الصحة الجيدة

الحبوب المنومة .. رحلة إدمان صعبة وتعاف حذر

ثلاث سنوات كاملة ظلت أميرة حبيسة قرص صغير أزرق تتعاطاه ليلا ليمكنها من الدخول في النوم خلال ساعة أو أكثر، حيث عانت من أرق مستمر كأحد أعراض مرض مناعي مزمن أصابها قبل أعوام “كنت أشعر بخوف شديد كل مساء من عدم القدرة على النوم إلا بعد تناول الحبة المنومة”.

تحكى أميرة “اسم مستعار” عن تجربتها في إدمان الحبوب المنومة قبل محاولتها الأخيرة في أن تخرج من هذه الدائرة التي لا تنتهى كل ليلة إلا بتعاطي قرصا منوما.

وتعرف مايو كلينك،  وهى منظمة غير ربحية ملتزمة بالتعليم والبحوث  العلمية ومقرها  الرئيسي مدينة روتشستر بولاية مينيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية، الأرق بأنه ” اضطراب شائع في النوم يمكن أن يؤدي إلى صعوبة النوم أو صعوبة الاستمرار فيه أو يجعلك تستيقظ مبكرًا مع عدم القدرة على العودة إلى النوم مرة أخرى، وقد لا تزال تشعر بالإرهاق عند الاستيقاظ”

الأسباب

وأسباب الأرق كما تفندها مايو كلينك تختلف باختلاف حال المصاب به فهناك أرقا نتيجة ضغوط نفسية وتغيير عادات النوم أو تغيير النظام الغذائي ، وهناك أرقا يرتبط بحالات طبية أو استخدام أدوية معينة، قد يساعد علاج الحالة الطبية على تحسين النوم، ولكن قد يستمر الأرق بعد تحسن الحالة الطبية، وهذا النوع تحديدا ما عانت منه أميرة.

ويلجأ الأطباء إلى وصف الحبوب المنومة بغرض علاج الأرق، لكن تختلف أنواع الحبوب المنومة تبعا لغرض استخدامها فهناك أنواعا  تساعد على الخلود إلى النوم وهى التى تحتوى على مادة إيستازولام  أو زولبيديم (Ambien, Edluar, Intermezzo, Zolpimist) أو راملتيون (Rozerem)، وأخرى تساعدك على البقاء نائما  كالدوكسيبين (Silenor)، وأخيرة يمكن أن تؤدى إلى الاعتمادية عليها وهى التي يندرج تحتها كافة أشكال المواد المنومة السابقة، وذلك كما صنفتها مايو كلينك.

إدمان

وبحسب دراسة نشرتها “جاما نتورك”، في  مايو 2022،  تحت عنوان ” اعتماد البنزوديازيبين المستمر المعقد عندما ينحرف وصف البنزوديازيبين”، والتي تمت  بقيادة ليندا بينج، أستاذ علم الباطنة وأمراض الشيخوخة وتتحدث الدراسة عن اكتشاف العلماء مادة “البنزوديازيبينات” Benzodiazepine والتي تم تسويقها على أنها علاج مشاكل بالجهاز العصبي ومنها الأرق، وعلى الرغم من وصفها بأنها علاجات آمنة للقلق والأرق ، فقد أصبحت مشاكل البنزوديازيبينات أكثر وضوحًا بحلول الثمانينيات ، وخاصة مخاطر الاعتماد الفسيولوجي وسوء الاستخدام والإدمان.

وبحسب الدراسة فإنه على الرغم من أن حماس الأطباء تجاه البنزوديازيبينات قد تضاءل، فإن البنزوديازيبينات هي عامل مهم وغير معترف به ومساهم مهم في أزمة الصحة العامة للوفيات بجرعة زائدة من المخدرات.

ما خلصت إليه الدراسة فسرته أميرة من واقع تجربتها “بدأت أشعر بوجود مشكلة “إدمان” بعد تحسن حالتي الصحية إلا إنني ما زلت اعتمد على المنوم، حسيت الحكاية كلها تعود أو  بالأدق إدمان”.

الميلاتونين أمان حذر

ويلعب هرمون الميلاتونين دوراً هاماً في دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية وتعد المستويات الطبيعية للميلاتونين في الدم هي الأعلى في الليل.

وبحسب مايو كلينك فإن مكملات الميلاتونين قد تكون مفيدة في معالجة اضطرابات النوم، مثل تأخر مرحلة النوم، إلى جانب توفير بعض الراحة من الأرق.

وفي حديثها عن الأثار الجانبية لاستخدام مكملات الميلاتونين  تستعرض مايو كلينك كون تلك المكملات أكثر آمناً بشكل عام عند الاستخدام قصير المدى وعلى عكس استخدام الكثير من أدوية النوم، فمع الميلاتونين من غير المرجح أن تصبح معتمداً عليه أو أن تتناقص استجابتك بعد الاستخدام المتكرر (التعوّد) أو أن تصاب بآثار الثمالة.

وظلت مأمونية استخدام الميلاتونين مشكوك فيها حتى جاءت الدراسة التي  نشرتها مجلة نيتشر في 2007، تتحدث عن مأمونية استخدام الميلاتونين في تحسين النوم، إلا أن لم يتلق الميلاتونين موافقة تنظيمية من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية كدواء ، لأنه يمكن بيعه كمكمل غذائي، و يبدو أن سلامته كافية للتطبيق على المدى القصير مثله مثل راملتيون (Rozerem) الذى يستخدم أيضا لعلاج الأرق، وآثاره على المدى الطويل لا تزال بحاجة إلى تدقيق.

نوبات قلبية وسرطان

ورغم ما أثبتته الدراسات السابقة أعلاه بأن خطر تناول الحبوب المنومة يشكل نوعا من أنواع الإدمان المحتمل إلا أن مخاطر تناول تلك الأقراص لم يتوقف عند ذلك بل امتد حسب دراسة نشرتها الجامعة الطبية الصينية  والتي أجريت في مستشفى الجامعة بتايوان عام 2014، بوجود علاقة بين تناول الحبوب المنومة خاصة المصنوعة من المادة الفعالة   Zolpidem بأسمائها التجارية المختلفة، وخطر الإصابة باحتشاء عضلة القلب الحاد أو ما يطلق عليه طبيا “النوبة القلبية أو السكتة القلبية”.

وتشير الدراسة التي أجريت بين عامي 2005 و 2010 على حوالي 5048  مريضا يعانون من الأرق، وعدد أخر من المرضي يزيد بمقدار الربع لا يعانون من الأرق، وخلصت الدراسة إلى أن هناك تزايد قد يصل إلي النصف لخطر التعرض للزولبيديم  مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية.

والإصابة بالنوبات القلبية لم تكن هو الخطر الوحيد الذي يواجه من يتناولون حبوب منومة من مادة الزولبيديم، حيث كشفت أيضا الجامعة الطبية الصينية في دراسة لها أجريت  بين عامي 1998 و2000 ونشرتها مجلة السيفير العلمية Elsevier”، حيث قيمت الدراسة العلاقة بين استخدام الزولبيديم ومخاطر الإصابة بالسرطان اللاحقة في المرضى التايوانيين.

وبمقارنة المرضى الذين ليس لديهم تاريخ من استخدام الزولبيديم  وأخرين تعاطوا الزولبيديم، حيث تم قياس معدلات الإصابة لجميع السرطانات بحلول نهاية عام 2009

وخلصت الدراسة إلى خطر الإصابة بأي سرطان أكبر لدى المرضى الذين يستخدمون الزولبيديم أكثر من غير المستخدمين، وكان خطر الإصابة بالسرطان هو الأعلى بالنسبة لسرطان الفم، يليه سرطان الكلى ، ثم سرطان المريء وسرطان الثدي وسرطان الكبد وسرطان الرئة وسرطان المثانة .

تعافي

“شعور الخوف الذى يصاحبني كل ليلة جعلني أقرر في لحظة أن اتوقف عن تناول الحبة المنومة حتى لو اضطررت لأظل مستيقظة طوال الليل”، ومن هنا بدأت رحلة أميرة في رحلة التعافي من إدمان الحبوب المنومة التي استمرت معها أكثر من عاملين، “كنت اصمد يوم أو يومان بلا منوم، لكن كثرة الإرهاق  والصداع المصاحب للأرق يجبرني على تناول المنوم في اليوم الثالث مثلا”.

ورغم ما أقدمت عليه  أميرة من قرار بوقف رحلتها مع التعود على الحبوب المنومة  يبدو جيدا  إلا أن هذا القرار كان من المحتمل أن يكون كارثيا حيث كان لابد أن تخض إلى إشراف طبي، حتى لا تتعرض لمضاعفات جانبية كنتيجة لأعراض انسحاب المنوم من الجسم.

وتقول رانيا قاسم، استشاري الطب النفسي كلية الطب جامعة عين شمس المصرية، “المنومات وأدية الاكتئاب والفصام تستخدم كحلول لمشكلة الأرق، لكن تستخدم بجرعات ومدد زمنية محددة، والتوقف عنها لابد أن يكون تحت إشراف الطبيب المعالج”، موضحة أن الأهم هو علاج أساس مشكلة الأرق حتى تتحسن حالة المريض ويستطيع النوم بشكل طبيعي.

وتضيف أن تلك الأدوية إذا زادت جرعات استخدمها والمدد فيكون ذلك قرار المريض بعيدا عن الإشراف الطبي وفي هذه الحالة يكون المريض أصبح “مدمنا”، ولن يتخذ بنفسه قرار التوقف عن التعاطي حتى لو كان ذلك التوقف بشكل تدريجي.

 

وتوضح استشاري الطب النفسي أن هناك أنواعا من الحبوب المنومة قد لا تسبب تعودا بشكل كبير إذا استخدمت تحت إشراف طبي وهى تستخدم لغرض النوم فقط ويمكن للمريض أن يوقفها  من نفسه، لكن في حالة تعرض المريض لموجات اكتئاب وأرق شديد وتغير كبير في الحالة المزاجية، فلابد أن يخضع المريض للإشراف الطبي، لأن هنا يكون المريض وصل لمرحلة التعود دون حتى أن يدري، وبالتالي فلابد من استكمال رحلة التعافي تحت إشراف طبي لمعالجة الأثار الانسحابية.

 

 

العلاج السلوكي بديلا

وتقدم مايو كلينك  طريقة لعلاج مشكلة الأرق باتباع برتوكول “العلاج المعرفي السلوكي “، ويعتمد العلاج السلوكي التعرف على المعتقدات التي تؤثر على قدرتك على النوم وتغييرها ويمكن أن يساعدك هذا النوع من العلاج في التحكم في الأفكار السلبية والمخاوف التي تبقيك مستيقظًا أو القضاء عليها.

ويساعدك الجزء السلوكي في العلاج السلوكي المعرفي في تطوير عادات نوم جيدة وتجنب السلوكيات التي تمنعك من النوم بصورة جيدة.

وتشمل قائمة العلاج السلوكي المعرفي التحكم في عادات نوم صحية  كالتدخين وتقليل شرب الكافيين والكحوليات، واتباع تدريب للاسترخاء، والتحكم بوجود منبه، فهي طريقة تساعد في التخلص من العوامل التي تهيء عقلك لمقاومة النوم.

 

شارك
نشر المقال:
نهى عاشور