التصنيفات: متفرقات

الحقيقة الطبية وراء أسطورة مصاصي الدماء

مع التطورات التي شهدها القرن العشرين، بدأ الأشخاص العقلانيون يلجؤون إلى العلم لتفسير الأساطير التي أعمت بصائر البشرية لآلاف السنين، ولكن على الرغم من أنه قد تم حل العديد من الأساطير، إلّا أن بعضها بقي بعيداً عن منال عقلانية الإنسان، فكيف يمكن أن يعتقد أي أحد بأن شخص ما هو مصاص دماء؟ وكيف يمكن أن يظهر شخص بأنه ضحية لهجوم مصاصي الدماء؟ لحسن الحظ، ومع الوقت، شهدت العلوم الكثير من التطور، ووجدت لنا جواباً شافياً لهذا اللغز.

فقر الدم

الاضطراب الأول الذي كان الأشخاص قديماً يخطؤون بينه وبين التعرض لهجوم مصاصي الدماء هو فقر الدم (الأنيميا)، والأنيميا هي كلمة مشتقة من اليونانية تعني “قلة وجود الدم”، وفقر الدم هو مرض يكون فيه تعداد خلايا الدم الحمراء منخفض بشكل غير عادي، وخلايا الدم الحمراء هي التي تقوم بحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، لذلك، وعندما يكون الشخص مصاب بفقر الدم، تكون أعراضه ناتجة عن عدم كفاية الأوكسجين، ويمكن أن تشمل هذه الأعراض:

  • البشرة الشاحبة
  • التعب
  • نوبات الإغماء
  • ضيق في التنفس
  • اضطرابات الجهاز الهضمي

هناك ثلاثة أسباب رئيسية لفقر الدم، أولهما المرض، وثانيهما الوراثة، وأخيراً فقدان الدم الحاد، وعلى مر العصور، كان يُعتقد بأن الشخص الذي يعاني من هذه الأعراض قد تعرض لهجوم من مصاصي الدماء، وعلى الرغم من أن الضحية قد يكون قد أصيب بالمرض مؤخراً أو قد يكون ببساطة قد ورثه في الأصل، فإن المجتمع يجد بأنه من الأسهل أن يعتقد بأن الأعراض ناتجة عن هجوم مصاصي الدماء، وقد يصل الأمر للاعتقاد بأن هذه الأعراض هي بداية لتحول الضحية إلى مصاص دماء، ويستدلون على ذلك من خلال زيادة شحوب بشرة المريض ومواجهته لمتاعب في تناول الطعام.

التصلب

الاضطراب الثاني، وعلى الرغم من أنه أندر بكثير من الأول، إلّا أن الكثيرين يربطونه بالأسطورة، فالتصلب (Catalepsy) هو اضطراب في الجهاز العصبي يسبب شكلاً من أشكال عدم القدرة على الحركة، حيث أنه يؤدي إلى فقدان الحركة الطوعية، وتصلب في العضلات، وكذلك انخفاض درجة الحساسية للألم والحرارة، لذلك فإن الشخص الذي يعاني من التصلب، يستطيع الرؤية والسمع ولكنه لا يستطيع التحرك، وتتباطأ وتيرة تنفسه ونبضات قلبه ووظائفه الحيوية الأخرى، لدرجة غير المختصين قد يعتبرونه ميتاً، والجدير بالذكر أن هذه الحالة يمكن أن تستمر من دقائق إلى أيام، وقبل تطور الطب في القرن العشرين، لم يكن هناك الكثير من الاختبارات التشخيصية المتوفرة التي يمكن تطبيقها على الجسم لتحدد ما إذا كان الشخص ميتاً بالفعل، ولذا فمن المرجح أنه كان يتم إعلان وفاة الأشخاص الذين كانوا يعانون من التصلب قبل الأوان، ويتم دفن المريض وهو لا يزال حياً، ولكن عندما يتعافى المريض من حالة التصلب، فإنه سيحاول الحفر وشق طريقه ليصل إلى السطح، وهذا ما كان يعطي سكان القرى فكرة أن هؤلاء الأشخاص يخرجون من قبورهم من بين الأموات، وقد نشأت العديد من الأساطير عن هذه الحالة وحدها.

البورفيريا

من جانب آخر، ومن بين جميع الاضطرابات والأمراض التي ترتبط بمصاصي الدماء، فإن أكثر أنواع الاضطرابات غرابة وتميزاً هي البورفيريا، وقد تم بالفعل تلقيبها من قبل العديد من الأطباء باسم “مرض مصاصي الدماء”، وهو مرض وراثي نادر في الدم يتفرع إلى عدة فئات:

  • البورفيريا الحادة المتناوبة (AIP)
  • البورفيريا الخلقية المكونة للكريات الحمراء (CEP)
  • البورفيريا الجلدية البطيئة (PCT)
  • البورفيريا الكبدية المكونة للكريات الحمراء (HEP)
  • الكوبروبرفيرية الوراثية (HCP)
  • البورفيريا المبرقشة (VP)
  • البروتوبورفيا المتعلقة بتصنيع الكريات الحمراء (EPP) أو بروتوبرفيرية

البورفيريا، هي كلمة يونانية تعني “الأرجواني”، وهذا راجع إلى تغير لون البول الذي عادة ما يصبح أزرق أو أرجواني داكن اللون، حيث أن الأشخاص المصابون بالبورفيريا لا يمكنهم إنتاج الهيم، وهو عنصر رئيسي وحيوي في الدم الأحمر، أما اليوم، فقد أصبح هذا المرض قابل للعلاج من خلال حقن الهيم العادي في الجسم، ومع ذلك، فقبل أقل من خمسين عاماً، كان هذا العلاج غير متوفر، وكان هذا المرض غير معروف، وكان هناك اعتقاد خاطئ بأن تناول الهيم من الآخرين (أو الدم) سيجدد من موارد المريض من الدم، ولكن الدراسات الحديثة أشارات أن هذا المفهوم خاطئ تماماً.

في الماضي، كان من يعاني من البورفيريا يظهر أعراضاً تشمل:

  • الحساسية المفرطة لضوء الشمس
  • القروح والندوب لا تشفى بشكل صحيح
  • نمو الشعر الزائد
  • انشداد الجلد حول الشفتين واللثة (وهذا من شأنه أن يجعل القواطع تبدو أكثر بروزاً)

 الخوف من الثوم

من الحالات الطبية الأخرى التي ترافقت مع أسطورة مصاصي الدماء هي حالة نفسية تدعى الخوف من الثوم، أو  alliumphobia))، وهو نوع من العصاب الذي يجعل الأشخاص يذعرون من مجرد التفكير في تلك النبتة النتنة، ومجرد اقراب المريض من الثوم كافٍ لاطلاق نوبة من الذعر الشديد أو القلق للشخص يعاني من هذا الرهاب النادر، أما أسطورة طرد مصاصي الدماء باسخدام الثوم فقد نبعت من استخدامه كوسيلة لطرد الأرواح الشريرة في البلدان السلافية الجنوبية ورومانيا، ولذلك كان يعتقد بأن أولئك الذين يرفضون تناول الثوم كانوا من مصاصي الدماء، وكان يتم وضع فصوص من الثوم في أفواه المتوفين قبل الدفنهم لمنعهم من التحول إلى مصاصي دماء.

كراهية المرايا

أخيراً، نذكر حالة نفسية أخرى تدعى كراهية المرايا، فعلى الرغم من أن الصفة التي تترافق أسطورياً مع مصاصي الدماء هي أنهم لا يكونون مرئيين في المرايا، إلّا أن المرض الحقيقي، هو رهاب المرآة، والمعروف أيضا باسم (catoptrophobia)، وهي حالة تجعل الأشخاص يخافون من المرايا، وهذا يمكن أن يحدث نتيجة التعرض لحدث أليم، أو تتشكل نتيجة لمخاوف ذات جذور عميقة، كمشاهدة أفلام الرعب التي تنطوي على المرايا في فترة الطفولة، والأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب، يمكن أن يصابوا بنوبة من الذعر لمجرة رؤية مرآة.

أما علاقة مصاصي الدماء بالنفور من المرايا، فهو يعود إلى الاعتقاد الذي يقول بأن المرآة تعكس الروح، ولأن مصاصي الدماء لا يمتلكون للروح فلا يمكن بأن يكون لجسدهم أن يكون له انعكاس في المرآة، ومن ناحية أخرى، فإن عدم القدرة على الوقوف أمام المرآة يمكن أيضاً أن يكون أحد أعراض داء الكلب، الذي يدفع الأشخاص لأن يصابوا بجنون العض ويصبحوا مهووسين بعضّ الآخرين، لدرجة أن البعض يعتقد بأن خرافة مصاصي الدماء قد نشأت خلال وباء داء الكلب الذي انتشر في أوروبا في القرن السادس عشر.

كان يتم الخلط بين هذه الأمراض وغيرها وتحول الشخص إلى مصاص للدماء لمئات السنين، ولم يتم تشخيصها سوى قبل خمسين إلى خمسة وسبعين عاماً الماضية، وقبل ذلك الوقت، كانت هذه الأمراض تؤدي إلى اضطهاد كثير من الأشخاص وحتى إلى موتهم، ولم يتم وضع حد لهذا الأمر سوى بعد تطور العلوم الطبية الحديثة، مما أنهى الذعر من قصة “مصاصي الدماء”، وقُدّم العلاج للأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات بدلاً من إدانتهم، وهذا يجعلنا نأمل بأن يستطيع تطور العلوم الطبية في المستقبل أن يضع حداً لمزيد من الأمراض المشابهة لهذه الحالة.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير