اختلال كيميائي في الدماغ هو المسبب الأساسي لمرض الفصام

استطاع فريق دولي من العلماء بقيادة باحثين من جامعة كارديف إيجاد أقوى دليل حتى الآن على المسبب الأساسي للفصام، وهو حالة نفسية تؤثر على حوالي 1% من سكان العالم، حيث يشير العلماء في بحثهم الذي تم نشره في مجلة (Neuron)، إلى وجود أدلة قوية على أن اختلال التوازن الكيميائي الدقيق في الدماغ يرتبط بشكل كبير بالإصابة بهذا الاضطراب.

في أكبر دراسة من نوعها في هذا المجال، وجد الفريق أن هناك طفرات مرتبطة بالمرض تعمل على تعطيل مجموعات محددة من الجينات التي تسهم في إثارة وتثبيط إطلاق الإشارات المنشطة للخلايا العصبية، وهذا التوازن ما بين الإثارة والتثبيط يلعب دوراً حاسماً في نمو الدماغ من الناحية الصحية والوظيفية.

تم بناء هذا الاكتشاف على دراستين مرجعيتين تم إجراؤهما بقيادة أعضاء فريق جامعة كارديف، وتم نشرهما العام الماضي في مجلة (Nature)، وتبعاً للمؤلف الرئيسي الدكتور (أندرو بوكلينجتون) من مركز (MRC) لعلم الأعصاب النفسية والوراثة في جامعة كارديف، فقد بدأ العلماء أخيراً في فهم ما الذي يحدث لدى الأشخاص المصابين بالفصام، حيث أن هذه الدراسة تشكل خطوة هامة نحو فهم الحالة البيولوجية التي تقف خلف الفصام، وهي حالة معقدة بشكل لا يصدق، أبقت العلماء حتى وقت قريب جداً في حالة من الحيرة من كيفية حدوثها.

يضيف (بوكلينجتون)، أن الباحثين يمتلكون الآن ما يأملون بأن يكون قطعة كبيرة جداً من حل هذه الأحجية، وهذه القطعة من شأنها أن تساعد في تطوير نموذج علاجي متماسك لهذا المرض، واستبعاد بعض البدائل المتبعة حالياً.

تبعاً للبروفيسور (هيو بيري)، الذي يترأس مجلس البحوث الطبية لعلم الأعصاب والصحة النفسية، فإن هذا الاكتشاف تم بناؤه على فهم الباحثين للأسباب الوراثية لمرض انفصام الشخصية، ويبيّن كيف يمكن لمزيج من العيوب الوراثية أن تحدث خللاً في التوازن الكيميائي في الدماغ، وفي المستقبل يمكن لهذا الاكتشاف أن يؤدي إلى إيجاد طرق جديدة للتنبؤ بخطر تعرض الفرد للإصابة بمرض انفصام الشخصية، كما يمكن أن يكون الأساس لعلاجات جديدة قائمة على أساس التركيبة الجينية للفرد.

يمكن للدماغ السليم أن يعمل بشكل صحيح بفضل التوازن الدقيق بين الإشارات الكيميائية التي تثير وتثبط نشاط الخلايا العصبية، وقد كان الباحثون الذين كانوا يدرسون الاضطرابات النفسية قد اشتبهوا في وقت سابق أن حدوث اختلال في هذا التوازن يمكن أن يساهم في الإصابة بالفصام، ولكن الدليل الأول الذي يشير إلى أن طفرات الفصام تتداخل مع الإشارات المثيرة لنشاط الخلايا العصبية تم اكتشافه في عام 2011 من قبل الفريق ذاته، وجاءت هذه الدراسة لتؤكد على نتائج الدراسات السابقة، وتوفر أول دليل وراثي قوي على أن تعطل الإشارات المثبطة للخلايا العصبية يساهم في حدوث هذا الاضطراب النفسي.

للوصول إلى هذه الاستنتاجات قام العلماء بمقارنة بيانات وراثية مأخوذة من 11,355 مريض من المرضى المصابين بالفصام مع بيانات مأخوذة من مجموعة ضابطة تتكون من 16,416 شخص لا يعانون من هذه الحالة، وخلال هذه المقارنة كان يتم البحث عن نوع من الطفرات المعروفة باسم متغيرات عدد النسخ (CNV)، وهي طفرات يتم فيها إما حذف أو تكرار جزء كبير من الحمض النووي.

بمقارنة متغيرات عدد النسخ التي تم إيجادها لدى الأشخاص المصابين بانفصام الشخصية مع تلك التي وجدت لدى الأشخاص المشاركين في المجموعة الضابطة، كان الفريق قادراً على إظهار أن الطفرات التي توجد لدى الأفراد المصابين بهذا الاضطراب تعمل على تعطيل الجينات المسؤولة عن جوانب محددة من وظائف الدماغ، ومن المحتمل أن تكون الآثار المرضية الناتجة عن المتغيرات في عدد النسخ مرتبطة أيضاً في حدوث الاضطرابات العصبية التطورية الأخرى مثل الإعاقة الفكرية، أو اضطراب طيف التوحد أو الـ(ADHD).

الجدير بالذكر أخيراً أن أعراض الفصام يمكن أن تكون مدمرة للغاية، ويمكن أن يكون لها تأثير كبير على قدرة الأشخاص على القيام بالمهام اليومية، مثل الذهاب إلى العمل، والحفاظ على العلاقات الاجتماعية، ورعاية أنفسهم أو رعاية الآخرين.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير