فضاء

هل يمكن أن تكون الطاقة المظلمة نتيجة تفاعل الأجسام في الفضاء؟

ترجع معظم القوى والظواهر في الكون لأسباب يمكن الكشف عنها بسهولة، فإذا كان هناك كائنان ضخمان يواجهان قوة جاذبية معينة، فإن ذلك يكون راجعاً لحقيقة انحناء الزمكان نتيجة وجود المادة والطاقة، كما أن الكون يتوسع منذ بدء وجوده نتيجة تغيّر كثافة الطاقة للكون وظروف التوسع الأولية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن جميع الجزيئات في الكون تتفاعل فيما بينها بسبب القواعد المعروفة لنظرية المجال الكمي وتبادل القوة الموجهة للبوزونات، وهذه القوى تتحكم بأصغر الجسيمات دون الذرية إلى أكبر الموازين في الكون، وتحافظ على ترابط كل شيء من البروتونات إلى الأشخاص والكواكب والمجرات معاً.

حتى بالنسبة لبعض أكثر الظواهر غموضاً، فهناك دائماً تفسيرات أساسية تجعل من الممكن فهمها بشكل جيد، فنحن مثلاً لا نعلم كيف أصبح الكون يحتوي على المادة بشكل أكبر مما يحتويه من المادة المضادة، ولكننا نعلم بأن الظروف التي يجب أن تتواجد لحدوث ذلك موجودة بالفعل، ونحن لا نعرف ما هي طبيعة المادة المظلمة، ولكن خصائصها العامة، من حيث موقعها في الفضاء وكيفية تجمعها معاً، مفهومة جيداً بالنسبة لنا، كما أنه وعلى الرغم من أننا لا نعرف ما إذا كانت الثقوب السوداء تحتفظ بالمعلومات أم لا، ولكننا نفهم الحالة النهائية والأولية لهذه الكائنات، وكذلك كيفية تشكلها وما الذي يحدث لأفق حدثها على مر الزمن.

ولكن هناك شيء واحد لا نفهمه على الإطلاق، وهو الطاقة المظلمة، فعلى الرغم من أنه بإمكاننا قياس تسارع الكون، وتحديد مقداره بالضبط، إلّا أننا لا نعلم لماذا يوجد لدينا كون يحتوي على قيمة غير صفرية من الطاقة المظلمة؟ ولماذا يجب على الفضاء الفارغ، والذي يكون خالياً من كل شيء – لا وجود فيه للمادة أو الانحناءات، أو الاشعاعات، أو أي شيء – أن يحتوي على طاقة إيجابية غير صفرية؟ ولماذا يجب أن يسبب هذا توسع الكون نفسه بمعدل إيجابي لا يصل إلى الصفر أبداً؟ ولماذا يجب أن تكون تلك الكمية من الطاقة صغيرة جداً لدرجة أنه لم يتم ملاحظتها خلال البضع مليارات سنة الأولى من تاريخ الكون، ولم تأتي لتسيطر على الكون سوى في الوقت الذي كانت الأرض تتشكل فيه؟

هناك الكثير من المساحات الفارغة في الفضاء، ونحن نعلم بأن هناك مجالات كمّية منتشرة فيها، حيث لا توجد منطقة في الكون لا يمكن أن تصل إليها قوى الجاذبية والقوى الكهرومغناطيسية والنووية، فهذه القوى موجودة في كل مكان على الإطلاق، وإذا حاولنا حساب ما نسميه بقيمة الفراغ المتوقع (VEV) لمختلف المجالات الكمّية هناك، فلا يمكننا القيام بذلك سوى بطريقة تقريبية، لأن هناك عدد لا حصر له من الطرق التي يمكننا فيها حساب ذلك، لدرجة أننا يمكن أن نصل إلى قيم أسية عالية بشكل مبالغ به، ولكن إذا ما قمنا باقتطاع السلسلة في أي لحظة، عندها سنكون قادرين على الوصول إلى ما يمكن أن تكون عليه هذه القيمة بشكل تقريبي، وسنصاب في النهاية بخيبة أمل كبيرة.

النتائج التي سنحصل عليها ستكون تقريباً أكبر بـ120 قيمة أسية، وستكون القيم إيجابية وسلبية، ولكن بقدر ما يمكننا أن نقول، فإن هذه القيم لا تلغي بعضها تماماً، وحتى وإن كانت تفعل ذلك، فإنة سيبقى لدينا هذه المشكلة الرصدية المزعجة، وهي أن الكون لا ينهار، أو يتباطأ أو تصل الطاقة فيه إلى معدل الصفر، بل هو متسارع، وبطريقة أو بأخرى، هناك دائماً طاقة صغيرة ولكنها ليست صفرية كامنة في الفضاء نفسه.

لعل السؤال النظري الأهم من ذلك كله هو لماذا؟ فنحن لا نمتلك أي تفسير جيد لسبب وجود هذه الطاقة المظلمة، فمؤخراً نظر الباحثون في إمكانية أن تكون هذه الطاقة هي عبارة عن نيوترونات مجمدة، أو أن تكون أحد أعراض وجود شيء خاطئ مع توسع الكون، ولكن هناك احتمال آخر لم يحصل سوى على القليل من الاهتمام ويستحق أن يحصل على المزيد منه، وهو أن وجود الفراغ في الفضاء بحد ذاته هو نتيجة لوجود أشياء أخرى في الكون، والسبب الذي يجعلنا نرجح احمكانية حدوث هذا الأمر هو أننا نعلم بأن هذا التأثير يوجد في الحقيقة، ويدعى “تأثير كازيمير”.

ما هي القوة الكهرومغناطيسية في الفضاء الفارغ؟ بالطبع صفر، لن تكون مخطئاً أبداً بالقول بأنها صفر، ولكن ضع لوحين معدنيين على مسافة محدودة عن بعضهما، ومن ثم إسأل ما هي القوة الكهرومغناطيسية في المجال بينهما، في هذه الحالة سنجد أنها لا تساوي الصفر! وذلك يرجع إلى حقيقة أن بعض تذبذبات الفراغ يتم اعتراضها بسبب وجود الحدود التي تشكلت من خلال اللوحتين، وعندها يمكننا قياس وجود قوى غير صفرية بين هذه اللوحتين، قوى نشأت من اللاشيء سوى المساحة الفارغة نفسها، وكما اتضح، فإن جميع القوى، بما في ذلك قوة الجاذبية، تظهر تأثير كازيمير كذلك.

فما الذي يحدث إذا طبقنا هذا التأثير على الكون بأسره، وحاولنا حساب ما ينبغي للتأثير أن يكون عليه؟ الجواب بسيط، سنحصل على شيء يحتوي على نموذج يتفق مع الطاقة المظلمة، على الرغم من أن الحجم سيكون غير صحيح بأكمله، وهذا محتمل جداً، حيث أننا نعلم كيف تبدو الشروط الحدية للكون، أو كيفية حساب تأثير الجاذبية الكمومية بشكل جيد للغاية، ولكن هذا لا يصدق، ولكن مع ذلك، فإن هذه النظرية ذات إمكانية كبيرة وتمتلك مجالات مثيرة من التطور.

قد يتحول رسم خريطة للكون لأن يكون الجزء السهل من العملية، وربما لن تكون الاكتشافات الرصدية أو التجريبية هي من سيقودنا لفهم الطاقة المظلمة، التي تعتبر القوة الأكثر مراوغة في الكون، فربما يكون كل ما نحتاج إليه هو ببساطة عمل نظري، فربما تكون هذه المادة ذات الصلة بتتبع الوضع الشاذ، وربما تكون عبارة عن ديناميكية كمية تتغير مع مرور الوقت، وربما حتى تكون علامة على وجود أبعاد إضافية، ولكن في النهاية، فإن الكون هناك، ولم نكتشف أعمق أسراره سوى مؤخراً، ولعل الحل، إذا كنا حذرين، يكمن في الفيزياء ونحن نعلمه بالفعل.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير