العلماء يحولون عروق زهرة إلى أسلاك كهرباء لأول مرة

لا توجد شجرة في العالم تحتوي على نفس الدوائر الكهربية الموجودة في هاتف جيبك، أو الدوائر الكهربية الموجودة في التلفاز أو الكمبيوتر، فالأشجار لديها عروقها الخضراء التي تجري فيها، وهواتفنا الذكية لديها دوائرها  الإلكترونية، لكن فريقاً من السويد ظهر بابتكار عجيب يدمج العالمين، لتجري أسلاك الدوائر الإلكترونية الدقيقة في عروق الزهرة بكامل الانسجام، لأول مرة في العالم، هذه التجربة سوف تفتح الباب لعالم جديد وغريب علينا تماماً: فربما في المستقبل البعيد، بعد مئات السنين، نستطيع أن نزرع أجهزة كمبيوتر على شكل فاكهة أو خضار في حديقة المنزل !

هذه الخطوة الاستثنائية حدثت في مختبر علمي جنوب السويد مطلع هذه السنة، بقيادة البروفيسور ماجناس بيرجيرن، أستاذ الإلكترونيات العضوية في جامعة ينكوبينج، ليقوم مع فريقه بتحويل زهرة عادية موجودة في حديقتهم، إلى زهرة إلكترونية لها دوائر، وذلك عن طريق ملء عروقها ببوليمر معين.

من المعروف أن الأنسجة الحية مواد موصلة، وقد وجدت طريقها من قبل في تصنيع الأجهزة الإلكترونية، والنباتات ليست استثناء، ولهذا كان لدى العلماء حلم بالاستفادة من البناء الضوئي في النبات وخصائصه الفسيولوجية الأخرى، لكنهم كانوا يحتاجون في البداية لاكتشاف إمكانية دمج الدوائر الإلكترونية في النبات من عدمه، وحين ذلك واجههم السؤال الصعب: ما المادة التي سنستخدمها في هذه الدوائر؟

فالمادة اللازمة، عليها أن تكون قابلة للذوبان في الماء، مع توصيل كهربائي مناسب، كما يجب أن تكون قادرة على السريان في عروق النبات وتحويلها إلى دوائر كهربية، وقد وجد الفريق أن معظم المواد التي جربوها كانت سامة للزهرة، فإما أن تتراكم وتسد فتحات الجذع، أو تفشل في الالتصاق بالسطح الداخلي لعروق النبات أو نسيج الخشب، لكنهم أخيراً، وجدوا ضالتهم.

المادة التي وجدها العلماء تسمى PEDOT، وهي اختصار لكلمة بولي 3,4 إيثيل إني ديوكسي ثيوفين، وهو عبار عن بوليمر موصل كلاسيكي، يستخدم في الإلكترونيات التقليدية، فقاموا بغمس زهرة في محلول هذه المادة المسماة بـ”بيدوت”، بعد أن نزعوا عنها جذورها وأوراقها، فقام النبات في اليومين التاليين لذلك بالتقاط البوليمر عن طريق شبكة عروق نسيج الخشب التي تسري فيه، ثم قام بتحويلها إلى مادة هلامية في داخله، بعدها قام الفريق بتقشير السطح الخارجي للزهرة، ليفاجئوا بتحول العروق إلى أسلاك كهرباء داكنة تسري في الزهرة كلها، أطلعت الباحثة إيليني ستافرينيدو البروفيسور بيرجرين على الصور الميكروسكوبية المدهشة، وعندها استطاع أن يفهم فوراً، لقد استطاعوا تكوين دوائر كهربية حقيقية في الزهرة !

الفريق استخدم العروق المتحولة إلى دوائر كهربية في عمل ترانزوستر، وهو الوحدة البنائية الأولية لصنع الحواسيب والإلكترونيات، فقد وضعوا أقطاباً ذهبية ومجسات على امتداد النبات، ثم قاموا بتوصيلها إلى مقاوِم خارجي، ومرروا تياراً كهربياً فيه، أما في التجربة الثانية، فقد سكبوا مادة الـ”بيدوت” في أوراق الزهرة، ما أجبر البوليمر على السريان في مسامها مستخدمين الضغط، ثم قاموا بتمرير تيار كهربي في الورقة، وعندها، رأوا ورقة الزهرة تغير ألوانها بخفوت استجابة لتغيرات التيار الكهربي !

الفريق لم يكن الفريق الأول الذي يحاول اقتحام الحياة النباتية بالإلكترونيات، ففي 2012 قام فريق باحثين تابع لديزني بربط نبات فاكهة مع مجسات تستطيع قياس كم الكهرباء التي تعبر في النبات، كما قام فريق في معهد ماساتشوستس التكنولوجي بتزويد نباتات بآلات نانوية بالغة الضآلة، ودفنها في البلاستيدات الخضراء الخاصة بهم.

ومع أن البحث على “الزهرة الإلكترونية” قد قطع خطوات كثيرة فارقة لتحويل النباتات إلى إلكترونيات، فإن هذه الزهرة ليست نموذجاً مثالياً لتحويل النسيج الحي إلى دائرة إلكترونية على قيد الحياة، فقد تم قطع الجذع والأوراق لأجل التجربة، أي إنها ماتت بالفعل، لكن الفريق يرى أن هذه “الإلكترونيات البيولوجية” الجديدة هي مشروع واعد، فالأجهزة الإلكترونية الحالية مصنوعة من بلاستيك مشتق من البترول، كما إنها تستخدم مواد نادرة، أما تكنولوجيا الفريق السويدي فهي مختلفة، ما يعطينا أملاً في كوننا نسير على الطريق الصحيح لتحقيق تكنولوجيا الطاقة المستدامة صديقة البيئة.

التطبيقات التي يفكر بها العلماء على هذا الابتكار كثيرة، منها بناء دوائر إلكترونية في النبات تجعله يعمل كمستشعر يستطيع تسجيل التغيرات الهرمونية التي تحدث بداخله مثلاً، كما إنهم تخيلوا أنظمة مستقبلية قادرة على توجيه العمليات الفسيولوجية في النبات في اتجاه معين يريده العلماء، بوصفها بديلاً للتعديل الجيني، بالإضافة إلى تفكيرهم بأن هذه الدوائر الإلكترونية البيولوجية قد تفيدنا في صناعة الورق، إذ تمكننا من إبداء المزيد من التحكم في الأشجار النامية.