التصنيفات: بيئة ومناخ

أخطار إعادة تدوير الإطارات القديمة لتصنيع أرضيات الملاعب

في عام 1983 قامت مقاطعة رينهارت، في ولاية فيرجينيا، بإشعال النار في مقلب للنفايات للتخلص من حوالي 90% من الإطارات التالفة في أميركا، كون الإبقاء على هذه الإطارات يأخذ الكثير من المساحة، كما أنها معرضة للاشتعال بأي لحظة، إضافةً إلى إمكانية تجمع المياه بداخلها مما يؤدي إلى خلق أرضية خصبة لتكاثر البعوض الناقل للمرض في البيئات التي تتواجد بها، إلّا أنه ونتيجة لإشعال النار بالإطارات في مقلب النفيات، بقيت النيران مشتعلة لمدة تسعة أشهر، مما أدى إلى تصاعد أدخنة سوداء سامة وصل ارتفاعها لآلاف الأقدام، وامتد الدخان ليغطي خمس ولايات أمريكية، كما استغرق الأمر 20 عاماً وما يقارب 12 مليون دولاراً لتنظيف ما تبقى من كومة الإطارات المتبقية من الحريق.

اليوم وبعد آثار كارثة محرقة الإطارات بالإضافة إلى العديد من حرائق الإطارات الصغيرة الأخرى، فقد تم إتباع مبدأ إعادة استخدام أكثر من 90% من الإطارات سنوياً في البلاد – حوالي 230 مليون إطار- حيث يجري حرق هذه الإطارات لاستعمالها كنوع من الوقود، أو يتم استخدامها كإسفلت مطاطي، أو يمكن أن يتم تقطيعها لاستخدامها في بناء أرضيات الملاعب الرياضية الصناعية وملاعب الأطفال.

كان التحوّل الذي تم في طريقة التخلص من الإطارات بالنسبة لقادة الصناعات بمثابة صفقة رابحة على جميع الأوجه، فهي صفقة ناجحة بالنسبة الشركات، كما أنها تخلص الكوكب من مضار حرق الإطارات، إلّا أن المهتمين بالبيئة يشيرون بأن هذا التحوّل أدى لتبديل مجموعة من المؤثرات البيئة الخطرة على الصحة بأخرى أشد منها خطورة، وقد سلّطت هذه الإنتقادات الضوء على تحركات الصناعيين والحكومات الهادفة لتشجيع هذا التحوّل، لتصنيع أرضيات الملاعب باستخدام بقايا الإطارات – ما يسمى بالمطاط المكسّر – وذلك على الرغم من معرفتهم للمخاطر المحتملة لهذا التحول.

في عام 2007، قامت لجنة مكوّنة من مستشارين حكوميين وأكاديميين وصناعيين وممثلين عن وكالة حماية البيئة الامريكية، بنشر خطط عمل تهدف لتشجيع زيادة استخدام المطاط في صناعة أرضيات الملاعب الرياضية وملاعب الأطفال وغيرها من المنتجات، على الرغم من أن التقرير الذي قامت هذه اللجنة بنشره لحظ سمية المطاط، وتقلّبه، كما لحظ أن المطاط يرشح مواداً سامة، فضلاً عن قابليته للاشتعال، ولكن تم التغاضي عن كافة هذه الأمور في سبيل “تعزيز نمو السوق”، ولمواجهة “العوائق” التي تعترض التخلص من الإطارات، على حد قول التقرير.

وتتساءل (نانسي ألدرمان) رئيسة شركة غير ربحية مختصة بالبيئة وصحة الإنسان، وأحد مناصري حملة منع استخدام المطاط في ملاعب الأطفال، كيف يمكن تحويل مادة بمثل هذه الخطورة إلى سلعة يتم بيعها في الأسواق ؟ لا بد من أن العمل الذي يقوم به الأشخاص المسؤولين عن ترويج هذه السلعة القاتلة هو عمل بارع وماكر للغاية، حتى يستطيعوا اقناع العامة بشراء هذه السلعة الخطيرة، حيث تشير الإحصائيات بأنه تم تحضير حوالي 60 مليون إطاراً لإعادة استخدامها في عام 2013.

على الطرف الآخر، تشير (ليندا شوكر سكوت) أستاذة علم البستنة الحضرية في جامعة ولاية واشنطن، وأحد أنصار استخدام الإطارات القديمة في إنتاج الطاقة وصناعة الاسفلت، بأن إعادة تدوير المواد التي يمكن أن تخلّف تلالاً من النفايات هو أمر جيد، ولكن بذات الوقت تشير (سكوت) في بحث ستعمد إلى نشره قريباً، بأن طحن الإطارات القديمة واستخدامها، يمكن أن يؤدي إلى وضع مكونات هذه الإطارات السامة مثل (الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، والمعادن الثقيلة، والكربون الأسود) على اتصال وثيق مع البشر والحيوانات الأليفة والبيئة، كما أن المواد التي ترشح من المطاط نتيجة لتحلله، يمكن أن تكون سامة وخطيرة.

إن ذات هذه المخاوف بدأت تنتشر بين الرياضيين والمدربين وأولياء الأمور، حيث أثارت مدربة لكرة القدم في (سياتل) ضمن أحد ندوات الحوار الوطني، شكوكاً تتعلق بحالات سرطانية نادرة أصيب بها حراس مرمى (حاليين وسابقيين) يلعبون رياضة كرة القدم، علماً أن جميع هؤلاء قد لعبوا على ملاعب مفروشة بالعشب الصناعي المصنع من مواد معاد تدويرها من المطاط المكسَّر.

بدأ الجيل الجديد من العشب الاصطناعي بالظهور في تسعينيات القرن الماضي، وحالياً انتشر استعمال هذا العشب حيث يمكن أن نجد أكثر من 10.000 ملعباً صناعياً في المدارس والحدائق العامة أو حتى في الملاعب المتخصصة، علماً أن كل ملعب من هذه الملاعب يستطيع استهلاك أكثر من 40.000 إطاراً قديماً.

يشير خبراء الصحة العامة بأن استعمال المطاط المكسر في تصنيع العشب الصناعي يمكن أن يكون له مخاطر صحية محتملة، مثل تطوير مرض السرطان، ولكن الخبراء يؤكدون أنه يجب إجراء المزيد من الدراسات، قبل الجزم بصلة العشب الصناعي بالحالات الصحية الخطيرة، وبمعنى آخر، فإن البحوث العلمية حتى الآن لا تعطي إجابة قاطعة وحقيقية عن مخاطر العشب الصناعي.

تقول (سوزان بوكانان)، المديرة المساعدة لمركز (Great Lakes) للطفولة والصحة البيئية، والأستاذة المساعدة في اختصاص الصحة العامة في جامعة إلينوي في شيكاغو، بأننا يجب أن نكون قلقين إزاء تعرّض الأطفال لقطع المطاط السوداء المكسّرة الموجودة في أغلب ملاعب الأطفال، وتعتقد (بوكانان) بأن وكالة حماية البيئة روّجت لاستعمال المطاط في العشب الصناعي بحسن نية، ولكن الملامة التي تلقى على الوكالة هي أنها قامت بالترويج لهذه المنتجات بدون أن يكون لديها بيانات كافية عن سلامة تعرض الأطفال لهذه المواد.

نتيجة للتحذيرات الأخيرة وللأصوات المتعالية حول مضار استعمال المطاط المكسّر في تصنيع العشب الصناعي، ألغت بعض المدارس والبلديات الخطط التي كانت قد اتخذتها لتركيب العشب المطاطي، كما أن بعض المحامين يعملون حالياً على جمع الأسماء والبيانات لرفع دعوى قضائية بهذا الخصوص، وأيضاً يعمل أنصار تحركات المجتمع المدني، على الضغط على الحكومات المحلية لتغيير سياساتها فيما يخص العشب المطاطي، وذلك عن طريق وقف إصدار المنح للمدارس والبلديات لاستخدام فتات المطاط في تصنيع أرضيات الملاعب، كما نشرت محطة أخبار (ليكسينغتون) مؤخراً قصة لاعب كرة القدم محلي سابق، أصيب لمرتين بسرطان الغدد الليمفاوية، على الرغم من أن شقيقته التوأم الغير رياضية،لم تطوّر مرض السرطان أبداً.

من جهتهم، يشير ممثلو هذه الصناعة بأن القصص التي تروى حول تسبب العشب المطاطي بالسرطان على الرغم من أنها مأساوية، إلا أنها غير مؤكدة، كما أن لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية الأمريكية توصي باستخدام العشب الاصطناعي المكوّن من المطاط المكسّر لأرضيات الملاعب لامتصاص الصدمات والحد من شدة إصابة الأطفال عندما يقعون، بالإضافة إلى أن ممثلي الصناعة يشددون على وجود بحوث علمية تثبت السلامة الصحية لاستخدام المطاط المكسّر، ومن بين أبرز الدراسات التي يستشهدون بها هي دراسة نشرتها وكالة حماية البيئة في عام 2009.

تشير متحدثة باسم وكالة حماية البيئة إلى أن الدراسة التي تمت عام 2009 كان نطاقها محدوداً جداً، ولم يكن من ضمن مهامها تحديد المخاطر الصحية المحتملة الناجمة عن استخدام المطاط المكسّر في صناعة العشب الصناعي، فوكالة حماية البيئة تعتقد أن يجب إجراء المزيد من البحوث للتأكد من سلامة هذه المنتجات، وإن استخدام الإطارات المعاد تدويرها في أرضيات الملاعب يبقى قرار الدولة والمجالس المحلية، وأضافت المتحدثة بأن وكالة حماية البيئة لم تعد تدعم مبادرة الحد من انتشار الإطارات القديمة في مدافن النفايات.

أخيراً، فعلى الرغم من أن استخدام المطاط المكسّر لتصنيع أرضيات الملاعب هو أمر يخضع لمخاوف كبيرة، إلا أن بعض الوجهات الأخرى لاستعمال المطاط لا تثير جدلاً كبيراً، مثل استخدام المطاط لإنتاج الطاقة أو استعماله لتصنيع الاسفلت المطاطي، خاصة وأن تعبيد طريق بطول ميل واحد بالاسفلت المطاطي، يستهلك من 800 إلى 2000 إطاراً قديماً، وهذا الاستخدام يفي بالغرض لتقليل عدد الإطارات في مدافن النفايات، زد على ذلك بأن الاسفلت المطاطي هو أفضل من الاسفلت التقليدي كونه لا يتطلب الكثير من الصيانة بعد مده على الطرقات، وبالنهاية يمكن أيضاً للأشخاص أن يساهموا في تقليل عدد الإطارات التي يتم وضعها في مقالب النفايات، عن طريق اختيارهم لإطارات (دواليب) ذات نوعية جيدة قادرة على السير لمسافات أطول، والحفاظ على صيانة الإطارات الدورية ورعايتها واختبار ضغط الهواء بها، منعاً من تشققها أو تلفها، مما يؤدي بالنتيجة إلى تخفيض عدد الإطارات المستهلكة بشكل عام.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير