التصنيفات: غير مصنف

اختبار جديد للدم قادر على اكتشاف السرطان

عندما يكون لدى الطبيب شك بوجود ورم سرطاني في مكان ما من الجسم، عادة ما يقوم بأخذ خزعة من الورم المحتمل لدى المريض، ولكن الباحثين في المختبرات في جميع أنحاء البلاد بدؤوا مؤخراً باختبار فحص جديد يحتمل أن يكون نقطة تحول في هذا المجال، هذا الاختبار يدعى “بالخزعة السائلة”، وهو في الحقيقية عبارة عن نوع من اختبارات الدم التي ظهرت في الآونة الأخيرة والتي لم تكن لتصبح ممكنة لولا التقنيات الحديثة الحساسة التي ظهرت مؤخراً، ويظهر هذا الاختبار وعوداً مبشرة بإمكانيته على العثور على جزيئات الحمض النووي السرطاني في دم المرضى.

يأمل العلماء بأن يستطيع هذا الاختبار تمكين أطباء الأورام من الحصول على المعلومات التي يريدونها من عينة صغيرة من الدم -وهو أمر أقل إرهاقاً للمرضى من أخذ الخزع التقليدية أو إجراء تصوير طبقي محوري (CT) – لمعرفة ما إذا كان العلاج يعمل بشكل جيد، ورصد إمكانية تطوير السرطان لمقاومة للعلاج، ومن خلال هذا يمكن للطبيب معرفة الوقت الذي يجب عليه التخلي عن العلاجات الفاشلة، وتجنيب المرضى مشقة التعامل مع الآثار الجانبية المرهقة التي لا فائدة منها وتجريب علاجات بديلة قد تكون أكثر فائدة لهم.

تبعاً للدكتور (خوسيه باسيلغا) كبير مسؤولي الأطباء في مركز (Memorial Sloan Kettering) للسرطان، فإن هذا الاختبار قد يغير الطريقة التي يتابع فيها الأطباء الاستجابة العلاجية للمرضى، والطريقة التي يراقبون بها وتطوير المرض للمقاومة الدوائية، وقد يستخدم هذا الفحص أيضاً فيما بعد كوسيلة للتشخيص المبكر.

ينبه الباحثون لضرورة إجراء المزيد من التقييمات حول دقة وموثوقية هذا الاختبار، فحتى الآن، لم يتم إجراء سوى دراسات صغيرة تضمنت أنواع محددة من السرطانات، بما في ذلك سرطان الرئة والقولون وسرطان الدم، ولكن النتائج الأولية كانت مشجعة، ففي الدراسة التي قام بها المعهد الوطني للسرطان والتي تم نشرها هذا الشهر في مجلة (The Lancet Oncology)، قام العلماء بإجراء فحص الخزعة السائلة لـ126 مريضاً مصابين بأكثر أشكال سرطان الغدد اللمفاوية شيوعاً، ووجدوا بأن هذا الاختبار استطاع توقع عودة المرض قبل ظهوره بأكثر من ثلاثة أشهر، كما وقد استطاع اختبار الخزعة السائلة أيضاً التعرف على المرضى الذين كان من غير المرجح أن يستجيبوا للعلاجات التي يتم إعطاؤها لهم.

استطاع هذا الاختبار توفير معلومات لم تكن معروفة للأطباء سابقاً عن السرطانات الخاصة بكل فرد، فمثلاً عند إجراء هذا الاختبار على (ماري سوزان سابيني)، وهي مدرّسة للصف الخامس كانت تعاني من سرطان في الرئة ولم تنجح معها العلاجات الكيميائية أو الإشعاعية، كان أطباؤها قادرين على رؤية الحمض النووي السرطاني في دمها عندما بدأت بأخذ دواء تجريبي كان يعتبر بأنه أملها الأخير في تشرين الأول، وبعد مضي أربعة أيام، بدأت جزيئات الحمض النووي السرطاني تختفي، وهذا يعتبر علامة على أن العلاج كان يعمل، وفعلاً وفي غضون أسابيع، بدأت قدرة السيدة (سابينا) على التنفس تصبح أسهل، وبعد أشهر عندما قامت بإجراء صورة بالأشعة المقطعية، تبين بأن ورمها قد تقلص.

ظهرت فكرة هذا الاختبار من خلال اكتشاف استطاع الباحثون التوصل إليه منذ سنوات حول الأجنة، حيث قام الباحثون في تلك الدراسة السابقة بإلقاء جزيئات صغيرة من حمض نووي في مجرى دم الأمهات المستقبليات، وبعد إجراء الفحوصات تبين أن جميع الخلايا المتنامية، بما في ذلك الأورام، كانت تلقي بشظايا صغيرة من ذلك الحمض النووي، لكن إيجاد هذه الجزيئات الصغيرة جداً من الحمض النووي التي كانت تطفو في بحر من الجزيئات الأخرى لم يكن بالأمر السهل، حيث أن تلك الجزيئات لم تبق سوى لبضعة ساعات في الدورة الدموية لجسم الأم قبل أن يتم استقلابها، ولم تصبح طريقة الكشف هذه مفيدة بالنسبة لباحثي السرطان إلّا بعد أن تم استخدام أساليب متقدمة لفحص تسلسل الحمض النووي للعثور على مئات من الطفرات التي يمكن أن تكون بمثابة رموز للأمراض السرطانية وتطوير التكنولوجيا التي من شأنها إيجاد جزيئات الحمض النووي السرطاني.

إن الطريقة التقليدية لتقييم مدى فعالية العلاج الذي يتم إعطاؤه للمرضى تعتورها بعض العيوب الخطيرة، فالأطباء غالباً ما يراقبون المرضى لحدوث أي أعراض جانبية مثل الألم أو ضيق التنفس، وعلى الرغم من أن بعض الأشخاص لا تظهر عليهم مثل تلك الأعراض، إلّا أنه وبالنسبة لأولئك الذين يعانون منها، فإن تلك الأعراض قد تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تزول، وسيجاهد جسم المريض حتى يشفى تماماً من تأثير الأعراض التي سببتها له هذه الأدوية، وإلى جانب ذلك فغالباً ما يتم أخذ صور بالأشعة المقطعية للمرضى لتحديد ما إذا كانت أورامهم تتقلص، ولكن الورم قد يستغرق أسابيعاً أو حتى أشهراً قبل أن يبدو بأنه أصبح أصغر حجماً على المسح الضوئي، وذلك يعود جزئياً لكون الفحص بالأشعة لا يظهر فقط الورم السرطاني بل يظهر أيضاً الأنسجة الضامة وخلايا الجهاز المناعي والندوب التي تكون متوضعة حولهم، لذلك يمكن للأطباء أن ينخدعوا ويظنوا بأن الورم ما يزال موجوداً في مكانه في الوقت الذي يكون فيه قد تلاشى في الحقيقة.

يشير الدكتور (ديفيد هيمان) وهو طبيب أورام من مركز سلون كيترينج، أنه أثناء معالجة المرضى، كثيراً ما يظهر على صور الأشعة المقطعية بأن هناك آثار لوجود ورم على الرغم من أنه يكون قد تمت معالجة المريض بالسرعة اللازمة، لذلك يقوم الطبيب بأخذ خزعة من المريض ليكتشف فيما بعد بأن كل ما يراه هو عبارة عن ندب، وليس خلايا سرطانية.

تسمح اختبارات الدم أيضاً للأطباء برصد تكرار الأورام وانتشارها وتحورها أو تطويرها لمقاومة للعلاج، في حين كانت الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك سابقاً هي الخزعة، وفي هذا السياق يضيف الدكتور (باسيلغا) بأنه لا يمكن للطبيب أخذ خزعة للكبد بشكل أسبوعي ليرى كيف تسير الأمور، لكنه في المقابل يستطيع بالتأكيد القيام بفحص للدم بشكل أسبوعي.

من ناحية ثانية، ازدادت التساؤلات حول قدرة هذا الفحص على التشخيص المبكر للسرطان، ومثار الجدل هو في حال أظهر فحص الدم وجود حمض نووي سرطاني في دم المريض، فماذا يمكن أن يعني هذا؟ وأين يوجد هذا الورم بالتحديد، وهل يمكن لهذا الفحص أن يساعد على إيجاد الورم والتعامل معه في وقت مبكر؟

لمعرفة فيما إذا كان هذا الفحص يستطيع التنبؤ بالأشخاص الذين يمكن أن يعانوا من أورام سرطانية في المستقبل، قام عالمان استراليان من جامعة جونز هوبكنز، بإجراء دراسة تضمنت 250 مريضاً كانوا يعانون سابقاً من أورام سرطانية، حيث قاموا بإجراء فصح للدم بحثاً عن حمض نووي سرطاني في دم أولئك الاشخاص بعد خضوعهم لجراحة استئصالية، وبعد ظهور النتائج تبين بأن الأورام تكررت لدى 80% من المصابين الذين أشار الفحص إلى وجود حمض نووي سرطاني في دمهم، في حين لم يتكرر الورم سوى لدى 6 إلى 8% من أولئك الذين لم يظهر الفحص وجود حمض نووي سرطاني في دمهم.

حالياً يسعى الباحثون الأستراليون لإجراء دراسة أخرى تضم 450 مريضاً تم اختيارهم بشكل عشوائي ليخضع بعضهم لفحص الدم وبعضهم الآخر لفحص روتيني، وسيتم إعطاء الذين ستشير فحوصاتهم إلى وجود حمض نووي سرطاني في دمهم لعلاج كيميائي، في حين سيحصل أولئك الذين لم يخضعوا لفحص الدم على الرعاية المعتادة تبعاً لما سيشير إليه الطبيب، وهذا سيكون أول اختبار حقيقي لمدى فائدة فحص الدم للكشف عن السرطان من الناحية السريرية.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير