التصنيفات: غير مصنف

اكتشاف عقدة دماغية لعلاج الأرق والنوم بدون مهدئات

الأرق هو عبارة عن معاناة الشخص من صعوبة أو تقطع أو انخفاض جودة النوم، مما يعود سلباً على صحة المريض النفسية والجسدية، ويمكن أن يعرّف أيضاً بأنه الشكوى من عدم الحصول على نوم مريح خلال الليل وهو ما يؤثر على نشاط المصاب خلال النهار، وتختلف أسبابه وعلاجاته من شخص لآخر حسب حالته وظروفه.

يمكن تقسيم الأسباب التي تقف وراء الإصابة بالأرق إلى ثلاثة أقسام: منها ما هو عضوي كإصابة الجسم بمرض ما، أو معاناته من متلازمة حركة الساقين غير المستقرة، أو النوم غير المريح، والسبب الثاني يعود لعادات الحياة المتبعة كتناول القهوة أو العمل لساعات متأخرة في الليل أو الافراط في شرب المنبهات والتدخين، أما السبب الثالث فهو نفسي وأهم أسبابه الإصابة بالاضطرابات النفسية، وهو أكثر أسباب الأرق شيوعاً، وقد أظهرت الدراسات أن 40% من المصابين بالأرق لديهم اضطرابات نفسية.

عادة ما يستخدم المصابين بالأرق المنومات والمهدئات كي يستطيعوا الحصول على قسط من الراحة، ولكن التناول المفرط للمهدئات قد يؤدي بدوره للإصابة أيضاً بنوع من الإضطرابات في النوم، حيث أنه يسبب الشعور بالنعاس أثناء ساعات النهار، إلى جانب وجود احتمال كبير لحصول الإدمان لدى المرضى، فلا يعودون قادرين على النوم من دون تناولها.

ولكن مجموعة من علماء الأعصاب وجدت حلاً قد يكون مجدياً للغاية في هذا المجال، حيث أنهم استطاعوا تحديد الدائرة المسؤولة عن النوم التي  توجد داخل جذع الدماغ أو الجزء البدائي من الدماغ، والتي على ما يبدو أن نشاطها يعد ضرورياً وكافياً لإنتاج النوم العميق، وهذه هي “عقدة النوم” الثانية التي تم تحديدها في أدمغة الثدييات لخدمة هذه الوظيفة، وللتحقق من وظيفة عقدة النوم، قام الباحثون بتنشيط الخلايا العصبية في هذه المنطقة من الدماغ، مما أدى إلى دخول الحيوانات التي تم اجراء الاختبار عليها في نوم عميق بسرعة شديدة، وبهذا الاكتشاف استطاع الباحثون إيجاد علاج بديل وجديد لمعالجة اضطرابات النوم مثل الأرق دون استخدام المهدئات.

جذع الدماغ هو المنطقة الخلفية من الدماغ التي تتصل بالحبل الشوكي، وفي هذه المنطقة يتم تبادل المعلومات ذهاباً وإياباً بين المخ أو المخيخ والجسم، كما أنه يدعى بالجزء البدائي من الدماغ، لأنه يعد من البنى الدماغية الأولى التي تطورت، كما أنه يعد المسؤول عن الوظائف الحيوية الأساسية في الجسم مثل التنفس وتنظيم ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ودرجة حرارة، ومن هنا فإن الارتباط الوثيق بين مركز النوم والمناطق الأخرى التي تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة للحياة، يسلط الضوء على الأهمية التطورية للنوم في الدماغ.

إن الدخول في حالة النوم ينجم بنسبة 50% عن النشاط العصبي الذي ينشأ في منطقة من جذع الدماغ تدعى بـ ( (PZ، وتحتوي هذه المنطقة على خلايا عصبية رئيسية تقوم بإنتاج ناقلات عصبية تسمى بحمض أمينوبتيريك الغاما (GABA)، تجعل الشخص يدخل في حالة من النوم العميق، ولاختبار النتائج تم وضع فيروس “ذو نوع خاص” في منطقة (PZ)، مهمته تحفيز خلايا (GABA) دون القيام بأي تغيير على وظائف الدماغ الأخرى، وعندما تم تنشيط الخلايا العصبية GABA)) داخل منطقة (PZ)، فإن ذلك أدى لدخول الحيوانات بسرعة في نوم عميق دون الحاجة لاستخدام أي نوع من المهدئات أو المنومات.

إن استخدام هذا الفيروس كأحد الأساليب الجزيئية الجديدة، أعطى العلماء مجالاً أوسع للتحكم بوظائف محددة في الدماغ بدقة على المستوى الخلوي، فقبل تطوير هذه الآلية غالباً ما كان يتم استخدام التحفيز الكهربائي لتنشيط مناطق الدماغ، وقد كانت المشكلة في هذه التقنية أن التحفيز الكهربائي كان يمتد أثره لتحفيز كل شيء تلامسه الأقطاب، حتى أنه أحياناً يتم تحفيز المناطق المحيطة بالأقطاب والتي لا تلامسها.

أخيراً، فمن غير الواضح حتى الآن كيف يمكن لهذه الخلايا العصبية التي تم اكتشافها حديثاً في منطقة (PZ) أن تتفاعل مع غيرها من المناطق الدماغية المسؤولة عن النوم واليقظة، ولازلنا بحاجة للمزيد من البحوث لدراسة هذه العلاقة على نطاق واسع، على أمل الوصول في نهاية المطاف إلى اختراع نوع جديد من الأدوية لعلاج اضطرابات النوم، إلى جانب اختراع مواد تخديرية أفضل وأكثر أماناً، فالعلماء حالياً يقفون عند نقطة تحول حقيقية في علم الأعصاب، حيث أن استخدام الجينات المعدلة وراثياً منحهم قدرة غير مسبوقة للسيطرة على الدماغ، مما سيؤدي إلى الإجابة لاحقاً على عدة أسئلة جوهرية حول وظائف الدماغ، بما في ذلك إيجاد السبب الدقيق الذي يدعونا للنوم، والذي يعد أحد أكبر الأسرار في علوم الأعصاب.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير