في تبديد بعض الصور النمطية الشائعة، فعلى سبيل المثال، أفادت دراسة (TIMSS)، بأن معدلات الواجبات المدرسية الكبيرة في كل من بلدان شرق آسيا وهونغ كونغ وتايوان واليابان –وهي الدول التي كانت في قمة الترتيب من حيث متوسط الإنجازات في مجال الرياضيات- كانت أدنى من المتوسط الدولي، في حين ذكر ما يقرب من واحد من بين كل خمسة طلاب في الصف الرابع في هولندا بأنهم لا يقومون بتأدية الواجبات المدرسية في الليالي المدرسية العادية، على الرغم من أن طلاب الصف الرابع في هولندا كانوا قد وضعوا بلادهم من بين أعلى 10 بلدان من حيث متوسط درجات الرياضيات في 2007.

تبعاً لبيانات دراسة (TIMSS)، فإن الولايات المتحدة لم تكن من البلدان “التي تتمتع بالراحة” كما يزعم البعض، ولكنها في الوقت ذاته لم تكن من البلدان التي ترزح تحت عبء الواجبات المدرسية المفرطة، فعلى الرغم من أن ترتيب بيانات (TIMSS) كان يضع كل من طلاب الصف الرابع والصف الثامن في الولايات المتحدة في المنتصف، فقد أشار 12% فقط من طلاب الصف الرابع في الولايات المتحدة بأنهم يقومون بتأدية واجبات مدرسية كثيرة، مقارنة مع المعدل العالمي الذي يصل إلى 21%.

إذاً، هل ترتبط الواجبات المنزلية حقاً بمعدل النجاح الأكاديمي العالي؟ من خلال ما تقدم، يمكن القول بأنه على المستوى العالمي، لا ترتبط الواجبات المدرسية بالمستويات الوطنية العالية من التحصيل الدراسي، ولكن مع ذلك، فلا يمكن استخدام دراسة الـ(TIMSS) لتحديد ما إذا كانت الواجبات المدرسية تساعد في تحسين الأداء الأكاديمي فعلاً أو تضره بشكل عام، فكل ما يمكنها فعله هو المساعدة على معرفة مقدار الواجبات المدرسية التي يقوم الطلاب بتأديتها، وما هي الظروف التي ترتبط بالمستويات الوطنية العالية من الواجبات المدرسية، حيث تبين بأنه عادة ما يكون المقدار الأكبر من الواجبات المدرسية مرتبطاً مع الدول التي تمتلك الدخل الأقل والمستويات الأعلى من انعدام المساواة الاجتماعية.

تأثير الواجبات المنزلية على الأطفال

تظهر بيانات (TIMSS) أيضاً كيف يتم إثقال كاهل الأطفال حتى في المدارس الابتدائية بكميات كبيرة من الواجبات المنزلية، حيث ذكر ما يقرب من 10% من تلاميذ الصف الرابع الابتدائي في جميع أنحاء العالم (واحد من كل10 أطفال) بأنهم يقضون عدة ساعات في تأدية الواجبات المدرسية كل ليلة، وعلى الصعيد العالمي، أشار واحد من كل خمسة طلاب في الصف الرابع قضاء 30 دقيقة أو أكثر في تأدية الواجبات المدرسية المتعلقة بمادة الرياضيات، ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، وهذه التقارير تقلق كل من الآباء والمعلمين وصناع القرار على حد سواء.

في هذا السياق، أشارت إحدى الدراسات إلى أن الواجبات المدرسية المفرطة ترتبط مع حدوث اضطراب في النوم لدى الأطفال، مما يدل على وجود علاقة سلبية بين كمية الواجبات المدرسية، والإحساس بالإجهاد والصحة البدنية.

إن المعيار الذي يعتمد عليه لقياس الكميات المفرطة من الواجبات المدرسية، يختلف بحسب العمر، كما أنه يمكن أن يتأثر أيضاً بالتوقعات الثقافية أو العائلية، فالمراهقين في المدرسة المتوسطة، أو المراهقين في المدرسة الثانوية، يمكنهم الدراسة لمدة أطول من أطفال المدارس الابتدائية، فالبنسبة لطلاب المدارس الابتدائية، يمكن حتى لقضاء30 دقيقة في تأدية الواجبات المدرسية، إذا ما تم دمجها مع غيرها من مصادر الإجهاد الأكاديمي، أن يكون لها تأثير سلبي، حيث ربط الباحثون في الصين ما بين القيام بالواجبات المدرسية لساعتين أو أكثر من الزمن مع حدوث اضطرابات في النوم.

على الرغم من أن بعض الثقافات قد تعتبر بأن الفترات الطويلة من الدراسة بالنسبة للأطفال في سن المدرسة الابتدائية أمراً طبيعياً، إلّا أنه لا يوجد أي دليل لدعم النظرية التي تقول بأن المستوى المرتفع من الواجبات المدرسية يمتلك فوائداً واضحة على الحياة الأكاديمية، ومن ناحية ثانية، فإن المشاحنات التي تنشأ بين الآباء وأبنائهم بسبب الواجبات المدرسية، تقوي المشاعر السلبية لديهم، وتؤدي إلى توليد علاقة سلبية حقيقية بين الواجبات المدرسية والتحصيل الدراسي.

هل ينبغي إلغاء الواجبات المدرسية؟

لم يكن المسؤولون وصناع القرار مترددين في الخوض في النقاشات حول الواجبات المنزلية المدرسية، حيث قام الرئيس الفرنسي، (فرانسوا هولاند)، بتقديم اقتراح يفيد بأن يتم حظر الواجبات المدرسية لآثارها السلبية في عدم المساواة، ولمن في الواقع، وعلى عكس ما قاله (هولاند)، تشير البحوث إلى أن الواجبات المدرسية لا تعتبر مصدراً محتملاً لتوليد الفوارق الطبقية الاجتماعية في التحصيل الدراسي، فالواجبات المدرسية تعتبر في الواقع عنصراً تعليمياً هاماً بالنسبة للطلاب في الصفوف المتوسطة والعليا.

يتعين على صناع القرار والباحثين النظر عن كثب في العلاقة بين الفقر وعدم المساواة والمستويات المرتفعة الكثافة من الواجبات المدرسية المنزلية، فبدلاً من اعتبار الواجبات المدرسية على أنها “الحل”، يجب على السياسيين أن يتساءلوا عن جوانب النظام التعليمي الذي قد يعمل على حث الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور لزيادة كثافة الواجبات المدرسية، فعلى مستوى الفصول الدراسية، يجب على المعلمين التواصل مع أقرانهم ومع أولياء الأمور لضمان ألا تكون الواجبات المدرسية الموكلة للطلاب عموماً مرهقة لهم، وأنها في الواقع تمتلك لتأثير إيجابي.

من ناحية ثانية، يمكن للمدرسين أن يتبعوا نهجاً أكثر فردية في إعطاء الواجبات المدرسية، وذلك إذا كان المعلمون حريصين في اختيار واجباتهم، حيث يمكن لتلك الواجبات أن تكون مصممة تبعاً للعمر، والحالة العائلية للطالب والحاجة لتطوير المهارة، وبهذا يمكن للواجبات المدرسية أن تقدم أقصى قدر ممكن من التأثير الإيجابي لأي طالب.

قد تكون الواجبات المدرسية الحل السهل بالنسبة للكثير من المدرسين لتعويض كل ما لم يكن بالإمكان تغطيته في الصف، وخاصة في ظروف الضغط لتحقيق الأهداف وضيق الوقت وعدم التخطيط أو الحكم الذاتي، ولكن أياً يكن السبب، فإن الحقيقة هي أن نسبة كبيرة من أطفال المدارس الابتدائية في جميع أنحاء العالم يعانون من كثافة الواجبات المدرسية الموكلة إليهم، والتي يجب تأديتها في المنزل، وهذا وحده يمكن أن يكون له عواقب سلبية طويلة بالنسبة لتحقيق النجاح الأكاديمي.

شارك
نشر المقال:
Diana