أخبار العلوم

الطماطم الفائقة دليل على ما وصل إليه علماء النبات

ينتج العالم حوالي 800 مليار حبة من الطماطم سنوياً، ولكن كم من هذه الكمية صالح للأكل؟ علماء النبات يخبروننا

خلال آلاف السنين تم إنتاج طماطم تناسب المزارعين والبائعين أكثر من المستهلكين، واليوم أصبحت هذه الثمار تنمو بطريقة منظمة، وتنتج الكثير من الطماطم التي تبقى في مكانها حتى يتم حصادها وهي ناضجة بما يكفي ليتم شحنها لمسافات طويلة، ولكن الدراسات أكدت في العديد من الحالات، أن هذه الثمار تفقد الكثير من النكهة والمواد المغذية أثناء رحلتها إلى مائدة المستهلك.

ويبدو أن علماء النبات يعكفون على دراسة هذه القضية، فقد صدرت  ثلاث أبحاث من مجموعات بحثية حول العالم تحاول تقديم نوع جديد من الطماطم الفائقة، التي تجمع بين النكهة والمغذيات، وللقيام بذلك، استخدم الباحثون تحورا في جين CRISPR-Cas9 ، والذي سمح لهم بتعديل جينات محددة في الأنواع البرية من عائلة الطماطم، وكانت النتيجة، وفقا لعالم ذاق إحدى هذه الثمار – الطماطم “العطرية” التي يمكنها إعادة تنشيط براعم التذوق.

تُظهر الدراسات ثمار عقود من الأبحاث المضنية في علم الوراثة النباتية، والتي تشمل خزانة مليئة بالجينات ذات التأثيرات المعروفة، والتي يمكن تعديلها لتحويل نبات بري جامح إلى نبات مستأنس ذي قيمة، وهذا العمل يذكر قيمة البحوث الأساسية على نمو وتطور النبات، ويبين كيف يمكن إدخال سمات أخرى مفيدة في الزراعات الأخرى.

وقامت المجموعة الأولى من الباحثين بتحوير ابن عم الطماطم الذي يعرف باسم الحرنكش، واسمه العلمي Physalis pruinosa، والذي يزرع في أمريكا الوسطى والجنوبية، وهي ثمار لذيذة لكن نمط نموها المترامي وميلها إلى إيداع ثمارها على الأرض يجعلها غير مناسبة للزراعة على نطاق واسع، وكان المنتج المعدل أكثر إحكاما وأنتج ثمارًا أكبر.

بينما قامت المجموعتين الأخريين بتحوير قريب أخر يسمى Solanum pimpinellifolium، وهو من الأنواع التي تتحمل الإجهاد وتقاوم الأمراض المدمرة، لكن الباحثين سعوا إلى زيادة حجم وجاذبية ثمارها، وتسهيل السيطرة على نموها، وكانت المجموعة تهدف إلى الجمع بين فوائد S. pimpinellifolium مع ميزات الطماطم الحديثة التي تجذب المزارعين والمستهلكين، كما عمل الباحثون على زيادة القيمة الغذائية لطماطمهم الجديدة، وذلك أولاً من خلال زيادة مستويات الليكوبين، كاروتينويد المرتبط بالفوائد الصحية ؛ وثانيا من خلال التركيز على محتوى أكبر من فيتامين (ج).

ويقول يورج كودلا من جامعة مونستر بألمانيا، وهو مؤلف رئيسي في إحدى الدراسات، أن تحقيق نفس المنتج من خلال الزراعة التقليدية كان سيحتاج إلى عقود، وبدلا من ذلك، استغرق فريقه ثلاث سنوات. إنه مثال على العلم الذي يخدم حاجة المجتمع، مما يعيدنا إلى الخطوات المعيبة التي يتخذها الاتحاد الأوروبي والتي من شأنها أن تهدد مثل هذا العمل في المستقبل، ففي يوليو / تموز ، قضت محكمة العدل الأوروبية بأن الأطعمة الناتجة عن تحوير جينات CRISPR-Cas9 يجب أن تكون ملزمة بنفس القواعد الشاقة المطبقة على المحاصيل المعدلة وراثياً، وستزيد الاختبارات والتجارب الإلزامية الناتجة عن ذلك زيادة كبيرة في تكلفة تطوير منتج تجاري، الأمر الذي يجعل التمويل للبحوث حول هذه المنتجات أقل قابلية للتطبيق.

تعتبر هذه التكاليف أحد الأسباب التي جعلت المحاصيل المعدلة وراثيا حتى الآن لا تحقق فائدة تذكر للمستهلكين، وبسبب تكلفتها المرتفعة، تركز الشركات على تطوير محاصيل سلعة وسمات تروق للمزارعين.

وقد تقدم Jörg Kudla بطلبات للحصول على ما يصل إلى مليوني يورو (2.3 مليون دولار أمريكي)،لتمويل الأبحاث المتعلقة بأعمال تحوير الجينات، لكن الممولين يحرصون على إنفاق أموالهم بطرق قد تفيد دافعي الضرائب، كما يلاحظ ، وإذا لم يكن لهذه المحاصيل مستقبل تجاري في أوروبا، فقد يكون من الصعب تبرير الدفع مقابل تنمية المحاصيل.

وأثار قرار المحكمة الأوروبية الذي طال انتظاره حيرة العديد من الباحثين، لأن التقنية تتضمن تعديلات جينية تعطل فقط الجين، بدلاً من إعادة كتابته بتسلسل محدد، ومن الناحية العلمية، يرى المدافعون أن هذا يشبه استخدام مادة كيميائية أو إشعاع لتوليد الطفرات ومن ثم فحص النباتات للحصول على سمة مرغوبة – والتي لا يتم تصنيفها كتعديل جيني. ولكن مع CRISPR-Cas9، يمكن للباحثين توليد الطفرات في جينات معينة، دون الحاجة إلى فحص آلاف النباتات لكل سمة يريدون إدخالها.

وشكل قرار المحكمة ضربة للباحثين، وفي يناير الماضي، قال أحد المحامين العامين للمحكمة الأوروبية إن مثل هذه المحاصيل لا تحتاج إلى نفس التدقيق الذي تخضع له المحاصيل التقليدية المعدلة وراثيًا. وهو يسلط الضوء على مدى اختلاف الباحثين مع المسؤولين حول التعديل الجيني في أوروبا، مما يحتم على العلماء والداعمين مواصلة جهودهم للدفاع عن أحدث أبحاثهم، ومنها الأبحاث المتعلقة بالطماطم.