التصنيفات: متفرقات

الأطفال يستخدمون التفكير المنطقي قبل عامهم الأول

يبدو بأن الأطفال قادرون على استنتاج حلول للمشاكل في وقت أبكر بكثير من الذي كان يعتقد سابقاً، وحتى في وقت أبكر من سن الـ10 أشهر، حيث بينت دراسة جديدة تم إجراؤها مع الدمى، بأنه يمكن للأطفال معرفة المرتبة الأعلى لمختلف الهرميات الاجتماعية.

تبعاً لـ(ستيلا لورينكو)، وهي أستاذة مشاركة في علم النفس في جامعة إيموري، فقد وجد الباحثون أنه في السنة الأولى من العمر، يمكن للأطفال القيام بهذا النوع من التفكير المنطقي الذي كان يعتقد في السابق بأنهم لا يستطيعون القيام به حتى سن الأربع أو الخمس سنوات.

من أجل إجراء الدراسة الجديدة، صمم الباحثون تجربة غير لفظية باستخدام شخصيات الدمى، ومن ثم قاموا بإنشاء سيناريوهات بين الدمى لاختبار الاستدلال المتعدي لدى الأطفال، أو قدرتهم على استنتاج أي شخصية يجب أن تهيمن على الشخصيات الأخرى، حتى عند عدم رؤية شخصيات الدمى وهي تتفاعل مباشرة مع بعضها البعض، والنتيجة كانت أن الغالبية العظمى من الأطفال في التجربة، والذين كانت أعمارهم تتراوح بين 10-13 شهراً، أظهروا وجود نمط ثابت من القدرة على استنتاج الاستدلال المتعدي.

بحسب (لورينكو)، فإن الجميع يعلم بأن الأطفال يتعلمون بسرعة، فهم مثل الإسفنجة الصغيرة التي يمكنها امتصاص كميات لا تصدق من المعرفة، وهذه النتيجة تخبرنا عن الكيفية التي يتعلم البشر الأشياء من خلالها، فإذا كان بالإمكان القيام بعمليات التفكير الاستنباطي، فإنه بالإمكان إجراء تعميمات دون الحاجة إلى امتلاك خبرة مباشرة من العالم، وهذه القدرة يمكن أن تكون أداة حاسمة في استبيان العلاقات الاجتماعية، وربما حتى التفاعلات المعقدة غير الاجتماعية بطريقة منطقية.

في عام 1960، أظهر عالم النفس التنموي (جان بياجيه) أن الأطفال يمكنهم حل المشاكل الاستدلالية المتعدية في سن السابعة أو الثامنة، فعلى سبيل المثال، إذا كنت تعرف أن (بول) أطول من (مريم)، وأن (مريم) أطول من (جاك)، فيمكنك بعد ذلك بشكل غير مباشر استنتاج أن (بول) يجب أن يكون أطول من (جاك)، حتى وإن لم تر كل من (بول) و(جاك) واقفين إلى جنب بعضهما.

لسنوات، كانت الفلسفة السائدة في علم النفس المعرفي تقول بأن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سبع سنوات هم بالغالب يفتقرون للمنطق ولا يستطيعون القيام بالعمليات الاستدلالية المتعدية، ولكن خلال أواخر عام 1970، وجد الباحثون أنه من خلال الحد من تعقيد المشاكل الاستدلالية المتعدية، كان الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربع سنوات قادرين على حلها.

ولكن (لورينكو)، التي أظهرت أبحاثها بأن الأطفال يمتلكون المنطق العددي، ويمكن فهم العلاقات الحجمية، تعتقد بأن الرضع يستطيعون أيضاً القيام بعمليات الاستدلال المتعدي.

هيمنة الدمى

كانت الدراسة الحالية التي تم نشرها في مجلة (Developmental Science)، تتألف من تجربتين أساسيتين، حيث قامت كل من (لورينكو) وزملائها في التجربة الأولى بعرض شريط فيديو على الأطفال يظهر ثلاثة دمى مرتبة في صف واحد، وعلى الرغم من أن الدمى – التي كانت عبارة عن فيل ودب وفرس النهر- متماثلة من حيث الحجم ولكن كانت مرتبة من اليسار إلى اليمين وفقاً للتسلسل الاجتماعي.

في بداية القصة، كان الفيل يحمل لعبة، ولكن الدب سرعان ما انقض عليه وأخذ منه اللعبة عنوة، وفيما بعد، جاء فرس النهر وأخذ اللعبة من الدب، وكان الهدف من هذه السيناريوهات تبيان بأن الدب كان أكثر هيمنة من الفيل، وأن فرس النهر كان أكثر هيمنة من الدب.

وأخيراً، عرض الباحثون شريط فيديو على الأطفال يظهر سيناريو حيث يأخذ الفيل اللعبة من فرس النهر، وهذا السيناريو لفت أنظار معظم الأطفال في التجربة لمدة أطول من السيناريوهات الأخرى.

تبعاً لـ(لورينكو) فقد كسرت هيمنة الفيل على العلاقة الاستدلالية المتعدية المتوقعة لدى الأطفال، والتي كانت قد تكونت جرّاء أخذ الدب للعبة من الفيل وأخذ فرس النهر للعبة من الدب، لذلك استغرق الأطفال وقتاً أطول في النظر إلى السيناريو الذي كسر سلسلة الاستدلال المتعدي وأولوه اهتماماً أكبر في محاولة منهم لمعرفة السبب الذي جعله مختلفاً عما كان متوقعاً.

في التجربة الثانية، دخلت شخصية رابعة، وهي الزرافة، إلى القصة، ولكن الزرافة لم تتفاعل مع أي شخصية أخرى خلال مرحلة التعريف، أي أنها كانت جديدة ولم تظهر بعد أي سلوك مهيمن معين على باقي الشخصيات، لذلك لم يولِ الرضع أي اهتمام زائد للسيناريوهات التي تظهر فيها الزرافة، سواء أظهرت فيها سلوكيات مهيمنة أم لم تظهر.

إلى جانب ذلك، قام الباحثون أيضاً بإجراء تجربة ضابطة مع الرضع، حيث كان فرس النهر يظهر دائماً بسلوك المهيمن وكان الفيل يظهر دائماً بسلوك المرؤوس.

الاستدلال والتطور

أظهرت البيانات بأن الغالبية العظمى من الأطفال، أو 23 من أصل 32 طفلاً، الذين عُرضت عليهم سلوكيات هيمنة غير متوقعة،  كانوا يقومون بعمليات استدلال متعدية عندما كانوا يحدقون في السيناريو الذي يُظهر السلوك غير المتوقع من الدمى، مقارنة مع سيناريوهات أخرى، لذلك افترض الباحثون بأن الاستدلال المتعدي الخاص بالهيمنة الاجتماعية هو أمر مهم من الناحية التطورية، وبالتالي كان لا بد من تطوير آليات لدعم هذا النوع من التفكير المنطقي في وقت مبكر من الحياة.

أخيراً تشير (لورينكو) إلى أنه بالإضافة إلى استكشاف المسائل العلمية الهامة حول كيفية تطور العقل، يمكن لهذه النتائج أن تساعد في تحديد ما إذا كان الرضع يسيرون على الطريق الصحيح في عملية التعلم، فعلى اعتبار أن غالبية الأطفال أظهروا القدرة على الانخراط في هذا النوع من حل المشاكل المنطقية، فإن هذا النموذج يمكن بالتأكيد أن يصبح أداة هامة لتقييم معيار التطور المعرفي.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير