التصنيفات: متفرقات

أنوفنا تشتم رائحة الموت

عندما تموت الحيوانات، تطلق رائحة كريهة ناتجة في جزء منها من البوتريسين، وهو مركب كيميائي ناتج عن انهيار الأحماض الدهنية في الأنسجة المتعفنة في الجثث، ولكن الجديد في الأمر هو أن الدراسات قد أظهرت بأن البشر، تماماً كالحيوانات، يدركون ماهية هذه الرائحة ويستجيبون لها على أنها نوع من التهديد.

تبعاً للدكتور (أرنود ويسمان)، وهو المؤلف المشارك في هذه الدراسة وعالم نفس في جامعة كينت، والدكتور (إيلان شريرا)، وهو كاتب مشارك وأستاذ مساعد زائر في علم النفس في جامعة أركنساس للتكنولوجيا، فإن هذه النتائج هي الأولى التي تظهر بأن هناك مركب كيميائي محدد، بوتريسين، يمكن اعتباره كإشارة تهديد، فحتى الآن، كانت جميع الأدلة تقريباً، تشير إلى أن الإشارات الكيميائية التي تنبؤ بالخطر تأتي من تلك التي تنتقل عن طريق عرق الجسم.

قوة الرائحة

بحسب (ويسمان) و(شريرا)، نحن لا ندرك تماماً السبب الذي يجعلنا نحب (أو لا نحب) رائحة شخص ما، وعادة ما لا نكون واعين للكيفية التي تؤثر فيها الرائحة على عواطفنا وتفضيلاتنا وتصرفاتنا، لذلك من الصعب التفكير برائحة ما على أنها مخيفة.

ولكن مع ذلك، ففي مملكة الحيوان، تعتبر الرائحة أمراً أساسياً للبقاء، وقد أظهرت مختلف الدراسات بأن الـبوتريسين يعمل كنوع من الإشارات الحسية الكيميائية القوية التي تدفع الحيوانات للمغادرة أو تجنب المنطقة، ويوضح الباحثون بأن البشر يستجيبون على نحو مماثل للتهديدات الواضحة، مما يزيد عموماً من يقظتهم ويشحذ ردود الفعل لديهم، ويجعلهم يستعدون لخوض المعركة أو الهرب من المكان، وعلى الرغم من الاعتقاد الشائع بأن “التأهب للمعركة” هو رد الفعل الأكثر شيوعاً للتهديدات، فإن مؤلفي الدراسة أشاروا بأن “الهروب” هو في الواقع الاستجابة الإنسانية المفضلة في معظم الحالات، ولتأكيد وجهة نظرهم، أشار الباحثون إلى دراسة اختار خلالها معظم المشاركين عند مواجهتهم لشخص غريب ومخيف أن ينأوا بأنفسهم، ولكنهم أصبحوا عدوانيين (وذلك يشمل الاعتداء اللفظي والاعتداء الجسدي)، فقط عندما كان خيار الهروب غير متاحاً.

بالنظر إلى مجموعة واسعة من الأبحاث السابقة عن الروائح والسلوك، تساءل كل من (ويسمان) و(شريرا)، هل يمكت للبوتريسين أن يوقظ سلوكيات الاستجابة للتهديد لدى البشر؟

للإجابة عن هذا السؤال، قام الباحثان بإجراء سلسلة من أربع تجارب تعرض خلالها المشاركون بشكل مباشر أو غير مباشر للبوتريسين، وبعد مراقبة سلوك المشاركين، قارن الباحثون هؤلاء الأشخاص مع مشاركين آخرين كانوا قد تعرضوا لروائح أخرى، فعلى سبيل المثال، في التجربة الرابعة، تم تعريض المشاركين لواحدة من ثلاثة روائح، إما البوتريسين، أو الأمونيا، أو الماء (محايد)، بعد ذلك، قام المشاركون بالقراءة عن طالب أجنبي قام بانتقادهم، ومن ثم طلب الباحثان من المشاركين تقييم هذا الطالب.

اكتشف الباحثان بعد تحليل النتائج بأن البوتريسين أدى إلى زيادة العدائية لدى المشاركين، وذلك مقارتنة مع أقارنهم الذين استنشقوا الروائح الأخرى، ولكن الأمر المثير للاهتمام، كان بأن ردود المشاركين في مجموعة الأمونيا وفي المجموعة المحايد كانت متماثلة تقريباً، وبطريقة مماثلة، فقد كشفت التجارب الثلاث الأخرى كيف أن التعرض القصير للبوتريسين يمكن أن يزيد اليقظة، مما يؤدي بدوره للتأهب لاتخاذ رد فعل هجومي تجاه الموقف أو الهروب منه.

بحسب (ويسمان) و(شريرا)، المشاركين كانوا على الأرجح غير مدركين لتأثير البوتريسين على سلوكهم، وذلك لأن الأشخاص لا يعلمون الكثير عن البوتريسين ولا يربطون رائحته بشكل واعٍ مع الإحساس بالموت أو الخوف.

عندما سُئل الباحثان فيما إذا كان من الممكن اعتبار البوتريسين على أنه “عكس” الفيرومونات، أشاروا بأن البوتريسين يطلق نوع مختلف من الرسائل عن تلك التي تطلقها الفيرومونات، ولكن ردود فعل الأشخاص على البوتريسين (التجنب او العدائية) يبدو بأنها في الواقع تعاكس ردود العديد من الفيرومونات الجنسية، ولكن في كلتا الحالتين، فإن كل من البوتريسين والفيرومونات يثيران ردود فعل إنسانية جداً، لدرجة أن أنوفنا قد تتعرف على هذه الروائح في بعض الأحيان أكثر مما نحن نفعل.

 

 

شارك
نشر المقال:
Diana