التصنيفات: مدخل بعلم النفس

تاريخ الدراسات النفسية

.النفس بين الجسم و العقل
لطالما اعتبر القدماء الشخصية، الحس، الفكر وغيرها من العناصر البشرية تسكن الصدر والبطن، تخيلوها أبخرة تدخل الجسم من الفم والفتحات الهوائية، أمّا عند الموت تترك الجسد من قمة الرأس.
صنّف الفلاسفة اليونانيون هذه العناصر إلى قوى أساسية : القوة العاقلة أو الناطقة، القوة البدنية أو الشهوانية، والقوة الغضبية. في أول محاولة لوضع مفهوم واضح لهذه القوى قام أرسطو بتأليف كتاب أسماه النفس، قال فيه أن “القلب موطن الروح وعاصمة الجسد”، مسندا له مهام الحس والفكر والحركة وتوليد الطاقة الحرارية،في حين اعتبر الدماغ أداة تحافظ على البرودة الكافية في القلب لضمان نشاط فكري أفضل.
لقيت نظرية أرسطو بانتقاد شديد، حيث كتب عنها الطبيب الإغريقي جالينوس قائلا “يخجلني حتى اليوم أن أستشهد
يأتي بعد ذلك إسهام العلماء المسلمين في موضوع النفس وما ارتبط بها من مفاهيم، حيث اعتُبر الرازي أول الأطباء و الفلاسفة المسلمين الذين تعمقوا في مفهوم النفس، وفق ما جاء في كتابه “الطب الروحاني” كتأييد للتقسيم اليوناني للنفس، غير أنه أضاف إلى ذلك تصنيفا أكثر دقة لمراكز نشوء السلوك الإنساني اعتمادا على الغدد . فقد ربط القوى الغضبية بالقلب، القوى البدنية بالكبد، والقوى الناطقة بالدماغ .
عارض الفيلسوف العراقي عبد الحميد الكرماني هذا التقسيم فقد رأى أن النفس البشرية واحدة بالذات وما أطلق على أقسامها كان حريّا أن يمثل وظائفها .
أما ابن سينا فقد وضع تعريفا شاملا للنفس أورد فيه أنها جوهر قائم بذاته (أي أنها وحدة واحدة) وهي صورة من حيث صلتها بالجسم، ثم يصفها بأصل القوى المدركة، المحركة و المحافظة على مزاج الإنسان، وأنها أصل تصرفات البدن. ممن أخذوا عن ابن سينا وعاصروه العالم الفارسي مسكويه، فقد أثرى هذا الأخير ما توصل إليه أسلافه من العلماء حين ربط بين وظائف النفس وفضائلها، فاعتبر الحكمة فضيلة القوة الناطقة، والعفّة فضيلة القوة البدنية، والشجاعة فضيلة القوة الغضبية، واجتماع كل القوى فضيلته العدالة، والمتأمل هنا يجد أن ما توصل إليه مسكويه لا يختلف عمّا سيسميه لاحقا رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد بال”أنا الأعلى” والذي يمثل القيم و المبادئ و الأخلاق الحميدة(الضمير).
إن ما توصل إليه العلماء المسلمين في موضوع النفس، وعلى الرّغم من كونه لم يخرج عن إطار الطب والفلسفة يعتبر مدرج انطلاق العلماء النفسانيين المعاصرين للتأسيس لعلم نفس مستقل.

شارك
نشر المقال:
حليمة بلعربي