التصنيفات: بيئة ومناخ

النفايات البحرية البلاستيكية تهدد بكارثة بيئية حقيقية

لم يعد خافياً أن محيطات العالم أصبحت ممتلئة بالمخلفات البلاستيكية، هذه المشكلة التي تم لفت الأنظار إليها منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً، والباحثون حالياً بدؤوا يحصلون على فكرة أفضل عن حجم ونطاق هذه المشكلة، حيث تم نشر دراسة يوم الاربعاء الماضي في مجلة (PLOS One)، أشارت إلى أن المحيطات أصبحت مليئة بما يزيد عن 5.25 ترليون قطعة بلاستيكية متنوعة الحجم بين كبيرة وصغيرة، وبوزن لا يقل عن  269.000 طن، حيث يمكن العثور على هذا الحطام البلاستيكي في جميع محيطات العالم، وحتى في الروافد النائية.

يشير الدكتور (ماركوس اريكسن)، مؤسس معاهد بحوث (Gyres) وهي مجموعة غير ربحية تجمع ما بين نشاطي البحث العلمي ومكافحة التلوث، بأن السفن التي تجري البحوث تسافر عبر البحار وتجمع عينات من القطع البلاستيكية الصغيرة من خلال شبكاتها، وتقوم بتقدير تعداد القطع البلاستيكية حول العالم من خلال هذه العينات باستخدام نماذج حاسوبية خاصة، ويضيف (اريكسن) بأن معظم البلاستيك الموجود في البحار يأتي من شبكات الصيد والعوامات القديمة، لذا فإن الدكتور (اريكسن) يقترح وضع برنامج دولي يجبر سفن الصيد على استصلاح شبكات الصيد وعدم رميها في المياه، حيث أن هذا الإجراء يمكن أن يساعد في معالجة هذه المشكلة، كما أن مناصري حملة (اريكسن) استطاعوا حمل بعض مصنعي مواد التجميل على التوقف عن استخدام الخرز البلاستيكي الصغير في منتجاتهم.

على الجانب الآخر فإن هذه الحلول والاقتراحات لا يمكن أن تقدم حلاً جذرياً لمشكلة الزجاجات البلاستيكية، وفراشي الأسنان والحقائب وألعاب الأطفال وغيرها من القطع البلاستيكية التي تطفو عبر البحار، كما أنأ النطاق المتسع لهذه المشكلة يجعل من جمع القمامة البلاستيكية العائمة حلاً غير عملياً، كون القطع البلاستيكية تجتمع في دوامات المياه، وهو مكان التقاء التيارات البحرية، وتصطدم هذه القطع ببعضها البعض نتيجة للتيارات والأمواج البحرية، وتعمل أشعة الشمس على تذويب البلاستيك وجعله هشاً، وهذا يؤدي إلى تحول البلاستيك العائم إلى قطع صغيرة، وهذه القطع بدورها تنتج قطعاً أصغر وأصغر من البلاستيك، مما يؤدي إلى انتشار الحطام البلاستيكي الصغير وجرفه مع التيارات البحرية على نطاق واسع.

بناء عليه، فإن فرق البحث وجدت أن المواد البلاستيكية العائمة في المياه كانت بحجم حبات الرمل، وتفاجأ الفريق بأن عدد العينات التي استطاعوا جمعها من سطح المياه كان أقل بكثير من العدد الذي توقعته النماذج الحاسوبية الخاصة بالبحث، ومن المتوقع أن تكون هذه القطع الصغيرة قد غاصت إلى أعماق البحار مما قد يؤدي إلى إحداث أضرار جسيمة على الكائنات البحرية.

في الواقع، فإن حقيقة أن القطع البلاستيكية الصغيرة جداً تغوص إلى أعماق البحار هي حقيقة مثيرة للقلق، كون هذه القطع البلاستيكية الصغيرة تجذب المواد السامة مثل الكلور والملوثات الأخرى، وتصبح مغلفة بهذه الملوثات، ويخشى الباحثون بأن يتسبب هذا بتسمم الأسماك الصغيرة التي يمكن أن تأكل هذه المواد، وتقوم هذه الأسماك بتمرير هذه الملوثات إلى الأسماك المفترسة الأكبر منها التي تقوم بالتغذي عليها، وهذا يؤدي إلى تلويث أعماق البحار والمحيطات بالكامل، ويعلق على هذا الموضوع الدكتور (تشيلسي روتشمان) عالم البيئة البحرية في جامعة كاليفورنيا ديفيس بقوله، أن البلاستيك هو عبارة عن كوكتيل من الملوثات الطائفة في الموائل المائية، وهذه الملوثات قد يتعاظم أثرها على السلسلة الغذائية البحرية.

يقول (أندريس كوزار)، قائد البحث من جامعة (Cadiz)، بأن كمية الحطام البلاستيكي التي تطفو في المحيطات هي كمية كبيرة جداً، مما يشير بأن نموذج إدارة النفايات البلاستيكية الذي يتم استخدامه في بلدان العالم حالياً، هو نموذج غير ناجح لا على المستوى الإقتصادي ولا على المستوى البيئي، ويشدد الدكتور (اريكسن) على ضرورة حث الشركات المصنعة للمنتجات البلاستيكية لتغيير ممارساتها، وذلك عن طريق تحميلها مسؤولية المواد البلاستيكية التي يصنعونها، فكما تقوم الشركات بتصنيع البلاستيك يجب أن تتحمل مسؤولية التخلص منه بطرق آمنة وغير مؤذية للبيئة.

تقول (نانسي والاس) مديرة برنامج الحطام البحري في البرنامج الوطني للبيئة والمحيطات، بأن المزيد من البحوث ينبغي أن تتم للبحث في المواقع العميقة أو البعيدة عن سطح البحار للتأكد من المكان الذي تستقر به حبيبات البلاستيك الصغيرة، ومن السابق لأوانه أن نحصي كمية البلاستيك الموجودة في المحيطات، كما أنه لا يمكننا تقدير الخطر المحدق الذي يحيق بالكائنات البحرية، قبل تتم معاينة أعماق المحيطات أو الخط الساحلي أو قاع البحار، فقد تكون كمية الحطام البلاستيكي في هذه الأماكن أكبر من التوقعات بكثير، وتضيف (والاس) بأنه بجميع الأحوال، ما لم نتمكن من وقف تدفق قطع الحطام البلاستيكي إلى المحيطات فإننا لن نكون قادرين على وقف هذه المشكلة.

أخيراً، فلقد أصدر مجلس الكيمياء الأمريكي، المتحدث باسم صناعيي البلاستيك، بياناً جاء فيه أن أعضاء المجلس مقتنعين تماماً بأن نفايات البلاستيك من أي نوع كان لا تنتمي إلى البيئة البحرية، كما أشار المجلس إلى بعض الجهود المتبعة لمكافحة هذه المشكلة، والتي تتضمن إصدار قانون من قبل اتحادات صناعة البلاستيك العالمية عام 2011، هذا القانون الذي أدى إلى فتح أكثر من 185 مشروعاً في مختلف أنحاء العالم لحل مشكلة القمامة البحرية.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير