تعلمنا أيام المدرسة –لو كنت تذكر!– أن المغناطيس له قطبين اثنين: قطب شمالي و قطب جنوبي، و أننا مهما كسرنا المغناطيس إلى مغانط صغيرة فإن كل واحد من منها سيتكون من القطبين الشمالي و الجنوبي إذ أن الجزء المكسور سيتحول إلى قطب شمالي في طرف و قطب جنوبي في الطرف الآخر كما هو في الشكل التالي:

السؤال الذي تبادر إلى عقل الفيزيائيين منذ القدم: لماذا لا يوجد في الطبيعة وحيد قطب مغناطيسي (أو يسمى أحادي القطب)؟ أي كأننا نكسر المغناطيس من المنتصف فنحصل على قطب شمالي في قطعة و قطب جنوبي في القطعة الأخرى –كما في الشكل التالي–؟

لماذا لا يوجد شيء كهذا في الطبيعة؟ بل هل يوجد شيء كهذا في الطبيعة؟

حتى اليوم، لم يرصد العلماء –لا في الأرض و لا في الكون المرئي– أي وحيد قطب مغناطيسي بوصفه جزءا من الطبيعة. و لكن، من طبيعة علماء الفيزياء النظرية أن يضعوا نظريات تصف الكون –أو جزء من الكون– بدقة ضمن نطاق محدد، أو أن يضعوا فرضيات تحاول أن تخمن طريقة عمل الكون –أو جزء منه– خارج نطاق النظريات الناجحة، و من ثم يتم اختبار تلك الفرضيات إما عن طريق تصميم “تجربة” و دراسة نتائجها أو عن طريق “رصد” ظاهرة طبيعية. فإن تم إثباتها بالتجربة أو الرصد؛ فاز العالم بجائزة نوبل و أضيف بحثه إلى الكتب المرجعية، و إن تم نفيها فإن العلماء يتعلمون من الخطأ في بناء فرضيات أخرى. و لكن، قد لا نستطيع تصميم تجربة و لا إجراء رصد لإثبات أو نفي الفرضية إما لسبب يتعلق بقصور التقنية المتاحة حاليا أو لندرة الشيء الذي نبحث عنه و نحو ذلك.

قبل ما يزيد عن 80 عاما، افترض عالم الفيزياء النظرية الانجليزي  باول ديراك Paul Dirac –حاصل على جائزة نوبل للفيزياء في العام 1933م– وجود وحيد القطب المغناطيسي في الكون، و وضع الوصف الرياضي له. و من خلال دراسته اكتشف أنه إذا وجد وحيد القطب في الكون فسيكون بإمكاننا تفسير سبب امتلاك الجسيمات الأولية (و غير الأولية) لشحنات إلكترونية لها قيم متقطعة و تحديدا مضاعفات لقمية شحنة الإلكترون –الاستثناءات الموجودة لا تعد خرقا لهذه القاعدة–. و منذ ذلك الحين يحاول العلماء إنتاج أو رصد وحيد قطب مغناطيسي حقيقي و لكن دون جدوى حتى الآن. جدير بالإشارة ما حدث في العام 1982م حيث رصد أحد علماء الفيزياء ما يمكن وصفه بأنه وحيد قطب مغناطيسي، و لكن لأن الأمر حدث مرة واحدة فقط و لم يتكرر بعدها في المعمل نفسه أو في أي معمل آخر؛ فإن النتيجة لم تقبل بوصفها اكتشاف.

قبل يومين، نشرت مجلة نيتشر بحثا عن إنتاج وحيد قطب في مجال مغناطيسي اصطناعي (أي أن ما أنتج هو “محاكاة” لوحيد قطب مغناطيسي حقيقي و ليس وحيد قطب مغناطيسي حقيقي). و التجربة تقوم على استخدام حالة للمادة كان قد اقترحها آينشتاين و عالم الفيزياء الهندي بوز في العام 1924م، و تسمى “تكاثف بوز-آينشتاين” –تم إنتاجها أول مرة في المعامل في العام 1995م و لو كان آينشتاين و بوز على قيد الحياة وقتها لفازا بجائزة نوبل!–.  قام الباحثون بتبريد غاز من أحد العناصر الكيميائية (روبيديوم) إلى درجة حرارة قربية جدا من الصفر المطلق (273.15 درجة مئوية تحت الصفر!) لتتحول ذرات الغاز إلى حالة تكاثف بوز-آينشتاين. و حيث إن كل ذرة تعمل و كأنها مغناطيس له خاصية كوانتمية تسمى اللف المغزلي (سبـِن) spin، فإن الباحثين قاموا بالتحكم في “سبن” الذرات من خلال مجال مغناطيسي خارجي، حتى تكون ما يسمى بالدوامة! و في نهاية تلك الدوامة تكوَّن وحيد قطب شمالي، بمعنى أن الخطوط خارجة من المنتصف و ليست داخلة إلى المنتصف (حيث يسمى جنوبي في تلك الحالة) كما في الشكل التالي:

حيث إن الخط السميك في الأعلى لا يخرج منه أي مجال و يسمى وتر ديراك. و ينبغي التنبه إلى أن وحيد القطب الذي تم إنتاجه ليس مغناطيسيا (بمعنى أن البوصلة لن تغير اتجاهها إذا ما وضعت عنده) و إنما محاكاة لها خصائص وحيد القطب المغناطيسي نفسها (على الأقل رياضيا).

إن هذا الإنجاز -و إن لم يكن أول إنجاز بتعلق بإنتاج وحيد قطب– يعد الأكثر قربا و صدقا في محاكاة وحيد القطب المغناطيسي و هو تقدم كبير في دراسة وحيد القطب و ربما خطوة هامة في طريق اكتشاف وحيد القطب المغناطيسي الحقيقي. و كذلك فإنه إنجاز يفتح مجال واسع في دراسة بعض الظواهر التي يتوقع العلماء وجودها –و يصعب عليهم اكتشافها– عن طريق محاكاتها في تجارب مثل هذه التجربة.

ختاما،  لمن أراد الاستزادة فله أن يسأل عن طريق التعليقات و/أو أن يقرأ المصادر التالية (باللغة الانجليزية):

– Quantum cloud simulates magnetic monopole
– Magnetic monopoles seen in the lab

كتبه لكم مَعين بن جنيد
تجدون المقال الأصلي في مدونته : فوضى

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير