التصنيفات: الصحة الجيدة

الرضاعة الطبيعية قد تقي من سرطان الثدي

الرضاعة الطبيعية هي عملية تغذية المولود بالحليب الذي ينتجه ثدي الأنثى، وهي عملية فطرية مشتركة بين الاٍنسان وباقي الثدييات وتستمر هذه العملية من الولادة وحتى الفطام، ويعد الإرضاع الطبيعي طريقة سهلة وقليلة التكلفة من أجل تغذية المولود، وتنصح منظمة الصحة العالمية الأمهات بأن يرضعن أطفالهن لمدة ستة أشهر على الأقل إذا لم تكن لديهن مشكلات صحية تمنع ذلك، ولكن مدة الإرضاع تختلف باختلاف المناطق والثقافات، فهناك أمهات يوقفن الرضاعة الطبيعية بعد مدة بسيطة من الولادة، ومنهن من يستمر في الاٍرضاع حتى 24 شهراً، ويختلف سبب إيقاف الرضاعة فمنها أسباب إجبارية مثل قلة اٍدرار الحليب من الأم أو عدم تقبل الطفل للحليب أو عدم احتواء الحليب على مغذيات كافية لجسم الطفل، ومنها أسباب اختيارية عائدة للأم مثل الخوف من ترهل الأثداء بسبب عملية الأرضاع، أو عدم امتلاك الأم لثقافة كافية حول فوائد الرضاعة الطبيعية.

إن الإرضاع الطبيعي مفيد للطفل من جوانب كثيرة، حيث يحوي حليب الأم عناصر غذائية كثيرة تساعد الطفل على النمو السليم، كون حليب الأم يحتوي على الأجسام المضادة التي تساعد على مكافحة العدوى، وهذا ما يفسّر قدرة هذا الحليب على حماية الطفل من الإسهال والحساسية والعدوى في الأذن والرئتين، كما تشير الأبحاث بأن حليب الأم يحوي أحماضاً دسمة هامة تساعد على نمو دماغ الطفل وعلى نمو قدراته العقلية، كما أن الإرضاع الطبيعي مفيد للأم أيضاً لأن رضاعة الطفل من ثدي أمه تحرر في جسمها هرموناً يساعد على انقباض الرحم وعودته إلى حجمه الطبيعي، فضلاً عن أن الإرضاع الطبيعي له  فوائد نفسية وعاطفية جمة لدى معظم الأمهات.

مؤخراً، وجدت دراسة دولية كبرى أن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تقلل من فرصة الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تصل إلى الخمس، حيث وجدت الأبحاث التي أجريت على أكثر من 750.000 امرأة  بأن الرضاعة الطبيعية تعد استراتيجية مفيدة جداً للحد من خطر السرطان، وخاصة الأنواع الأكثر عدوانية من هذا المرض، ويشير الخبراء بأن الآلاف من حالات السرطان يمكن منعها في حال قامت الأمهات بتطبيق قواعد الرضاعة الطبيعية.

السرطان بشكل عام هو نوع من الأمراض يجعل الخلايا المصابة به تنمو وتتغيير، وتتضاعف بصورة خارجة عن نطاق السيطرة، ويسمى السرطان وفقاً للجزء الذي بدأ منه، فسرطان الثدي يعني عدم انتظام ونمو وتكاثر وانتشار الخلايا التي تنشأ في أنسجة الثدي، حيث يمكن لخلايا سرطان الثدي أن تنفصل وتنتشر بعيداً إلى أجزاء أخرى من الجسم، ويعد سرطان الثدي هو ثاني سبب رئيسي لوفيات السرطان لدى النساء -بعد سرطان الرئة-، وهو السرطان الأكثر شيوعاً بين النساء وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، حيث يتم تشخيص أكثر من 1.2 مليون إصابة بسرطان الثدي في جميع أنحاء العالم كل سنة، وأكثر من 500.000 شخصاً يموتون نتيجة لهذا المرض، كما أن سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطانات شيوعاً في بريطانيا، حيث يصيب واحدة من كل ثمانية نساء، ويتم تشخيص أكثر من 50.000 حالة من سرطان الثدي ويسبب حوالي 12.000 حالة وفاة سنوياً، وطبياً يقسم سرطان الثدي في بدايته إلى نوعين، سرطان غازي (invasive) قادر على الانتقال والتكاثر والتضاعف، وسرطان لابد أو ثابت (noninvasive) لا ينتقل إلى الأنسجة المحيطة به، ولكن بعض أنواع هذا السرطان يمكن أن تتحول إلى سرطان غازي إذا لم تعالج.

الدراسات السابقة التي اهتمت بموضوع الرضاعة الطبيعية أشارت إلى أن الرضاعة الطبيعية لها تأثير وقائي ضد السرطان، ولكن هذه الدراسات أشارت أيضاً بأن هذا الأثر هو ضعيف نسبياً، ولكن الدراسات الحديثة الكبرى، والتي غطت حوالي أربعة قارات، وشلمت 27 دراسة سابقة، وتتبعت حالة أكثر من 750.000 امرأة، تشير إلى أن الرضاعة الطبيعية لها آثار أكبر من أن توصف على مرض سرطان الثدي، حيث توضح الدراسات بأن الرضاعة الطبيعية تخفّض من مخاطر سرطان الثدي الغازي بنسبة 10% بشكل عام، وتصل هذه النسبة إلى 20% في الأنواع الأكثر عدوانية من هذا المرض.

كما أشارات هذه الدراسات الكبرى التي تمت بقيادة جمعيات السرطان الخيرية الأمريكية، بالتعاون مع كلية الطب بجامعة واشنطن ومستشفى جبل سيناء (Mount Sinai) بنيويورك، أن الرضاعة تحمي من الأنواع الشائعة من سرطان الثدي، حيث أن الرضاعة الطبيعية لمدة 12 أسبوعاً من المحتمل أن تمنع عشرات الآلاف من حالات سرطان الثدي لدى الأطفال في مرحلة لاحقة من حياتهم، كما أن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تساعد في الحماية من أحد أشرس أنواع سرطانات الثدي وهو سرطان الثدي السلبي الثلاثي، والذي يعد من أخطر أنواع سرطانات الثدي كونه يفتقد لمستقبلات هرمون الأستروجين وهرمون البروجيسترون، لذا فإنه لا يمكن علاجه إلا عن طريق العلاجات الكيميائية، وتتصف حالات سرطان الثدي السلبي الثلاثي بأنها سرعان ما تنتكس خلال أعوام بسيطة على الرغم من أنها تستجيب في البداية للعلاج الكيميائي، وتختم الدراسة بقولها أن الرضاعة الطبيعية هي استراتيجية قوية للحد من خطر عدة أنواع فرعية من أنواع سرطان الثدي الغازي، حيث تعمل الرضاعة الطبيعة على الحد من المخاطر النسبية لهذا السرطان لنسبة تتراوح بين 10% و 20 %.

إن الاسباب التي تجعل الرضاعة الطبيعية مؤثرة في سرطان الثدي، ليست معلومة بشكل كامل بعد، إلا أنه من المحتمل أن تكون مستويات الهرمون العالية المتطلبة في حالة الإرضاع، هي ما يؤثر على نمو الخلايا، حيث من المحتمل أن تعمل هذه الهرمونات على حماية الثدي من التغيّرات التي تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، فضلاً عن أن النساء اللواتي يكن في مرحلة الإرضاع لا يدخلن في مرحلة الإباضة، وهذا أيضاً يساعد على حمايتهن من سرطان الثدي والمبيض.

تشير الاحصائيات بأن بريطانيا تعد من أقل دول العالم الغربي التي تقوم بها الأمهات باستعمال الرضاعة الطبيعية، حيث أن 50% فقط من الأمهات في المملكة المتحدة يرضعن أطفالهن حتى سن الستة أسابيع، وتنصح الهيئة الوطنية للصحة (NHS) الأمهات بأن يقتصروا على تغذية أطفالهن بحليب الثدي فقط  حتى يبلغوا الستة أشهر من العمر، ولكن للأسف فإن 1% فقط من الأمهات يتبعن هذه النصائح التي تقدمها (NHS)، وتشير أحدث الأرقام الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنه مقارنة بـ21 دولة تعد المملكة المتحدة الدولة الأقل معدلاً بالإرضاع الطبيعي في العالم الغربي.

تشير بعض المنظمات الانسانية بأن ممارسات الحكومة البريطانية لا تشجع النساء على الإرضاع الطبيعي، حيث انتقدت جماعات الأمهات البريطانية في الأسبوع الماضي، المواقف البريطانية تجاه الرضاعة الطبيعية، بعد أن انتشرت الحادثة التي قام بها فندق كلاريدجيس (Claridges) –وهو فندق 5 نجوم بريطاني يعرف باتصاله مع العائلة المالكة- بالطلب من أم تقوم بإرضاع طفلها بشكل طبيعي لتغطية طفلها بمنديل، كما أن زعيم حزب الاستقلال (نايجل فاراج) اقترح بأن تقوم الأمهات التي يرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية بالجلوس في الزاوية، وهي تصريحات مؤذية ومعادية للأمهات اللواتي يقمن بإرضاع أطفالهن بشكل طبيعي.

أخيراً، فإن الأبحاث الحديثة تسلط الضوء بوضوح على أن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي، ولكن الأبحاث في هذا المضمار يجب أن تستمر حتى الوصول لمعرفة أي نوع من أنواع سرطان الثدي تؤثر فيه الرضاعة الطبيعية، كما أنه يجب على العلم التوصل للسبب الكامن وراء هذا التأثير، وفي النهاية لابد من الإشارة إلى أنه يوجد العديد من الإجراءات – بما فيها الرضاعة الطبيعية – يمكن أن تقي من سرطان الثدي، وتشمل هذه الإجراءات الحفاظ على وزن صحي، والحد من شرب الكحوليات وممارسة النشاطات البدنية بانتظام.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير