التصنيفات: أخبار العلوم

التضخم الحرارى وتَأثيره على سلاسل الإمداد

يُنتج العالم على الصعيد العالمى ما يَفيض عن إحتياج 8 مليار نسمة، ومع ذلك لا يزال هناك جوعى في جميع أنحاء العالم. تُشير احصاءات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المُتحدة إلى أن نحو 828 مليون شخص يُعانون من انعدام الأمن الغذائى فى عام 2022، ويُقدر برنامج الأغذية العالمى أن أكثر من 345 مليون شخص فى 79 دولة يواجهون مستويات عالية من الجوع هذا العام.

يَرجع ظهور تعريف الأمن الغذائي إلى مؤتمر القمة العالمى للأمن الغذائي لعام 1996، حيث أشار إلى أن الأمن الغذائى يتحقق عندما يتوفر لجميع الناس فى جميع الأوقات إمكانية الحصول المادى والاجتماعي والاقتصادى على طعامٍ كافِ وآمن ومغذٍ لتلبية احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية.

يُشير هذا التعريف إلى أربع ركائز أساسية للأمن الغذائى وهى: تَوافر الغذاء وسهولة الحصول عليه والإستخدام وإستقرار الإمداد، وعندما يَتعلق الأمر بالأحداث المتطرفة للطقس كالموجات الحرارية فإن الاستقرار هو الذى يُزعج أو يؤثر بالسلب على الركائز الثلاث الأخرى.

شَهد العالم فى العقد الأخير العديد من أحداث الطقس المُتطرف كالموجات الحراية وموجات الجفاف وحرائق الغابات وموجات الأعاصير المدارية المُتتالية الخ، إلا أن الأسوأ لم يأتِ بعد حيثُ أن الدافع لإنقاذ البشرية من قِبل مختلف الدول يتبلور فى الإجتماعات السنوية وكتابة التقارير وطباعتها دون العمل بها.

وأثبتت الدراسات والتقارير العالمية بما لا يَدعو مجالاً للشك أن التغيرات المناخية سَاهمت فى زيادة تواتر وقوة وفترات الحدوث لأحداث الطقس المُتطرف.

شَهدت موجات الحر فى أوروبا يوليو الماضي طقساً حاراً بشكل استثنائى، ففى دول فرنسا واليونان وإسبانيا والبرتغال أشعلت درجات الحرارة التى تَخطت 40 درجة مئوية حرائق غابات أجبرت عشرات الآلاف على النزوح من منازلهم، كما شَهدت أسبانيا والبرتغال فى يوليو من العام الماضى العديد من حرائق الغابات والتى اقتربت من العشرين وما صاحبها من خسائر مادية وبشرية. وحذر مرصد الأرصاد الجوية الصيني من أن درجات الحرارة المُرتفعة قد تُدمر إنتاج الصين من فول الصويا والذرة والقمح، حيث تَستخدم الصين فول الصويا والذرة في المقام الأول لتغذية الخنازير وهي اللحوم الأساسية في البلاد، ومع نقص إلإنتاجية يؤدى ذلك بالتبعية لإرتفاع أسعار لحوم الخنزير بالصين. 

ونتيجة للأمطار الغزيرة والمستمرة فى بعض المقاطاعت الصينية انتقلت دولة الصين إلى المرتبة الأولى فى قائمة مستوردى القمح حيث بلغ قيمة ما تم إستيراده خلال الفترة من ابريل 2022 حتى ابريل 2023 نحو أكثر من خمسة مليارات دولار أمريكى، وبلغت الكمية التى تم استيرادها من جمهورية الصين نحو 12 مليون طن فى عام 2022/ 2023 ولم يسبقها سوى عام 1995/ 1996 حيث استوردت الصين نحو 12.5 مليون طن من القمح طبقا لتقارير وزارة الزراعة الأمريكية.  

مما لا شك فيه أن الأعداء الطبيعية للمحاصيل تتنوع وتختلف، إلا أن الموجات الحارة والجفاف هما أكبر عدو للمحاصيل الزراعية حيثُ يضعا ضغوطاً غير مسبوقة على الإمدادات الغذائية العالمية مما يُؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع فيما يطلق عليه “التضخم الحراري”.

تعريف التضخم الحرارى

موجات الحر الحالية هي الأحدث في سلسلة من اللكمات التي تضرب الفلاحين وتجار التجزئة ومصنعي المواد الغذائية (سلاسل الإمداد) والتى بدأت من وباء كوفيد- 19 ثم الحرب الأوكرانية الروسية. 

مع زيادة تأثير تغير المناخ من المرجح أن تؤدى الضغوط على سلاسل التوريد العالمية إلى زيادة التضخم بشكل أكبر. يرتفع التضخم عندما ترتفع درجات الحرارة ويكون ذلك أقوى في فصل الصيف وفي المناطق الحارة عند خطوط العرض المنخفضة كجنوب الكرة الأرضية.

ومن الممكن تعريف التضخم الحرارى بأنه الإرتفاع الحاد فى تكاليف إنتاج السلع بسبب النقص الناتج جراء الإرتفاع المفرط فى درجات الحرارة. 

فعندما يُدمر الجفاف/ الموجات الحرارية المحاصيل يكون الغذاء المُتاح للناس قليلاً حيث يتجاوز الطلب الكميات المعروضة ومن ثم يكون السعر السائد أعلى من سعر التوازن (تزداد الأسعار) فيتمكن صاحب الأموال من شراء الطعام على حساب الفقير.

تُحدد السلع والأسواق العالمية سعر الحبوب مثل الأرز والذرة والقمح مقدماً، حيثُ تتحدد الأسعار بناءً على توقعات المحاصيل، عند حدوث نقص في الإنتاجية يتجلى هذا الإنخفاض بعد حوالي أربعة إلى ستة أشهر من فترة الحصاد، الأمر الذى يجعلنا لا نشعر بتأثير التضخم الحرارى فور وقوع الموجات الحراية، إلا أننا نشعر بآثاره خلال فترة من حدوث الموجه الحراية. ونظرًا لأن موسم الحصاد قد بدأ بالفعل بالنسبة للعديد من المحاصيل، فلحسن الحظ فإن موجات الحر في يوليو من هذا العام فى أجزاء كثيرة من العالم لم يكن لها تأثير كبير على الإمدادات الغذائية العالمية.

كما وأن التضخم الحرارى له تأثير كبير على تربية الماشية والتى لا تتحمل الموجات الحرارية الأمر الذى يتسبب فى إنخفاض الإنتاجية من الألبان، الأمر الذى يعنى تربية الماشية فى أماكن مغلقة وما يترتب من زيادة التكاليف نتيجة إستخدم المزارعون الطاقة لإبقائها باردة.

ستصبح الموجات لحرارية حدثاً منتظم التكرار في المستقبل، وبفرض هذا السؤال نفسه ( ما هى طرق التكيف المناسبة للنظم الغذائية لتقليل أسعار السلع للمستهلكين؟)

بالاضافة إلى طرق التكيف المعروفة من تغير مواعيد زراعة وأصناف وطرق رى الخ، إلا أنه من الضروري تَعزيز التمويل الخاص للعمل المناخي على وجه السرعة، وضع التسعير الملائم للمخاطر المناخية، وأدوات التمويل المبتكرة، وتوسيع قاعدة المستثمرين، وزيادة مشاركة بنوك التنمية متعددة الأطراف ومؤسسات تمويل التنمية، وتعزيز المعلومات المناخية.

المراجع

صندوق النقد الدولى، تقرير الاستقرار المالي العالمي، 2023.

Emily Greenfield, What Is Heatflation?, Sigma Earth, 2022.

Kathryn Milliken, Addressing Destabilizing Impacts of Extreme Heat on Global Food Security.

شارك
نشر المقال:
د. عاصم عبد المنعم أحمد