التصنيفات: الصحة الجيدة

النوبات العصبية والصداع النصفي

تعتبر النوبات العصبية والصداع النصفي من الأمور المنفصلة تماماً فيزيولوجياً في الدماغ، ولكن فريقاً من المهندسين وعلماء الأعصاب الذين قاموا بتناول الدماغ من وجهة نظر فيزيائية، استطاعوا اكتشاف وجود صلة بين هاتين الحالتين وما يتصل بهما من أعراض.

يعود السبب في كون الطب التقليدي ينظر للنوبات العصبية والصداع النصفي كظاهرتين دماغيتين منفصلتين، لكون كل منهما يؤثّر على الأشخاص بطريقة مختلفة جداً، فالنوبات العصبية تتميز بحدوث فرط في النشاط الكهربائي للدماغ، أما الصداع النصفي فيتميز بكتمه للنشاط الكهربائي في جزء من الدماغ، وإضافةً إلى ذلك فإن النوبات العصبية تنتشر بسرعة في جميع أرجاء الدماغ، في حين يكون انتشار الصداع النصفي بطيئاً.

يقول الأستاذ (ستيفن شيف) وهو أستاذ في الهندسة ومدير مركز ولاية بنسلفانيا للهندسة العصبية، أن هدف العلماء الأساسي من هذه الدراسة، هو السيطرة على الصداع النصفي، من خلال تقديم نموذج أكثر واقعية لما يكمن وراء هذا الصداع، خاصة وأن كافة الدراسات السابقة لم تقم بتتبع مسار الطاقة العصبية التي يتم استخدامها في الدماغ، أو الأيونات والذرات المشحونة، التي تذهب من وإلى الخلايا الدماغية.

على اعتبار أن كلاً من البوتاسيوم والصوديوم يساهمان مع الأيونات في التحكم في كهرباء الدماغ، فقد قام الباحثون من ولاية بنسلفانيا بالتعديل على النظرية القديمة التي تبحث في كهرباء الدماغ، وذلك عن طريق إضافة مبادئ الفيزياء الأساسية إليها (الحفاظ على الطاقة، شحنتها، كتلتها)، كما أنهم قاموا بتتبع مسار الطاقة اللازم لتشغيل الخلايا العصبية، إلى جانب عدد الأيونات التي تمر داخل وخارج الخلايا.

من المعروف أن الدماغ يحتاج إلى امدادات ثابتة من الأكسجين للحفاظ على عمله، حيث يمكّنه الأكسجين من إعادة ضخ الأيونات عبر أغشية الخلايا بعد كل دفقة كهربائية، ولذلك فإن إمدادات الطاقة الواصلة إلى الدماغ، ترتبط بشكل مباشر مع تركيزات الأكسجين الموجودة حول الخلية، كما أنه من المعروف أيضاً أن الطاقة اللازمة لاستعادة الأيونات إلى أماكنها الصحيحة تكون أكبر بكثير بعد حدوث نوبة عصبية أو صداع نصفي.

بينت نتائج الدراسة أن الخلايا الدماغية المسؤولة عن حدوث النوبات العصبية هي ذاتها المسؤولة عن حدوث الصداع النصفي، وهذا يفسر سبب إمكانية حدوث كلاً من الحالتين لدى بعض الأشخاص، وحالياً يمتلك العلماء لأعداد متزايدة من الأمثلة بهذا الموضوع، حيث يمكن لطفرة جينية واحدة أن تؤدي إلى حدوث النوبات العصبية والصداع النصفي لدى ذات المريض، وهذا ما يشير إلى وجود صلة ما بين النوبات العصبية والصداع النصفي.

فريق البحث يضم (يينا ويي) الحاصل على درجة الدكتوراه في هندسة العلوم من جامعة (Penn State) والذي يعمل حالياً في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد، و(غانم الله)، العالم السابق في جامعة (Penn State) وأستاذ الفيزياء في جامعة جنوب فلوريدا، قام هذا الفريق بالبحث في النماذج القديمة لنشاط الخلايا العصبية الدماغية، وقاموا بتطبيق مبادئ الفيزياء الأساسية عليها (الحفاظ على الطاقة، شحنتها، كتلتها)، حيث اعتمد الفريق على الأبحاث السابقة الصادرة عن جامعة (Penn State) والتي تظهر الرابط الدقيق ما بين تغيّر تركيز الأكسجين وبين التغيّرات السريعة التي تطرأ على سلوك الخلية العصبية نتيجة لتغيّر مستوى تركيز الأكسجين، وكانت النتائج غير متوقعة، حيث أنه تطبيق النماذج الفيزيائية التقليدية على الخلايا العصبية تم تحفيز ظهور الطفرات، والنوبات العصبية، وانتشر الاكتئاب، وأتت جميع هذه التغيرات نتيجة لتغيّر سلوك الخلايا العصبية.

يصف فريق البحث النتائج التي تم التوصل إليها في مقال بمجلة (Neuroscience)، بقولهم إن النتائج التي توصلت إليها الدراسة جاءت عبر إحداث التغيير في نموذج واحد فقط من أغشية الخلايا العصبية، حيث أدى هذا التغيير إلى ملاحظة ظهور الطفرات والنوبات العصبية ونشر الاكتئاب، علماً أن الهدف الأساسي من البحث كان فهم بيولوجية الدماغ بشكل أفضل، إلا أن النتائج التي أشارت إلى وجود صلة ما بين النوبات العصبية والاكتئاب والتي ظهرت ضمن مجرى البحث، كانت مفاجأة سعيدة ومهمة للباحثين.

يشير الأستاذ (شيف) أن أحداً من فريق البحث لم يكن يتوقع مثل هذه النتيجة، وبمجرد ظهور النتائج عمل فريق البحث بشكل مكثف لاختبار صحتها بطرق عديدة، وفعلاً تم اثبات قوة هذا الاكتشاف على أكثر من صعيد، على الرغم من أن الربط ما بين النوبات العصبية والصداع النصفي والاكتئاب كانت مهمة صعبة جداً.

أخيراً، فإن القدرة على فهم الفرق بين النشاط الطبيعي والمرضي داخل الدماغ قد يؤدي إلى القدرة على التنبؤ بوقت حصول النوبة العصبية، حيث أن هدف البحوث القادمة لا يكمن بالسيطرة على النوبات العصبية أو على الصداع النصفي بعد أن تبدأ، بل بالبحث عن سبل لتحقيق الاستقرار في الدماغ لمنع حصول هذه الظواهر في المقام الأول.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير