التصنيفات: الصحة الجيدة

أدمغة النوتيلوس الصغيرة قد تساعد في رسم تاريخ تطور الدماغ

خلافاً لمعظم الرأسقدميات اللينة الأجسام، كالحبار والسبيدج والأخطبوت، يعتبر النوتيلوس من الرأسقدميات التي لا تمتلك أساليباً للتخفي أو لنفث الأحبار، إضافةً إلى أنه من الكائنات الضعيفة البصر نسيباً، وذلك يرجع إلى أنه تكيّف مع المخاطر التي تحيط ببيئته بشكل مختلف، فقد قام هذا الكائن بتطوير قشرة خارجية لتحميه وتساعده على البقاء على قيد الحياة في أعماق المحيطات، على عمق حوالي 700 متر تحت سطح البحر، حيث يتواجد عدد قليل فقط من المفترسات.

بحسب الدكتورة (جنيفر باسيل)، عالمة الأحياء التطورية وأستاذة مشاركة في علم البيئة في كلية بروكلين، أنه في هذه الأعماق حيث تكون الإضاءة ضعيفة، كان على الكائنات مثل النوتيلوس أن تعتمد على الرائحة لتبقى على قيد الحياة، حيث تستخدم هذه الكائنات الرائحة لتتجول في محيطها، كما أنها تستخدمها للعثور على أبناء جنسها، أو لتستطيع إيجاد الطعام، ولهذا فهي تمتلك فصاً شمياً واسعاً جداً يتميز بتنظيمه، حيث أنه يتألف من طبقات، مثل التي توجد في دماغ الأخطبوط، الذي يعتبر من أكثر الكائنات تعقيداً بين جميع اللافقاريات.

يعتبر دماغ النوتيلوس معقداً إلى حد مذهل، حيث يمكن تدريبه، إضافةً إلى امتلاكه لذاكرة جيدة (قصيرة وطويلة الأمد)، حيث يمتلك النوتيلوس حوالي 40 فصاً مخصصاً وواضحاً في دماغه، بعضها مخصص للتعلم والذاكرة، وتعتقد الدكتورة (باسيل) أن هذه الفصوص قد تطورت مع الزمن، لتنافس تطور قدرة الأسماك التي تطورت لديها الرؤية والسرعة ، وبالنظر إلى أدمغة هذه الكائنات وتصرفاتها، فمن المحتمل أن تكون قادرة على تكوين ذاكرة خاصة بالروائح.

هذا الأمر دعا كل من الدكتورة (باسيل) وزميلها الدكتور (روبين كروك) للقيام بسلسلة من التجارب لاختبار ذاكرة النوتيلوس، حيث قاموا بابتكار تجربة شرطية مشابهة للتجربة الشهيرة على الكلب بافلوف، وكان مبدأ التجربة يقوم على ربط اللون الأزرق الناتج عن الإضاءة الحيوية للبكتيريا التي غالباً ما توجد في المواد الغذائية المتحللة، واللون الأزرق الناتج عن الموجات الضوئية في أعماق البحار، مع رائحة الطعام، ومعرفة فيما إذا كان النوتيلوس قادراً على إجراء الربط ما بين اللون الأزرق ورائحة الطعام.

قام العلماء بوضع الحيوان بما يشبه “كرسي سيارة صغير للنوتيلوس”، والذي يقوم بإعطاء ومضات من الضوء ومن ثم اصدار رائحة طعام تلي الضوء بثواني، حيث أنه عندما تم تعريض النوتيلوس للرائحة، بدأت مخالب الحيوان بالخروج، وبدأ بمحاولة تحديد مكان الطعام، وفي هذه المرحلة كان العلماء يقومون بتقديم الطعام له، ولكن في مرحلة متقدمة كان على العلماء معرفة فيما إذا كانت هذه الكائنات قد تعلمت أن ومضات الضوء الأزرق تعني أن الطعام قادم إليها.

قام الباحثون باختبار استجابة النوتيلوس إلى الضوء الأزرق على فترات زمنية تراوحت بين 30 دقيقة و 24 ساعة، بعد ذلك جاءت النتائج مذهلة، فخلال الساعة الأولى، كان انطلاق الضوء الأزرق يؤدي إلى خروج مخالب النوتيلوس ومباشرته بالبحث عن الطعام، ولكن بعد مرور الساعة الأولى، لم يستجب الحيوان للضوء، وبعد مرور حوالي الست ساعات بدأ الحيوان يستجيب من جديد، مما يدل على وجود ذاكرة طويلة الأمد لديه، ومن هذه التجربة استطاع العلماء التأكد من وجود كل من الذاكرة الطويلة والقصيرة الأمد لدى النوتيلوس.

قام العلماء بعد ذلك بإجراء تجربة لمعرفة فيما إذا كان النوتيلوس قادراً على تطوير الوعي المكاني لديه، لذلك قاموا بتدريب عدد من النوتيلوس ليستطيعوا إيجاد حفرة في متاهة تؤدي إلى المياه العميقة، وبعد انتظارهم لعددة أسابيع بعد تطبيق هذا التدريب على الكائنات، قاموا بوضعهم في تلك المتاهة مجدداً، وقد كانت نتيجة التجربة أن النوتيلوس قامت بالسباحة مباشرةً تحو تلك الفتحة في المتاهة.

تجدر الإشارة أخيراً، إلى أن هذه النتائج أتت مماثلة للاختبارات التي تم إجراؤها على الأخطبوط، وتشير (باسيل) أنه على مايبدو أن السلالة بأكملها استطاعت الوصول إلى حلول فريدة لمعالجة الضغوط الكبيرة في البيئة ، وذلك بتطوير أدمغة كبيرة واتباع سلوكيات المعقدة، مع الأخذ بعين الأعتبار بأن هذه الحيوانات تمتلك أحد أقدم الأدمغة في الوجود – أقدم حتى من أدمغة الفقاريات – وهذا بحد ذاته، هو أمر مثير للاهتمام.

المقالة الأصلية

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير