هيدرات الميتان(الجليد الذي يحترق)

مقدمة:

ماذا يحصل إذا جمعت الماء والميتان بدرجات حرارة منخفضة وضغوط عالية ؟

ستحصل على مادة متجمدة تشبه الجليد تسمى هيدرات الميتان .

هيدرات الميتان تبدو مصطلحاً غير مألوفاً للكثيرين وقد تم تقييمها مؤخراً على أنها المصدر المحتمل للطاقة في العالم للعقود والقرون القادمة ، حيث يعتقد العلماء أن هناك كميات كافية من الميتان على شكل هيدرات كافية لتزويد العالم بالطاقة لفترة تتراوح بين 350 و 3500 عام بناءً على معدلات الاستهلاك الحالية للطاقة ، وتشير التقديرات إلى أن كمية الطاقة التي يمكن استخلاصها من تلك الهيدرات تعادل 137,5 تريليون برميل نفط ، لكن يبدو انه من غير الممكن تقنياً واقتصادياً إلى الآن الاستفادة من هذا المخزون الهائل من الطاقة النظيفة.

كيف تشكلت :

يعتقد العلماء أنها تشكلت نتيجة هجرة الميتان عبر الفوالق الجيولوجية إلى المناطق الباردة وتلامسه مع الماء فتتحد ذرات الهيدروجين الموجودة في جزيئات الماء مع نظيراتها في الغاز حيث يتشكل مزيج من الماء والميتان متجمد ذو بنية بلورية كثافتها 0,9 غ/سم3.

تشير الدراسات إلى أن حجم الميتان الموجود على شكل هيدرات اكبر ب /160/ مرة من حجم الهيدرات نفسها أي قد يحتوي لتر واحد من هيدرات الميتان الصلبة على 160 لتر من غاز الميتان عند الشروط النظامية من الضغط والحرارة.

محتوى الهيدرات من الطاقة يقدر ب 184000 وحدة حرارة بريطانية لكل قدم3.

بنية الهيدرات بسيطة وتتشكل في ظروف خاصة من الضغط والحرارة وذلك حيث تحاط كل جزيئه من الميتان بشبكة (قفص) من جزيئات الماء فتبدو شبيهه بالجليد .
وتتواجد عادة في ثلاثة تراكيب رئيسية تشغل فيها الجزيئات الغازية الفراغ الداخلي وتبدو جزيئات الماء محيطة بها :

• التركيب الأول : تشترك في تكوينه جزيئات الميتان والايتان فقط ولا تستطيع الجزيئات الأكبر حجماً منها أن تشارك فيه ، ويحتوي على 64 جزيئة من الماء مع 8 جزيئات غازية وفق الشكل التالي :

• التركيب الثاني : يحتوي على 136 جزيئة من الماء مع 24 جزيئه غازية وفق الشكل التالي:

• التركيب الثالث : يحتوي على 34 جزيئة من الماء مع 6 جزيئات غازية ويشارك في تكوينه نوعين من جزيئات الغاز احدها كبير الحجم والأخر صغير الحجم وفق الشكل التالي .

نظرة تاريخية:

• في عام 1964 اكتشف طاقم حفارة في حقل ميسوياكا الروسي في سيبيريا الغاز الطبيعي في حالة متجمدة أي بعبارة أخرى هيدرات ميتان تكونت بشكل طبيعي.

• وفي العام 1970 تم اكتشاف هيدرات الميتان في رسوبيات المحيطات / الأطلسي ، الهادي والمتجمد الشمالي/.

• في أواخر العام 1980 تم اكتشاف توضعات من هيدرات الميتان على سواحل غواتيمالا وتم اخذ عينات منها.

• وفي العقد الأخير تم اكتشاف توضعات كبيرة من هيدرات الميتان حول الولايات المتحدة الأمريكية في الاسكا وعلى الشاطئ الغربي من كاليفورنيا إلى واشنطن إلى الساحل الشرقي وصولاً إلى خليج المكسيك.

أماكن تواجدها :

تتواجد هيدرات الميتان في طبقات الأرض على أعماق تزيد عن 2000 م والشروط الملائمة لوجودها إما في الأماكن القطبية حيث درجة حرارة السطح صفر مئوي وما دون ، أو في رسوبيات المحيطات حيث عمق المياه اكبر من (300)متر والحرارة حوالي 2 درجة مئوية.

وقد اكتشفت كميات كبيرة منها في قيعان المحيطات وفي القارة القطبية الشمالية / سيبيريا ودلتا نهر ماكتري والسفح الشمالي في الاسكا /.

الاحتياطي المقدر:

تتواجد كميات ضخمة من هذه المادة تحت قيعان المحيطات ، وقد اكتشفت منذ عقود ولكن لم تجرى أبحاث كافية عليها إلا مؤخراً ، و تشير تقديرات العلماء إلى أن كمية الطاقة المخزونة في كميات الهيدرات المكتشفة تقارب حوالي ضعفي احتياطيات العالم من إجمالي أنواع الوقود التقليدي كالنفط والغاز والفحم .

وفي الحقيقة أن حجم خزانات هيدرات الميتان غير معروف بشكل جيد، ولكن تقديرات العلماء بينت أن الاحتياطي العالمي منها يقدر من 2 إلى 10 أضعاف احتياطيات الغاز العالمية الحالية .

و تشير التقديرات الأميركية التي أنجزت عقب انتهاء عمليات المسح الجيولوجي في العام 1997 ان كمية الغاز القابل للاستثمار من توضعات الهيدرات يقدر بحوالي 1400 تريليون قدم ٣.

لماذا تزايد الاهتمام العالمي بهيدرات الميتان ؟

بينت الأبحاث الأمريكية انه لو استطاعت أميركا تقنياً واقتصادياً أن تنتج 1 % من الغاز الموجود على شكل هيدرات الميتان لتمكنت من مضاعفة مصادرها الذاتية من الغاز الطبيعي حيث يشكل الغاز نسبة 23 % من إجمالي الطاقة المستخدمة فيها وحيث أن حرق الغاز الطبيعي يسبب انبعاثات اقل من غاز الكربون فان ذلك سيساعد الولايات المتحدة على تلبية شروط بروتوكول كيوتو ويساعدها على تقليل اعتمادها على النفط المستورد الذي

يشكل 53 % من إجمالي النفط المستهلك فيها ، وتشير الدراسات أيضاً إلى أن أميركا ستضطر للاستيراد بواقع 2,5 مرة أكثر من واقع الاستيراد في عام 2004 وستشكل نسبة الاستيراد 28 % من إجمالي استهلاك الغاز

الطبيعي فيها .

تحديات الاستثمار التجاري لهيدرات الميتان:

هناك مخاطر عديدة في استثمارها حيث تصبح غير ثابتة في حال انخفاض الضغط أو ارتفاع حرار.ا تحت ضغط ثابت، والمخطط التالي يبين علاقة سرعة تحرر الميتان من الهيدرات بتغيرات الحرارة والضغط حيث يظهر أن انخفاض الضغط لا يؤدي بالضرورة إلى تفككها طالما بقيت درجة الحرارة منخفضة والعكس صحيح .

– لا يوجد حتى الآن تكنولوجيا اقتصادية لاستثمار هذا الاكتشاف الهائل ، لكن هناك جهود عالمية لاستثمارها خاصة من الولايات المتحدة حيث تستهلك 21 تريليون قدم3 من الغاز سنوياً ومن المتوقع أن يصل إلى 32 تريليون قدم3 من الغاز سنوياً بحلول 2020 ولذلك وقع الرئيس كلينتون في العام 1999 قانون /بحث وتطوير هيدرات الميتان / وخصص له ميزانية /50/ مليون دولار على خمس سنوات وذلك لتطوير وفهم طبيعة وسلوك هذا المصدر الجديد للطاقة، إضافة إلى اليابان التي تتوقع تطوير تكنولوجيا اقتصادية لاستثمار الهيدرات بحلول 2016 ، وهناك بحوث في اتجاهات متعددة أهمها:

– تطوير تكنولوجيا تسمح بإنتاج تجاري للغاز من توضعات الهيدرات .

– تطوير تقنيات حفر وإنتاج للنفط والغاز الواقع تحت توضعات الهيدرات في بعض المناطق بشكل امن.

– تحديد تأثيرها على الحياة البحرية وعلى قيعان المحيطات.

– تحديد تاثيرها على المناخ العالمي ( لان غاز الميتان من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ).

لكن إلى الآن لم يتم اكتشاف كيفية سحب هذا الغاز من الهيدرات بطريقة اقتصادية وغير مكلفة ،إذ لايوجد طريقة لإخراجها بالشكل الصلب من القاع بشكل آمن كما أن بعض طرق الاستثمار المقترحة مثل ضخ البخار الساخن وتقليل الضغط قد تؤدي إلى انتقال الميتان من الحالة الصلبة إلى الغازية وهذا التحول غير المضبوط له مخاطر كبيرة حيث يعزى لتحرر كميات كبيرة من الميتان في مياه المحيطات سقوط وتحطم بعض الغواصات ، ويعزى للتحرر الكبير للميتان انتهاء عصر الباليوسين ، ولم يتضح بعد إلى أي مدى يمكن استرجاع هذا الغاز المحبوس وتشير التقديرات إلى أن حجم الميتان

الموجود في الهيدرات يعادل 3000 حجمه الموجود في الغلاف الجوي ولاتزال المعلومات غير كافية حول تحديد الأسباب الأكثر تأثيراًعلى استقرارية وثباتية توضعات هيدرات الميتان ، إن ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغيرات المناخ سيؤدي إلى تسخين الأرض في المناطق القطبية وتحرر كميات من الميتان نتيجة تفكك الهيدرات إلى الجو كما يبين الشكل التالي .

وبينت الأبحاث أن عاملي انخفاض الضغط وارتفاع الحرارة ليس لديهما نفس الأثر على تفكك الهيدرات وقد تبين أن التخفيض الفجائي للضغط قد يؤدي إلى تفككها بشكل سريع وغير منضبط ونقلها من الحالة الصلبة إلى الغازية دون المرور بالحالة السائلة ، بينما عندما يتم رفع درجة حرار.ا فإ.ا قد تستغرق مدة حوالي 25 ساعة ، كما يبين المخطط التالي .

الهيدرات كسبب محتمل لأمواج المد البحري (تسونامي):

واجه الحفر البحري في بعض المناطق مخاطر تحرر الميتان من الهيدرات وانفجار البئر بسبب اختراق رأس الحفر لطبقات الهيدرات فيؤدي ذلك إلى تفككها وتحرر الغاز منها حين يتم تقليل الضغط ورفع الحرارة وقد حصلت بعض الهبوطات الكبيرة في الرصيف القاري النروجي تم ربطها بسلوك الهيدرات في عام 1987 حيث أدت إلى انتشار بقايا قاع البحر ورسوبياته بسماكة 450 متر ولمسافة 800 كم ، وتسببت بعض الهبوطات بفعل تحرر الهيدرات بتولد موجات مد بحرية تسونامي رفعت التوضعات الرسوبية والمياه فوق المستوى الأعلى لسطح البحر باربعه أمتار في اسكوتلندة في العام . 1998

الرسم التالي يظهر منحني ثباتية الهيدرات بالعلاقة بين الضغط والحرارة.

خاتمة:

على الرغم من الأمل بوجود مصدر طاقة جديد قد يكفي للقرون القادمة إلا أن هناك بعض التحفظات المتعلقة باستثمار

هيدرات الميتان تتعلق بكون غاز الميتان من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري حيث يتأكسد إلى بخار الماء وغاز

ثاني اوكسيد الكربون الذي يبقى في الجو مدة طويلة جداً ، كما أن فعالية غاز الميتان في تسخين الكوكب هي أعلى بعشر مرات من بخار الماء وغاز ثاني اوكسيد الكربون ، وان على الصناعة المرتبطة باستخدامه الالتزام بمعاهدات حماية مناخ الأرض والبروتوكولات المعتمدة .ذا الخصوص ، إضافة إلى أن استثمارها سيؤثر على استقرارية قيعان المحيطات وقد يؤدي إلى زعزة وتخريب قواعد تثبيت منصات الحفر والإنتاج العاملة في مناطق الحفر وتدميرها وهذا ما قد يعرض الطواقم البشرية والبيئة البحرية للمخاطر ، إلا أن الأمل بتطوير تكنولوجيا آمنة واقتصادية تجعلنا متفائلين بان مصادر الطاقة على كوكبنا ليست على طريق النضوب .

شارك
نشر المقال:
رشيد الخولي