أخبار العلوم

الحروب والفساد .. لهذه الأسباب يشهد الوضع الصحي في العراق تدهورا كبيرا

يعاني العراق ومنذ عقود من تراجع القطاع الصحي في البلاد، إذ ومنذ عام 1991 وفرض الحصار الدولي، شهد العراق تراجعا متسارعا في النظم الصحية، وعلى الرغم من أن عام 2003 شهد انفتاح البلاد على العالم ورفع الحصار الدولي وازدياد مبيعات النفط حتى وصلت إلى 3.8 مليون برميل يوميا في 2020، إلا أن الوضع الصحي في البلاد لا يزال يشهد مزيدا من التراجع.

شهد العراق في 25 يسان/ أبريل الماضي أحد أكبر الكوارث الصحية، إذ تسبب حريق في مستشفى ابن الخطيب الحكومي (جنوب شرق بغداد) بمقتل أكثر من 82 مريضا وأكثر من 110 مصابين نتيجة انفجار قناني الأوكسجين الطبي المخصصة لمرضى فيروس كورونا الراقدين في المستشفى، في إشارة للتدهور الذي وصل إليه الوضع الصحي في البلاد.

إحصائيات وأرقام الوضع الصحي في العراق

تكشف دراسة حديثة أعدها مركز الروابط للدراسات للبحوث والدراسات الاستراتيجية أن العراق ورغم الإمكانيات والموارد الهائلة التي يحظى بها، إلا أنه يواجه أزمة صحية مستمرة تمتد لـ 4 عقود، حيث أن أكثر من 90% من المستشفيات الحالية في البلاد كانت قد أنشأت في عهد الحكومات العراقية التي سبقت الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003.

ويضيف المركز أن العراق يعد من أكبر دول العالم بخلا في رفد موازنة وزارة الصحة الاتحادية بالأموال، ففي عام 2019 خصصت الحكومة الاتحادية 2.5% فقط من موازنة الدولة البالغة 105 مليارات دولار لوزارة الصحة، في الوقت الذي تعد هذه النسبة ضئيلة جدا مقارنة مع بقية دول منطقة الشرق الأوسط التي لا تمتلك موارد العراق.

كما تظهر بيانات منظمة الصحة العالمية WHO أن الحكومة الاتحادية أنفقت خلال السنوات الـ 10 الأخيرة أقل من معدل ما تنفقه دول الجوار العراقي والتي تعد أفقر بكثير من العراق ولا تقارن موازناتها مع موازنة العراق.

أما الجهاز المركزي للإحصاء (مؤسسة حكومية عراقية) فقد كشف في آخر بياناته المنشورة على موقعه الالكتروني عام 2014 أن عدد المستشفيات في العراق يبلغ 178 مستشفى باستثناء إقليم كرستان الذي يضم 79 مستشفى، ما يعني أن لكل 100 ألف نسمة في العراق 0.7 مستشفى، وهذه الإحصائية تشمل الفترة التي سبقت العمليات العسكرية لتحرير الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم الدولة (داعش).

يقول المحلل الاقتصادي العراقي “محمد وهاب” في حديثه لمجلة نقطة العلمية إنه ووفق موازنة عام 2020 فإن نصيب الفرد العراقي من قطاع الصحة لا يتجاوز 155 دولارا سنويا، في الوقت الذي يحظى فيه المواطن الأردني بـ 300 دولار من نصيب الموازنة العامة للمملكة الأردنية الهاشمية، فضلا عن أن لبنان – قبل أزمته المالية – كان نصيب الفرد فيه يقدر بـ 620 دولار في السنة.

ويستنتج وهاب في حديثه أن العراق لا يزال يعاني من وضع صحي غاية في التدهور، بسبب كم الفساد المالي والإداري في وزارة الصحة العراقية وعموم المؤسسات الحكومية، ما ينذر بأزمة صحية كبيرة، خاصة أن العراق تجاوز عتبة 40 مليون نسمة وفق آخر ما كشف عنه الجهاز المركزي للإحصاء نهاية عام 2020، بحسبه.

من جهته، كشف عضو لجنة الصحة في البرلمان العراقي “جواد الموسوي” هدر أكثر من 50 % من الأموال التي خصصت لبناء المستشفيات في البلاد، لافتا إلى أن الواقع الصحي ومنذ نحو 10 سنوات يتجه من سيئ إلى أسوأ، وأن الوضع الصحي كان أفضل بكثير قبل 3 عقود من الان، بحسب تعبيره.

أما عن التصنيف العالمي لجودة الرعاية الصحية، فيبدو أن العراق يحتل ذيل التصنيف العالمي، ففي تقرير نشرته مجلة (سيوورد) واعده موقع ( نومبيو ) المختص في الأبحاث وتصنيف الدول بحسب كلفة وظروف العيش فيها، يكشف المؤشر أن تايوان حلت بالمركز الأول عالميا عام 2020 ، فيما حلَّ العراق في المركز ما قبل الأخير في الترتيب 87 عالميا من مجموع 88 دولة شملها المؤشر.

إحصائيات خطيرة تلك التي يكشف عنها الوضع الصحي في العراق، إذ ان العراق ورغم تخريجه لأعداد كبيرة من الأطباء وذوي المهن الطبية سنويا، إلا أن أعداد الأطباء في العراق لكل ألف مواطن لا تتجاوز 0.8  طبيب، في حين أن عدد الأسرة بالمستشفيات تبلغ 1.1 سرير لكل ألف مواطن عراقي.

أما عن أعداد الممرضين في المستشفيات، فقد كشفت آخر الإحصائيات في عام 2018 أن العراق يمتلك 2.1 ممرض وقابلة لكل ألف نسمة، مقارنة مع 3.2 في الأردن و3.7 في لبنان.

أسباب متعددة لـ الوضع الصحي في العراق

ليس الفساد المالي وحده من أوصل العراق لهذا التدهور في المجال الصحي، إذ أن وزارة الصحة العراقية ورغم جهودها الكبيرة في مواجهة فيروس كورونا، إلا أن العنف والحروب وتهديد الأطباء واغتيالهم أدى بأعداد كبيرة منهم للهرب خارج البلاد.

يقول وزير الصحة العراقية السابق “علاء علوان” في حديثه لوكالة رويترز إن الوضع الصحي في البلاد تراجع بشكل كبير جدا خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، وأن أحد أسباب هذا التراجع، عدم إعطاء الحكومات العراقية المتعاقبة أولوية للنظام الصحي.

وكان علوان قد استقال من منصبه عام 2019 بعد عام واحد على توليه، معللا ذلك بالفساد المستشري الذي أكد أنه لا يمكن التغلب عليه، فضلا عن التهديدات التي تعرض لها من معارضين لجهوده الإصلاحية، بحسبه.

كيف كانت مشاركة الأردن والعراق في نجوم العلوم؟

المشاريع النووية العربية: إن لم تستطع إجهاضها، أقتل أصحابها

يذكر أن الوزير العراقي المستقيل يعد من الأطباء البارزين في بريطانيا، فضلا عن أنه كان قد شغل العديد من المناصب المهمة في منظمة الصحة العالمية خلال مسيرته الطبية المممتدة لـ 4 عقود.

تهديد الأطباء من أسباب الوضع الصحي في العراق

تعد مشكلة تهديد الأطباء والاعتداء عليهم أحد ابرز الأسباب التي أدت لهجرة عشرات الآلاف منهم، يكشف نقيب الأطباء العراقيين “جاسم العزاوي” أن عدد الأطباء الاستشاريين العراقيين المهاجرين والمقيمين في العاصمة البريطانية (لندن) يبلغ قرابة 4 آلاف طبيب استشاري، وفي عموم بريطانيا نحو 60 ألف طبيب عراقي.

فيما أكد العزاوي أن أعداد الأطباء العراقيين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا يبلغ نحو 12 ألف طبيب، ما يؤشر لهجرة كبيرة ومستمرة للأطباء من البلاد، بحسبه.

من جهته، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية “سيف البدر” إن السنوات الأخيرة شهدت هجرة نحو  20 ألف طبيب من العراق، مؤكدا عدم وجود إحصائيات دقيقة وأن دول الجوار العراقي والكثير من دول العالم تستقطب الأطباء العراقيين من خلال الهجرة إليها.

وأشار البدر أن الأجور المتدنية والتهديدات المستمرة من أبرز الأسباب التي تؤدي لهجرة الكوادر الطبية، مضيفا أن التهديدات والملاحقات العشائرية التي يتعرض لها الطبيب تعد عاملا ثانيا لرغبة الطبيب العراقي في الهجرة.

يقول أحد الأطباء من مدينة البصرة (جنوب العراق) والذي وصل العام الماضي إلى كندا، إنه استغل فرصة عرض إحدى المقاطعات الكندية لباب الهجرة للأطباء، حيث أنه قدم على فرصة الهجرة واستطاع خلال 6 أشهر اكمال أوراقه وخروجه من العراق رفقة عائلته.

وعن الأسباب التي أدت به للفرار من العراق، يضيف الطبيب – فضل عدم الكشف عن هويته – أنه تعرض للضرب والإهانة ولأكثر من مرة بسبب وفاة مريض خلال عملية جراحية، مبينا أن الأطباء هم الحلقة الأضعف في العراق بسبب الثارات العشائرية التي يقوم بها ذوو المتوفين في المستشفيات.

ويضيف في حديثه لمجلة نقطة العلمية أن لا قانون في البصرة وأن اليد الطولى للمسلحين والعشائر ولا قدرة لوزارة الصحة على حماية كوادرها سواء في البصرة أو المحافظات الأخرى، وهذا ما يدفع بالطبيب للبحث عن الهجرة أو فرصة عمل خارج العراق.

أما في مدينة الموصل شمال العراق التي كانت قد شهدت احتلال تنظيم الدولة (داعش) لها بين عامي 2014- 2017، فيكشف الطبيب “سعد عمر” في حديثه لمجلة نقطة العلمية أن نصف الأطباء من دفعته في جامعة الموصل هربوا من العراق خلال احتلال التظيم للمدينة، لافتا إلى أنه واحد منهم حيث استقر به المطاف في ألمانيا منذ عام 2015.

ويضيف عمر في حديثه لمجلة نقطة العلمية أن زملاءه هاجروا إلى العديد من البلدان الأوروبية والولايات المتحدة وبعضهم استقر في الأردن والإمارات وقطر ودول أخرى، بحسبه.

أسباب متعددة تلك التي أوصلت القطاع الصحي في العراق إلى الوضع الذي يشهده الآن، إذ وبالإضافة إلى الأسباب السابقة، يكاد العراق لا ينتج أي أدوية محليا، فالشركة العامة للصناعات الدوائية التي كان ترفد العراق بكثير من أصناف الأدوية خلال الحصار الدولي (1991-2003) باتت لا تنتج إلا الأدوية البدائية ومن الأجيال التي ألغي استعمالها عالميا.

يضاف لكل ذلك أن الحرب الأخيرة ضد تنظيم الدولة (داعش) أدت لتدمير قرابة 35 مستشفى حكومي عام في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وكركوك، فضلا عن تدمير كلي للشركة العامة للصناعات الدوائية في محافظة نينوى (شمال العراق) والتابعة لوزارة الصحة العراقية.

يتجه الوضع الصحي في العراق لمزيد من التدهور وهو ما تحذر منه منظمات دولية في أن البلاد وما لم تتخذ خطوات جادة، فإن العراق قد يشهد انتكاسة صحية كبيرة في السنوات القادمة.

شارك
نشر المقال:
أحمد الدباغ