التصنيفات: الصحة الجيدة

الخلية المتوحشة ( السرطان )

عندما وصفنا الخلية في مقال سابق إنها المدينة الصناعية التي لا ترى بالعين المجردة ، قد يتناهي إلى الكثير من الأذهان وماذا عن الخلية السرطانية ؟

لك عزيزي القارىء أن تتخيل ماذا حدث لهذه المدينة الصناعية ! هل هو زلزال أم إنهيار إحدي مؤسساتها أو قد يكون دخيل دخل من أبوابها التي تحرسها المستقبلات المختلفة الوظائف وعبر عن نفسة بهوية مزورة أدت إلي أن يتداخل في الشيفرة الوراثية أو قد تكون حرب من مواد خارجية تراكمت في الجسم على مدى سنوات فحشدت العتاد والعدة وهاجمت حصون الخلية وسيرت المدينة الصناعية لإنتاج ما تؤمر به فقط وبالتالي كل ما ذكرت هو تحول للخلية الطبيعية إلى خلية متوحشة .

سأوضح تقريبا معنى كل جزء ذكرته ، في حال حصول إنهيار في إحدى عضيات الخلية مثل الرايبوسومات وهي مصنع البروتينات التي تعتبر اللبنة الأساسية في بناء الجسم ووظائفه فإن هذا التعطل وإن كان جزئياً سيقلل من عمل هذا المصنع ، ويضعف عملية الإنتاج ، وبالتالي أي نقصان في بروتين معين أو زيادة في إنتاج بروتين أخر يؤدي إلى خلق تشويش في عقل الخلية المركزي ( النواة ) ، وبالتالي كل الطرق التي تعمل على نقل هذه البروتينات Signaling pathway ستتعطل أو يختل نظامها ، ما يؤدي إلي فقدان التوازن الحيوي في الخلية و كذلك التواصل بينها وبين أقرانها في الوسط الخلوي وبالتالي تتحول إلى خلية متوحشة تحاول فرض نفسها بالقوة ، وتتكاثر وتبدأ بتشكيل مستعمرة كاملة في مكانها بما يسمى الورم الذي قد يكون حميداً حيث يبقى ساكنا غير متحرك .

وبإزدياد عدوانية هذه الخلايا تغدو بحاجة إلى التوغل أكثر في الجسم ، وتبدأ بتشكيل بنيتها التحتية ببناء شرايين دموية تربط بينها وبين الأجزاء السليمة وتطلق بعض من جنودها في الطرق الدموية ( الشرايين ) ليبدأ الرحلة في الدم ويستقر في عضو جديد ويبني له مستعمرة جديدة ويعمل على فرض سيطرته على الخلايا السليمة الأخرى.

ولكن ممكن أن تتحول الخلية الطبيعية إلى سرطانية عند دخول مادة غامضة قد تكون فيروساً أو مادة سامة والتي تعرف بالمواد المسرطنة عن طريق التحايل على مستقبلات الخلية الموجودة على الغشاء السيتوبلازمي للخلية والتي ممكن أن تتخيل إنها مثل شرطة الأمن Security والتي تقوم بتمرير من يحمل تصريحاً بالدخول والتحايل على هذه الشرطة الصارمة يكون بتزوير هوية المرور تكون مشابهة لأحد المواد المصرح لها بالدخول أو الإرتباط ببروتين أخر يصرح له بالدخول أو بتعطيل هذا المستقبل .

إن مثل هذه المواد الدخيلة تعد أكثر خطراً من تعطل عضيات الخلية ، لإن مهمتها هي تسيير كل نظام الخلية لمصلحتها وكما وإنها تتداخل بسرعة مع الشيفرة الوراثية وبالتالي تعمل على إحداث بما يسمى الطفرات Mutations مما يؤدي إلي خلل في البناء الوراثي للخلية فينتج بروتينات معاقة عن أداء وظيفتها الطبيعية أو إنها تدخل في تركيب الكروموسومات الحاملة للتركيبة الوراثية والتي تنقسم بإنقسام الخلية وتكاثرها وبالتالي ينتقل الخراب من خلية لأخرى ، وهذا هو منطق المواد المسرطنة في إنهيار منظومة الخلية الطبيعية لتتحول إلى خلية متوحشة ، ولكن مع إجتهاد العلماء والباحثين في علم الجينات قد يساعد ظهور مؤشرات معينة بوجود خلايا متوحشة سواء بالفحص السريري عن طريق الصدفة أو من خلال فحص الدم لمؤشرات السرطان Cancer markers والتي تتنبأ بخلل وراثي وبالتالي لا بد من القضاء على هذه الخلية المتوحشة ومحاربتها بإستخدام العلاج الذي يختلف بإختلاف نوع الخلية السرطانية والتي تتبع العضو الموجودة فيه فقد تكون خلية سرطانية عصبية وقد تكون طلائية أو دموية الخ.

أما الهجوم الكبير على الخلية بفعل مواد مسرطنة أخرى تكون قد أعدت العدة من خلال تراكمها في الجسم وإرتفاع مستواها في مكان التخزين أو في الدم ومن هذه المواد تلك

الموجودة في تبغ السجائر أو بعض الأدوية أو سوء التغذية ويقصد به هنا الغذاء المحتوي على مواد ضارة كالمواد الحافظة أو الوجبات السريعة وغيرها ، وبالتالي عندما تتكدس أي من هذه المواد تفقد الخلية سيطرتها علي أيضها أو تدويرها لإتلافها وبالتالي تحاول الخلية في تغيير شيفرتها مما يؤدي إلي طفرات في جينات عديدة وظيفتها تشفير صناعة بروتينات هامة في الخلية ويختل التوازن وترضخ الخلية للتغيير الذي طرأ عليها وتتوحش إلي سرطان يفتك بما حوله ويجند كل طاقة الجسم لحماية نفسه ومقاومة منظومات الدفاع .

قد تنجح مضادات السرطان بأشكالها في القضاء على الخلايا المتوحشة وقتلها وتنظيف الجسم نهائياً منها ولكن كيف تعود ؟ هل تكون البداية جديدة ؟ ولماذا العودة تكون أشرس من سابقتها ؟

حقيقة إنه لا يحدث أن تتوحش الخلية من جديد بل خلال محاربة هذه الخلايا السرطانية والقضاء عليها قد تبقى خلية واحدة وتوهم ما حولها بموتها ، ولكن الحقيقة إنها تسكن أو تنام وتبقي كذلك لفترة ما تقوم فيها بالعمل في سكون تام في برمجة كل منظومتها الدفاعية لمقاومة العلاج الذي قتل أقرانها سابقاً ، و بلغة العلم تتطفر وبالتالي تستيقظ هذه الخلية المتوحشة من جديد أقوي من ذي قبل وتبدأ بالتكاثر السريع ومحاولة إنتشارها في مكانها أو في الترحال في أعضاء الجسم عن طريق مجرى الدم .

ومازال العلم يجند كل جهوده لفك شيفرات هذه الخلية المتوحشة والعمل على قتلها من خلالها بحيث يتم تجنيد مكوناتها الوراثية ضدها .

 

شارك
نشر المقال:
علياء كيوان