الفصل الأول- تقييم نقدي لموضوعات متعلقة بالتوّحد
يعتبر التوحد من الأمراض المشخصة حديثا، منذ سنوات العقد الخامس من القرن الماضي عبر ليو كانر، ولا يزال جدل كبير يلتف حول الكثير من جوانبه، خصوصا فيما يتعلق بالأسباب التي تقف وراءه. الا أن العلم والأبحاث لا تزال جارية على قدم وساق وهي في حقيقة الأمر تتقدم لكن ببطء وفق ما تشير اليه الكاتبة لاورا شرايبمان في كتابها “التوحد بين العلم والخيال”. وقع المجال البحثي في العديد من الأخطاء نظرا لسيطرة مدارس علم نفس معينة في فترة  تزامنت وتلت عمر أول تشخيص للتوحد، بالاضافة الى التسرع الناتج عن لهفة المجتمع البحثي في مساعدة الأهالي الذين كونوا لأنفسهم جمعيات تهدف الى التمويل والضغط لصالح الأطفال.
التوحد هو مرض مركّب تشكله أبعاد مختلفة كالاجتماعية، المعرفية، اللغوية والنمائية. وهو عادة ما يظهر قبل سن الثالثة، كأن تجد الطفل عاجزا عن التواصل مع الآخرين بطريقة طبيعية من خلال العينين ولهذا تجده يفضل الانعزال، ويفتقد الى المشاعر (وليس التعبير عنها- أفيزيا)في تفاعلاته الاجتماعية، ويعاني من المصاداة وهي تكرار الكلام (يكرر السؤال المطروح عليه بدلا من الاجابة عنه)، وغيرها الكثير من التفاصيل التي ستخوض الكاتبة بها في الفصول اللاحقة.

تعاين الكاتبة نقديا الأطراف القائم عليها مجتمع التوحد من باحثين وآباء، وتدعو الى التعاون الايجابي لصالح الأبناء، مؤكدة على أن انعدام الثقة بين الطرفين لن يجني نتيجة، اللهم سوى الاحباط لدى الأهل الذي يمنعهم عن دفع عجلة الباحث للأمام. انعدام الثقة هذا تولد عن أخطاء متكررة ومتسرعة تفتقد الى المنهج العلمي الدقيق ووقوع الباحث في فخ الصخب والاثارة. مثالان بارزان يعتد بهما في مثل هذه الاشكالية هما: 1) سيطرة مدرسة التحليل النفسي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، الأمر الذي يمنع من توجيه انتقاد موضوعي لها، والتي اتهمت الآباء في تورطهم في مشكلة التوحد لدى أبنائهم تحت مسمى “الأم الثلاجة”، مما آذى الأهل كثيرا عدا عن أنه عطل البحث في أساس بيولوجي للمرض أو أي أساس آخر فأهدر الكثير من الوقت. 2)المثال الآخر هو ما يعرف ب “التواصل الميسر”، وهي قضية مشهورة، تم اجتلاب العلاج من استراليا تبعا لنظرية تدعي أن المشكلة لا تكمن في القدرات العقلية لدى المتوحد انما في اعاقة في قدراته الجسدية، فتوأموا مساعد لكل متوحد، ساد الاعتقاد أنه لا يشارك في الاجابة أو التواصل أو أي مهارة لدى المتوحد سوى في تحريك يديه حيث يريد هو، الا أنه اتضح في النهاية وبعد اجراء تجارب جدية أن من يقوم حقيقة في المهام والاجابة والتفاعل هو المساعد نفسه وان لم يكن بادراك منه أحيانا.

رسم يوضح متطلبات البحث العلمي لتجنب الوقوع في الأخطاء

هناك ثلاثة أنواع من الأساليب البحثية المعروفة في علم النفس: 1) تحليل النص بعد اجراء مقابلة ما أو مقابلات، والمشكلة تكمن في أن الشهادات محدودة والتقارير الفردية لا تساعد في الوصول الى استنتاجات مؤكدة، نظرا لانعدام التجانس الكبير في أعراض التوحد وطيفها الواسع. بالاضافة الى ذلك فان الاعلام يسلط الضوء على القصص الناجحة على حساب الفاشلة، وتقارير الآباء عادة ما تكون غير موضوعية ويساء استخدامها. 2) الابحاث الارتباطية تعتبر أكثر دقة من السابقة، لكن الخلل يكمن في أن التلازم في التغير بين أكثر من عنصر يمنع ضبط العلاقة السببية، فلا يعرف أي المتغيرات هو السبب وأيها النتيجة. علاوة على افتراض علاقة قد تكون عرضية بين حدثين مع احتمالية وجود حدث ثالث. لا يتم التغاضي عن هذا الأسلوب البحثي فهو يساعد كثيرا في خلق اتجاه من عدم، ويمنح الباحثون فكرة عن الأسباب المحتملة، التي تستتبع بأبحاث وتجارب أكثر دقة لأجل ضبطها. 3) الدراسات الضابطة والتي يتم من خلالها ضبط كل العوامل المؤثرة والتي تخضع صدقيتها لثلاثة معايير: الأول وجود علاقة سببية باتجاه واحد، الثاني برهنة العلاقة السببية من خلال اعادة التجربة للتأكيد على كونها حقيقة وليست مجرد مصادفة، والثالث هو ضبط العوامل الدخيلة (مثلا هل اللعب هو المسؤول عن الاستثارة أم نوع اللعب).

ايجابيات

سلبيات

رصد تقارير

-معدودية الحالات لا تسوق الى الاستنتاج نظرا لطيف أعراض التوحد الكبير وغير المتجانس
-الاعلام يسلط الضوء على القصص الناجحة ويعرض عن الفاشلة
-تقارير الآباء غير موضوعية

أبحاث ارتباطية

-أكثر دقة من الوسيلة الأولى
-وضع الاصبع على العناصر المتغيرة بصورة متلازمة
-توفير اتجاه وغيمة للأسباب المحتملة كخطوة أولى

-يصعب ضبط السبب والنتيجة من بين المتغيرات
-افتراض علاقة عرضية بين حدثين متلازمين
-احتمال وجود حدث ثالث غير مشخص
-ضبابية، غير مؤكد

أبحاث ضابطة

-الأكثر دقة واعتمادا
– تحكمه معايير واضحة:
-علاقة سببية باتجاه واحد (سبب نتيجة)
-برهنة العلاقة السببية، تكرار التجربة والنتيجة
-ضبط العوامل الدخيلة

-تكمن صعوبة في ضبط الظروف الطبيعية،
-والتجريبية(مختبرية بالمطلق) شبه مستحيلة
-العينة ومساواة الظروف فيما يتعلق بالتوحد أيضا فيه صعوبة

المصدر- شرايبمان، لاورا، التوحد بين العلم والخيال

شارك
نشر المقال:
mtahhan