الذكاء الاصطناعي

5 خرافاتٍ التصقت بالذكاء الصناعي AI

من السيارات ذاتية القيادة، إلى المساعدات الشخصية الرقمية، مروراً ببرامج المحادثة وجدولة البريد الالكتروني، وغيرها.. غزت تقنيات الذكاء الصناعي Artificial intelligence، معظم مفاصل حياتنا، وأنجزت الكثير من مهامنا، كما تبوأت مكانًا بارزًا في سوق العمل، فغدا من النادر أن تعمل إحدى الشركات الكبرى بمعزلٍ عنها.

ورغم هذا الانتشار الواسع، مازال الغموض يكتنف الآلية التي تعمل بها تلك التقنيّات بالنسبة إلى كثيرٍ من الناس، لا سيّما رجال المال والأعمال، الذين مازال العديد منهم يحاول استيعاب مدى قدرات وإمكانيات تلك التقنيّات، كي يحددوا إلى أي حدٍّ يتوجب عليهم استثمار المال والوقت لأجلها، ولهذا حاول عددٌ من الخبراء التقنيين على مدى العقود الماضية، إجراء التجارب والاختبارات التي تهدف إلى توضيح حقيقة على تلك التقنيّات.

أولى تلك التجارب أجراها عالمٌ بريطانيّ يدعى آلان تورينج عام 1950، حيث ابتكر اختبارًا دعاه ب”اختبار تورينج”، وهو يقوم على طرح أسئلةٍ معيّنةٍ على إنسانٍ وآلة، ومقارنة مدى تطابق إجابات الطرفين، وحينها لم تجتز معظم الآلات ذلك الاختبار، فخلص العالم إلى نتيجةٍ مفادها أن الآلة ذات قدراتٍ محدودةٍ ولا تستطيع التفكير كما يفعل الإنسان.

وبالطبع، تطوّرت تقنيّات الذكاء الصناعي على مدى العقود الماضية، ومعها ارتفعت نسبة نجاح ذلك النوع من الاختبارات، لتعود التساؤلات المتضاربة حول مدى قدراتها من جديد، ولكن هذه المرّة مع كثيرٍ من التناقضات والمفاهيم الخاطئة التي التصقت بها، والتي تحوّلت إلى نوعٍ من الأساطير والخرافات المضللة، فما هي أهمّ تلك الخرافات والأوهام التي تدور في فلك الذكاء الصناعي؟ وما هي حقيقتها؟

الخرافة الأولى تقول: تستطيع خوارزميات الذكاء الصناعي الخارقة التعامل مع جميع البيانات، بغضّ النظر عن صحتها وجودتها:

أمّا الواقع فيقول بأنّ أهميّة نوعية البيانات تفوق بكثيرٍ أهميّة الخوارزميّة، إذ لا يمكن لبياناتٍ خاطئةٍ أن تأتي بنتائج صحيحة، وخوارزمية الذكاء الصناعي في الواقع هي عبارةٌ عن برنامج، والبرامج تعمل تبعًا للبيانات، لأن دورها في النهاية يقتصر على تجميع وتحليل تلك البيانات من أجل الوصول إلى النتائج، وكي تصل إلى نتائج صحيحة فعليك إدخال بياناتٍ صحيحة.

كما أنّ قواعد البيانات الفوضويّة والمتشعبة للغاية، أو غير المتناسقة، تصعّب عملية المعالجة على الآلة، وتترك هامشًا أكبر للخطأ في النتائج، لذا يتوجّب العناية بالبيانات وتحسينها إلى أفضل درجةٍ ممكنة، من أجل الحصول على أفضل النتائج.

الخرافة الثانية تقول: أنت بحاجةٍ إلى خبراء تقنيين وميزانياتٍ ضخمةٍ لتتمكن من استخدام الذكاء الصناعي في عملك:

أمّا الواقع فيقول بأن معظم تقنيّات الذكاء الصناعي مصمّمةٌ لتعمل مع المستخدم العادي، في حين يقتصر دور الفنيين والخبراء عادةً على ربط وحدات الذكاء الصناعي معًا، والتكامل مع أنظمة الشركة المستفيدة، وبالتالي، يستطيع العامل العادي مع قليلٍ من التدريب إتقان استخدام تلك التقنيات في العمل.

ومن ناحيةٍ أخرى، فالعديد من أدوات وتقنيّات الذكاء الصناعي أصبحت متوفرةً بتكاليف معقولة، تبدو في متناول معظم الشركات ذات التمويل المحدود، وهي لا تتطلب استثماراتٍ ضخمةٍ للاستفادة منها.

الخرافة الثالثة تقول: إن تقنيات الذكاء الصناعي الإدراكية قادرةٌ على التفكير وحلّ المشكلات تمامًا كالدماغ البشري:

أمّا الواقع فيقول بأن التقنيات “الإدراكية” غير قادرةٍ على حلّ المشكلات التي لم تصمم لحلها، كما أن هناك العديد من المشكلات التي تتطلب تفسيرًا وحكمًا بشريًا، وليس بإمكان مناهج البرمجة القياسية حلها.

وتقتصر المشكلات التي بمقدور تلك التقنيات حلّها، على تلك التي تتضمّن كميةً ضخمةً من المعلومات، حيث تستخدم ميزتها الرئيسية وهي التخزين، ولذلك نجدها فعّالةً جدًا في حلّ مشاكل من نوعية: ترجمة اللغات، والتعرّف على الأشخاص والأشياء، ومقارنة الصور وتمييزها، وتبين الطرقات والخرائط، وفي العموم فإن الذكاء الصناعي جيدٌ فقط في استخراج البيانات التي يتمّ تغذيته بها في الوقت المناسب، في حين أنه قاصرٌ عن رسم سيناريوهاتٍ جديدةٍ أو ابتكار طرقٍ وابتداع وسائل غير مسبوقة.

الخرافة الرابعة تقول: إن استخدام الآلات للشبكات العصبية يعني أن بمقدورها أن تتعلم بنفس الطريقة التي يتعلم بها البشر:

أما الواقع فيقول بأن ذلك النوع من الشبكات العصبية الصناعي قويٌّ فعلًا، ولكنه بعيدٌ جدًا عن محاكاة قدرات الدماغ البشري الذي يحتوي على أكثر من 200 مليار خليةٍ عصبية.

فأسلوب التعلم العميق ” Deep Learning”، الذي يعتمد على ما يسمى بالشبكات العصبية الصناعي، والذي يعتبر أحد أكثر الأساليب إثارةً في تشغيل الذكاء الصناعي، يسمح لرقائق الكمبيوتر بمحاكاة الطريقة التي تتعلم بها الخلايا العصبية البيولوجية، بالتعرف على الأنماط، وبذلك يكون هذا النهج فعالًا في معالجة عددٍ من التحديات، كتحسين ترجمة اللغات، والتعرف على الكلام، وكشف الغش، والتعرف على الصور، والسيارات ذاتية القيادة، في حين أنه يبدو قاصرًا عندما يتعلق الأمر بالاستنتاجات الفكرية والحلول الإبداعية والتفاعلات العاطفية التي تميز العقل البشري.

الخرافة الخامسة تقول: سوف يأخذ الذكاء الصناعي مكان البشر ويؤدي إلى ارتفاع البطالة

أمّا الواقع فيقول بأن الذكاء الصناعي لا يختلف عن التطورات التكنولوجية الأخرى، في كونه يساعد البشر على أن يصبحوا أكثر فعاليةً وكفاءةً دون أن يلغي دورهم.

وفي الحقيقة فإن التكنولوجيا بعمومها بريئةٌ من تهمة سرقة الوظائف، فهي في الواقع قامت بتبديل تلك الوظائف فقط، فاختفت وظائف ساعي البريد وعامل المقسم وضارب الآلة الكاتبة، وحلّت محلّها وظائف إدارة البريد الالكتروني والاتصالات التلقائية ومعالجة النصوص، ممّا زاد من كفاءة العمل وسرعته وسهولته، وقلّل من كلفته، دون المساس بالعنصر البشري، الذي أصبح مطالبًا فقط برفع مستوى كفاءته للتعامل مع تلك التغييرات.

وخلاصة القول أن علينا الإيمان بالذكاء الصناعي كجزءٍ من التطور الحتمي لكيفية استخدام البشر للأدوات والتكنولوجيا، بعيدًا عن الخرافات والأوهام التي التصقت به.