الصحة الجيدة

احذروا !!! ضربة خفيفة على رأس الطفل قد تؤثر عليه مدى الحياة

سواء أكان ذلك سقوطاً في الملعب، أو تعثراً سيئاً يؤدي إلى ضرب الرأس على حافة الطاولة فإن معظم الأطفال يعانون من إصابات في الرأس في مرحلة ما، وإذا ما أدى ذلك لحدوث ارتجاج في الدماغ – الذي تشمل أعراضه فقداناً للوعي، والمرور بفترة من الارتباك أو فقدان في الذاكرة، واضطرابات بصرية مثل “رؤية النجوم “- فمن الواجب مراقبة الأطفال بعناية لمدة 48 ساعة للتأكد من أنه المشكلة لن تتطور إلى أي شيء أكثر خطورة، ولكن إذا مر ذلك الوقت دون وقوع أي  حوادث، فإن معظم الآباء يميلون إلى نسيان الارتجاج والمضي قدماً.

ولكن بدأ العلماء مؤخراً يكتسبون المزيد من المعرفة عن الكيفية التي يمكن فيها حتى للضربات التي تبدو خفيفة على الرأس أن يكون لها آثاراً على المدى الطويل.

في الأسبوع الماضي، قال باحثون في جامعة ستيرلينغ أن الضربات المتكررة التي تصيب الرأس بكرة القدم يمكن أن تؤدي إلى تغييرات قصيرة المدى في الذاكرة ووظائف الدماغ، فعندما يصاب لاعبوا كرة القدم برأسهم بالكرة لـ20 مرة – وهو أمر يحدث خلال أي تدريب روتيني – فإن ذلك يخفض من الذاكرة بنسبة تصل إلى 67% خلال الـ 24 ساعة التي تلي ذلك، لذلك اقترح أحد مؤلفي الدراسة أنه من الواجب تجنب تمارين كرة القدم (أو الإصابة بضربات على الرأس) قبل الامتحان.

بحسب طبيب أمراض الأعصاب الدكتور (ويلي ستيوارت)، فإن الضربة تتطلب 24 ساعة لتتعافى، لذلك فإذا كان لديك عمل هام لتقوم به خلال تلك الفترة، فعندها سيكون من الواجب عليك عدم لعب كرة القدم.

جاء هذا البحث بعد دراسة كان قد تم نشرها في وقت سابق من هذا العام في مجلة (PLOS Medicine)، والتي وجدت بأن الأطفال الذين يعانون من إصابات الدماغ، مثل ارتجاج دماغي نتيجة السقوط أو حادث أثناء اللعب لا تتطلب زيارة المستشفى، يكونون أكثر عرضة للمعاناة من انخفاض في الأداء الأكاديمي في المدرسة و يمكن أن يكونوا أيضاً معرضين لزيادة خطر الموت المبكر، وخلال تلك الدراسة، قام الباحثون من كل من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة والسويد بدراسة أكثر من مليون شخصاً تحت سن الـ25، ووجدوا بأن أولئك الذين عانوا من إصابات في الدماغ كانوا أقل عرضة لاكتساب المؤهلات للالتحاق بالمدرسة الثانوية، وأكثر عرضة للحصول على معاش تقاعدي بسبب العجز عن العمل وأكثر احتمالاً بمقدار الضعف للدخول إلى المستشفى لأسباب نفسية.

بالنظر إلى أنه في إنكلترا وحدها، هناك أكثر من 33,000 طفل تحت سن الـ19 يتم إدخالهم إلى المستشفيات نتيجة إصابتهم بجروح في الرأس، فلا بد وأن هذه النتائج ستكون مثيرة للقلق بالنسبة للآباء والأمهات، ولكن بحسب الأستاذ (سينا فاضل) وهو أحد معدي الدراسة، من بين إصابات الرأس التي قام الباحثون بتحليلها والتي وصل عددها إلى المليون، لم يعاني أكثر من 80% من الحالات من هذه النتائج، لذلك فهذه المشاكل تؤثر فقط على أقلية من الأشخاص.

يشير (أنطونيو بللي)، أستاذ جراحة المخ والأعصاب للصدمات في جامعة برمنغهام، فإن ذلك يعتمد على نوع الضرر الذي لحق بالشخص، والشخص الذي حدث له ذلك، فالوصلات العصبية في الدماغ تختلف من شخص إلى آخر، كل منها تمتلك نقاط ضعف مختلفة، وبشكل عام، فإن التعرض للإصابات الطفيفة، لا يحدث أي مشاكل كبيرة على المدى الطويل، ولكن هناك أقلية من الأشخاص، ولا سيما الأطفال، الذين يمكن أن يطوروا مشاكلاً على المدى الطويل، وغالباً يكونون من الأشخاص الذين يعانون من ضعف مسبق في تلك المنطقة.

يضيف (بللي) بأن المشكلة الأكبر لا تكون بالضرورة عدم قدرة الجسم على إصلاح نفسه بعد الإصابة بضربة على الرأس، ولكن الطريقة التي يتم فيها التعامل مع هذه الحادثة اجتماعياً وعاطفياً، فبعد الإصابة بالارتجاج، يمكن لبعض الأشخاص أن يواجهوا صعوبات قصيرة الأجل، مثل فقدان الذاكرة أو مشاكل مع تعدد المهام ومعالجة المعلومات، ويرجع ذلك إلى تلف الخلايا داخل الدماغ، وهذا يعني أن الإشارات لا يكون بإمكانها الوصول إلى الأعصاب بالسرعة التي ينبغي لها الوصول فيها، وعادة تصبح هذه المشاكل أكثر وضوحاً بعد عدة أيام أو أسابيع ولكن، ولا سيما لدى الأطفال، فإنها يمكن أن تتسبب في حدوث دوامة من المشاكل التي قد تؤدي إلى فشل أكاديمي، ومشاكل في الصحة العقلية وحتى إعاقات.

عندما لا يتم التعامل مع هذه الصعوبات بالشكل الصحيح، يمكن للطفل أن يصاب بفقدان في الثقة، لأنه يمكن أن يتأخر في دروسه، وإذا كان من الأطفال الناجحين في مدرستهم، فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل مثل القلق وفقدان النوم، والتي يمكن أن تؤدي إلى الوقوع في حلقة مفرغة من الآثار النفسية السلبية.

يمكن للإصابة الدماغية الخفيفة، مثل الإصابة بالارتجاج بعد السقوط، أن يتم “عكسها تماماً”، ولن يكون لها أي “آثار طويلة الأمد” – طالما يتم تقديم الدعم اللازم للمصابين، سواء أكان ذلك من خلال ضمان حصولهم على الإجازة المدرسية التي يحتاجونها أو الحصول على استشارة علماء النفس التربويين.

العقبة الرئيسية الأخرى التي يمكن أن تواجه المصابين وتمنع تماثلهم للشفاء، هي التعرض للإصابات المتكررة، وهذا العامل يمكن أن يكون خطراً على وجه الخصوص بالنسبة للأشخاص الذين يمارسون الرياضات التي تتطلب الاحتكاك الجسدي، مثل فنون الدفاع عن النفس أو الركبي، لأن الطفل الذي ضرب رأسه مرة قد يتعرض للإصابة مرة أخرى، وهذا ما دعا الأطباء والأكاديميين للمطالبة بفرض حظر على ممارسة الأطفال للركبي، لأن الإصابات المتكررة التي يتكبدونها – بما فيها تلك التي تصيب الرأس – يمكن أن تسبب عواقباً لمدى الحياة، فإذا ما تعرض الدماغ للضرب مرة واحدة، فإنه يمكن أن يصلح نفسه في كثير من الأحيان، ولكن تعرضه لضربة ثانية يمكن أن تؤدي إلى حدوث تأثير تراكمي حيث يتراكم الالتهاب في أنحاء الخلايا، مما يؤدي لتضخيم الضرر.

في السيناريو الأسوأ، قد لا تتمكن أنسجة المخ من الالتآم، لأن الأضرار التي أصابت الخلايا قد تكون غير قابلة للإصلاح، لذلك يمكن للأعصاب أن تتدهور ويمكن للشخص أن يفقد بعضاً من وظائفه وأنسجته الدماغية، وهذا يمكن أن يتجلى من خلال أعراض مثل التهيج والاكتئاب، وتغيرات الشخصية، وفقدان الذاكرة ومشاكل الإدراك.

يشير الأستاذ (فاضل) بأن الوقاية هي المفتاح، فإذا ما كان طفلك  يعاني من الدوار أو الارتجاج، أو يفقد الوعي، فتأكد من أنه لن يعود مسرعاً للقيام بما كان يفعله.

بالنسبة للبالغين، فإن الآثار الطويلة الأمد الناتجة عن الارتجاج تكون متشابهة إلى حد ما، على الرغم من أن البالغين يكونون أقل عرضة للخطر من الأطفال، الذين يكونون أكثر عرضة للخطر لأن أجسامهم تكون ما تزال في مرحلة التطور، ولكن هذا لا يمنع بأنه من الواجب على البالغين طلب المساعدة الطبية بعد الإصابة بالارتجاج ومراقبة سلوكهم، وأخذ الوقت الذي يحتاجونه للتعافي قبل العودة إلى العمل إذا كانوا يعانون من آثار جانبية نتيجة تعرضهم لضربة على الرأس، ومثل الأطفال، ينبغي أن يتأكد البالغون من أن يتجنبوا التعرض للإصابات المتكررة.

بحسب الخبراء، عندما يتم تجنب الإصابة المتكررة، ويتم التعامل مع آثار ما بعد الارتجاج بالشكل الصحيح، تصبح الوقاية من الآثار الطويلة الأجل لضربات الرأس أمراً مؤكداً، لذلك، فإنهم يحثون الآباء على مراقبة أبنائهم بعد تماثلهم للشفاء من الإصابة الخفيفة في الدماغ، والانتباه للأعراض، مثل مشاكل التوازن وتغيرات السلوك، والإبلاغ عنها إلى الطبيب المختص في حال وجودها، وإذا كان هناك فقدان للوعي أو تقيؤ أو صعوبة في الكلام، فلا بد عندها من طلب المساعدة الطبية.

إذا كان الطفل يعاني من آثار على المدى القصير، يقترح الأستاذ (بللي) التحدث إلى مدرسه، لمناقشة تغيير الجدول الزمني، والواجبات المنزلية الروتينية للتأكد من أن الطفل سيمتلك الوقت الكافي للتعافي.

قد يقلق الآباء أيضاً من عودة أطفالهم لممارسة الرياضة بعد التعرض للارتجاج الدماغي، مثل العودة للعب كرة القدم إذا ما كانت هي التي سببت لهم الارتجاج، ولكن تبعاً للبروفيسور (بللي)، فلا بد من إيجاد التوازن بين مخاطر التعرض للإصابات الدماغية والإصابة بالخمول والمشاكل الاجتماعية، فنحن لا نريد أن يتوقف الأطفال عن ممارسة الرياضة.