القضاء على الجوع

إفريقيا غنية بمواردها…فلماذا الأفارقة فقراء؟

مع وجود أكثر من مليار شخص تقريبا، تعتبر جميع المؤشرات رسميا أفريقيا هي أفقر قارات العالم، ولكن المفارقة هي أن أفريقيا تظل أغنى قارة في العالم من حيث الموارد الطبيعية، فلماذا نقول أن إفريقيا غنية ولكن الأفارقة فقراء؟ ما هي أسباب هذا الفقر؟ وكيف ننهي هذا الفقر؟

ما زالت إفريقيا جنوب الصحراء تعاني من ظروف معيشية متدنية؛ حيث يعاني ثلث تعداد سكانها من الجوع، ويموت نحو سدس عدد أطفالها قبل سن الخامسة، برغم استمرار الزيادة السكانية في الكثير من دولها، وما زال الركود الاقتصادي، وانخفاض مستويات المعيشة سائدًا في أغلب مناطقها، وهو الوضع نفسه الذي كان سائدًا منذ عقد سابق من الزمان، مما يعني إخفاق كل المحاولات التي بذلتها دول القارة، والمؤسسات المالية الدولية لرفع معدلات النمو الاقتصادي، وإنجاح تجارب التنمية، وتحسين مستويات معيشة أبناء القارة.

وخلال 30 عاما، تضاعف عدد الفقراء في إفريقيا مرتين، ومؤشر التنمية البشرية (HDI) لمعظم البلدان الأفريقية أقل من 0.5 و 0.4 لبلدان الساحل بينما يبلغ المتوسط العالم 0.7 أو حتى 0.9 بالنسبة للبلدان الصناعية.

في بلدان مثل مالي والنيجر، يعيش 90٪ من السكان على أقل من جنيه واحد في اليوم.

كل هذه الأرقام تؤكد أن الأفارقة فقراء، فعلى سبيل المثال، هناك 90٪ من النساء و 80٪ من الرجال البالغين في النيجر أميون، في جميع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا يحصل نصف السكان على مياه الشرب، ويعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع المزمن.

أخيرًا، في معظم البلدان الأفريقية، يقل عدد الأطباء لكل 10000 نسمة عن طبيب واحد، وفي بعض مناطق أفريقيا نتحدث عن الفقر المدقع الذي يشكك في جميع سياسات مكافحة الفقر المنفذة التي وضعتها الدول والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي أو الصندوق النقدي الدولي.

ورغم أن الأفارقة فقراء، إلا أن أفريقيا هي بلا شك أغنى قارات العالم من حيث الموارد الطبيعية.

يوجد في إفريقيا كمية كبيرة من الذهب والماس واليورانيوم والفوسفور والنفط والفحم والقطن والكاكاو والغاز والكولتان … على سبيل المثال لا الحصر، كما أن أفريقيا هي المورد الرئيسي للبلدان الأوروبية والآسيوية.

بدون المواد الخام الأفريقية لن تعمل العديد من الشركات الأوروبية أو الآسيوية، فعلى سبيل المثال فإن 80٪ من الكهرباء المنتجة في فرنسا تأتي من استغلال اليورانيوم من النيجر بواسطة مجموعة AREVA الفرنسية، وهناك العديد من الأمثلة من هذا النوع.

إفريقيا غنية لكن الأفارقة فقراء، وهذا الفقر له عدة أصول.

من الضروري التأكيد على حقيقة أن أفريقيا غنية من خلال مواردها الطبيعية ولكن هذه الأخيرة تستغلها شركات أجنبية لا تسهم كثيرا في الاقتصاد الوطني.

تستفيد هذه الشركات من القوى العاملة الوفيرة والأرخص والأعباء الضريبية المنخفضة لتحقيق مبيعات كبيرة على حساب دول إفريقيا، وغالبا ما لا يعالجون منتجاتهم على الفور، وهو منتج سيتم بيعه للأفارقة أغلى بكثير بعد معالجته في الخارج.

الأمر المحزن بالنسبة للأفارقة هو أن الشركات الأجنبية تدفع في بعض الأحيان رسوم التعدين إلى الدولة أو للسلطات المحلية، ولكن هذه الأموال يتم تحويلها من قِبل أقلية، تاركة السكان دون غداء كافٍ، ولا رعاية ولا وظائف مع خطر تلوث البيئة التي يعيش فيها السكان المحليون.

الفقر هو القاعدة في أفريقيا بسبب النزاعات العرقية والدينية، والحروب الأهلية، وعدم الاستقرار السياسي الذي يؤدي إلى انقلابات متكررة، وكل هذه الشرور تدفع الناس إلى الفرار من بلدهم للجوء إلى المخيمات، وغالبا في ظروف صعبة جدا.

يقضي الأفارقة وقتا طويلا في تسوية المنازعات، بينما يشرع آخرون بالفعل في إحياء اقتصادهم.

أخيرا، تحدد كل هذه العوامل أن الفقر في إفريقيا يجب أن يضاف إلى الظروف المناخية غير المواتية للقارة لأن 80٪ من السكان الأفارقة يعيشون من الزراعة، ولهذا السبب نجد انعدام الأمن الغذائي المزمن الذي يقتل الآلاف كل عام، في مناطق معينة من إفريقيا كما في الساحل.

مقالات شبيهة:

لإنهاء هذا الفقر ليس من الضروري أن يكون عالما اقتصاديا أو باحثا كبيراً.

يجب أولاً أن يكون هناك وعي حقيقي لدى جميع الأفارقة، الذين يجب أن يفهموا أن الوقت قد حان لترك الانقسامات الداخلية جانباً، ويجب أن يضعوا حدا لكل هذه الحروب الأهلية والدينية لأنه بدون سلام لا يمكنهم التفكير في التنمية. يجب على الأفارقة بعد ذلك اختيار القادة الذين سيخدمون الشعب ولا يخدمون أنفسهم، وعليهم تطوير مواردهم الطبيعية في شراكة رابحة للجانبين، وتأميم بعض الشركات الأجنبية التي يجب أن تكون بالضرورة في نطاق الدولة، ويجب أن تكون لمصالح الدول الأولوية في المقام الأول.

ثم يجب على الأفارقة أن يسيروا نحو تكامل أعمق بكثير من خلال إعطاء الفرصة للأفكار الإفريقية على سبيل المثال لأنه في السياق الحالي للعولمة، لا يمكن أن تكون الدولة كافية في حد ذاتها.

يجب على الأفارقة إنشاء سوق إفريقية، كما قال الكابتن توماس سانكارا، وبعبارة أخرى فإن مستقبل إفريقيا سيعتمد حتما على الوحدة الإفريقية، التي لا تزال مثالية بالنسبة لأفريقيا.

في نهاية الأفكار الإفريقية التي تهدف إلى الاتحاد السياسي والاقتصادي والثقافي لأفريقيا، يجب على الأفارقة أن يوقفوا كل أشكال التعاون غير المربح مع مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويجب أن يعطو الفرصة لتعاون جديد بين الجنوب الذي يمكن أن يعمل بشكل جيد مع بعض الدول الآسيوية وأمريكا اللاتينية.

فلو كانت المساعدات الدولية تتسبب في نهضة مكان، لكانت أفريقيا هي أكثر قارات العالم تقدما”، هذه عبارة معبرة جدًّا عما تسببه هذه المساعدات من ضرر للقارة، وأنه أكثر بكثير مما تسببه من نفع متوقع.

مهمة هذه المساعدات هي إفساد الطبقة الراقية في المجتمعات الأفريقية، وجعلهم يفكرون بطريقة بعيدة عن مصالح شعوبهم.

المساعدات الدولية بالإضافة للفساد والجريمة هي الجذر الرئيس للاستعمار الغربي في صورته الجديدة، عبر شل النخبة الأفريقية التي تكره التضحية بنفسها أو تحمل المسئولية، رغم أنها المسيطرة على مصير شعوبها بأكملها. فمع المراكز القيادية تأتي المسئوليات التي لا تريد النخبة أن تتحملها تجاه شعوبها لتوفير فرص العمل مثلاً، وتستعيض عن ذلك بالمساعدات الأجنبية.

وقد أصبح الفقراء في القارة الإفريقية ضحايا لظروف وقوى جديدة التهمت ثمار النجاح المتواضع الذي حققته في طريق التنمية، وكان من أهم هذه القوى: الصراعات والنزاعات الداخلية، والإصابة بمرض نقص المناعة البشرية (AIDS)، وظاهرة التهميش التي تعاني منها القارة في ظل النظام العالمي الجديد، وأخيرًا: ظاهرة العولمة وعلاقتها بالنمو واختزال الفقر، ونفصِّل أهم هذه القوى الجديدة كما يلي:

أثقلت ظاهرة الصراعات الداخلية، والصراعات فيما بين الدول الإفريقية تاريخ القارة منذ الاستقلال، وتبدو خطورة الأوضاع المتردية التي تعاني منها إفريقيا في هذا الإطار من متابعة حجم الصراعات الدموية التي عانت منها القارة في الفترة الأخيرة.