التصنيفات: الصناعة والإبتكار

علم الروبوتيات أكثر العلوم إمتاعاً

ما الذي يفعله المشتغلون بالروبوتيات بالضبط؟ وما هي المشكلات الهندسية أو العلمية التي يعملون على حلها؟ وما فائدة ما يقومون به أصلاً؟

من المستحيل أن أجيب على أي من الأسئلة السابقة في مقال واحد أو حتى عدة كتب. سأحاول هنا فقط أن أعطي “لمحة” عن إجابة السؤال الثاني، وذلك بإعادة تحليل ما يتطلبه الأمر لتنفيذ أحد الأنشطة التي تقوم بها يومياً، ولكن بإستخدام روبوت.

في الحقيقة هناك فائدة أهم لقراءة هذا المقال. ستفهم جيداً لما الله هو المهندس الأعظم على الإطلاق. مقدار التعقيدات التي يتعامل معها جسدك للقيام بأتفه الأنشطة والتي تراها من “البديهيات” هي في الحقيقة فوق الوصف، ستعلم لماذا بعد قليل.

لنفترض أنك تشعر بالعطش، أمامك كوب من الماء، مددت يدك إليه وشربت محتوياته ثم وضعته مكانه مرة أخرى. لمجرد وضع “وصف” للخطوات المطلوبة لحل هذه المشكلة أنا بحاجة لعدة مقالات، كما أن القارئ نفسه بحاجه إلى خلفية علمية متخصصة إلى حد ما، لذا سأكتفي بالتحدث عن المطلوب فعله حتى تمتد ذراع روبوتيه للكوب وترفعه من مكانه دون أن تحركه في أماكن أخرى (بإختصار شديد وبدون إستخدام مصطلحات علمية).

(1)
سأتحدث هنا بإختصار عن كيف يمكن للروبوت القيام بالمهمة السابقة “كما تفعلها أنت”، بالرغم أننا عملياً نستخدم وسائل مختلفة قليلاً عما سأذكره.

في البداية بالطبع عليه أن يمتلك القدرة على الإبصار، ثم القدرة على فهم وتحليل ما يراه (هذا علم كامل يسمى “إبصار الحاسب”). من بين الأشياء التي يجب على الروبوت القيام بها بناءً على المعلومات البصرية هو “التعرف على الأشياء” في بيئته المحيطة، ثم القدرة على استخلاص “معلومات مكانية” مرتبطة بها. مثلاً: أين توجد وما هو موضعها في الفراغ، أحجامها وأشكالها، هل هي ساكنة أم متحركة..الخ، يسمى هذا الأمر “الإدراك المكاني”.

من المعلومات السابقة، من المفترض أن الروبوت لديه الآن تصور “تقريبي” عن وزن وحجم و مكان الشيء الذي يود الذهاب إليه، و أيضاً بطريقة ما يجب أن يمتلك تصوراً عن “نفسه”؛ حتى يتمكن من عقد مقارنة بين ما يستطيعه و بين ما يريد فعله، وبالتالي تحديد إن كان سيتمكن بالفعل من الوصول للكوب من مكانه الحالي أم لا، وإن وصل، هل سيستطيع حمله أم لا (طبعاً نفترض هنا أن الروبوت مثبت في حائط مثلاً، لأنه إن كان بإمكانه التحرك فهذه قصة أخرى !)

لنفترض أنه اكتشف أن بإمكانه فعل ذلك، عليه الآن تحديد “المسار” الذي يجب أن يسلكه للوصول للكوب. هل سيتجه إليه في خط مستقيم؟ سيتجه من أعلى لأسفل؟ العكس؟ هل هناك عوائق في طريقه عليه أن “يناورها” ؟
لنفترض أنه حدد مساراً معيناً (يعني خط وهمي يصل بينه وبين الكوب الذي يود الوصول إليه)، عليه أن يقرر بعدها “كيف” سيسير عليه. هل سيتحرك بسرعة واحدة أم سرعات مختلفة؟ هل سيتحرك بسرعة كبيرة في البداية ثم يتحرك بصورة أبطأ عندما يصل للكوب؟ العكس؟ ومتى بالضبط عليه أن يبطأ من سرعته أو يزيدها؟ وعلى أي أساس؟

بفرض أنه انتهى من النقطة السابقة، يمكننا الآن أن نبدأ في الحركة..

ليس بعد!
أنت لديك سبع حركات دائرية مستقلة عن بعضها البعض في ذراعك (3 في الكتف، 1 في المرفق، 3 في الرسغ. يمكنك أن تنظر إليها على أنها “مفاصل” مثل تلك الموجودة في الباب مثلاً، والتي تسمح له بالحركة الدائرية في إتجاه معين).
موضع وسرعة الكف الذي تمسك به الأشياء يعتمد على قيم زوايا وسرعات تحرك المفاصل السبعة مجتمعة، لذا على الروبوت (والذي صممناه ميكانيكياً بحيث يشابه ذراعك) أن يتمكن من تحديد ما هي القيم المناسبة لكل منها طوال الوقت، بما يضمن سلوك كلي للكف يتمثل في حركته على المسار الذي رسمه في البداية، بالكيفية التي حددها.

نقطة أخرى، نحن لا نمتلك “مواتير” في هذه المفاصل حتى نحركها حركة دائرية، نحن نمتلك عضلات تتحرك بصورة خطية (يعني تنقبض أو تنبسط، لا أتخيل وجود عضلات تدور مثلاً!) طريقة تركيب هذه العضلات على العظام هو ما يولد الحركة الدائرية. لذا على الروبوت أن يكون لديه القدرة على تحديد مقدار الطاقة التي عليه دفعها في عضلاته، بحيث تنقبض أو تنبسط خطياً بقيم محددة، يتولد عنها حركة دائرية متناسقة مع الخطة الكلية لحركة الكف على المسار ! (لا بأس إن لم يكن هذا الجزء واضح بالنسبة لك، ولكن هذا هو مقدار التعقيد الذي يجب التعامل معه ونحن لم نتحرك بعد !).

الآن يمكننا البدأ في التحرك.
أثناء حركة الروبوت، عليه أن يعيد كل هذه الحسابات السابقة طوال الوقت ليضمن تصحيح مساره بإستمرار حتى يصل للكوب. الآن ننتقل لمشكلة أخرى. كي يستطيع الروبوت رفع الكوب من مكانه بدون أن يحركه في أي اتجاه، عليه بطريقة ما أن يتمكن من حساب مقدار القوة التي يجب أن يضغط بها على الكوب بحيث تتولد بين الكف وبين جدار الكوب قوة إحتكاك كافية تسمح له برفعها. إن ولد قوة أقل سيسقط الكوب منه، إن ولد قوة أكبر سيكسر الكوب.

نكتفي بهذا القدر !

(2)في المرة القادمة التي تشعر فيها بالعطش، أنظر إلى يديك جيداً وفكر فيما وصفته لك. تذكر أنه يمثل اقل بكثير من نصف ما تفعله حتى تروي عطشك، فما بالك بأشياء أكثر تعقيداً مثل الكتابة مثلاً؟

تذكر أن الله قد أخفى عنك تفاصيل قد تصاب بالجنون إن كان عليك الإهتمام بها بصورة واعية طوال الوقت. تذكر أن الأطراف التي أعطاك الله إيها تحتاج الكثير جداً حتى تستبدلها بما قد يقوم بجزء ضئيل جداً من وظائفها، و تذكر أنه وهبك إياها مجاناً، ولذا فإنه من المخجل أن تستخدمها فيما قد يغضبه منك.

تذكر أيضاً أن علم الروبوتيات هو من أكثر العلوم إمتاعاً على ظهر الكوكب

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير
الوسوم: Featured