التصنيفات: فضاء

هل نستطيع الولادة في الفضاء

هل تستطيع نساء البشر أن تلد في الفضاء؟ وما هي المواد اللازمة لذلك سوى معدات المشفى التقليدية؟ وهل يمكن أن يشكّل انعدام الجاذبية مشكلة بهذا الموضوع؟

تقوم ناسا بتمويل مجموعة من البرامج البحثية المخصصة لدراسة مجموعة متنوعة من جوانب الحياة في الفضاء، بما في ذلك إمكانية زراعة النباتات، والآثار الفيزيائية التي يمكن أن تسببها البيئة المنعدمة الجاذبية على جسم الإنسان, ولكن هذه التجارب ما تزال في مراحلها الأولى إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن السفر إلى الفضاء بحد ذاته يعد مفهوم جديد نسيباً.

حتى الآن لم تلد أي امرأة في محطة فضائية أو على مكوك  فضائي، ولم يحدث سابقاً أن تم إرسال امرأة حامل إلى الفضاء, ولكن بعض الدراسات قامت بإرسال فئران حوامل إلى الفضاء ليتم البحث بشكل موسّع في تطوّر الأجنّة المولودة على الأرض.

سابقاً قام الإتحاد السوفيتي في عام 1983 بإطلاق قمر صناعي يحمل بداخله أنثى فأر حامل, وبتقصي الحالة ظهر أن الرحلة كانت أصعب على الأم أكثر من الجنين, حيث عندما ولدت الفئران عند عودتها إلى الأرض كانت أقل وزناً وأضعف قليلاً من نظيراتها المولودة على الأرض، إضافة إلى أنها كانت متخلفة في نموها العقلي عن الفئران المولودة بالأرض, ولكن الفئران الصغيرة عادت إلى الحالة الطبيعية في نهاية الأمر، أما بالنسبة للأم فقد فقدت ربع الوزن الأساسي لجسمها، إضافةً لحصول تغيرات واضحة في نظامها الهرموني ونظام الغدد الصماء لديها.

ومؤخراً في عام 2001, قام عالم الأحياء (جيفري ألبرتس) من جامعة إنديانا, و(أبريل رونسا) من مركز ابحاث أميس في ناسا, بإرسال 20 أنثى من الفئران الحوامل إلى الفضاء لتحديد بعض التأثيرات التي تسببها البيئة منعدمة الجاذبية على الأجنّة, وقد أرسلت هذه الفئران في منتصف فترة حملها عندما بدأ النظام الدهليزي بالتطور لدى الأجنة (النظام الدهليزي هو عبارة عن شبكة من القنوات وكييسات ممتلئة بسائل لمفي داخلي توجد في الأذن الوسطى ومهمة النظام الحفاظ على توازن الجسم)، وقد كان الهدف من هذه التجربة محاكاة بحث سابق جرى بعام 1960 على البشر, وكان قد أظهر أن التعرض لكمية معينة من المحفزات الضوئية و الصوتية هو أمر ضروري خلال المرحلة الحاسمة من الحمل التي يتطور فيها السمع و البصر عند الجنين.

ولحسن الحظ كان وضع الأم و الجنين في هذه التجربة أفضل بكثير من التجربة التي أجريت في عام 1983, فقد كان حجم الصغار طبيعياً و تمكنت الأمهات من إرضاع الصغار ورعايتهم بشكل طبيعي, وعلى الرغم من فقدان بعض الكتلة العضلية لدى الأمهات بسبب انعدام الجاذبية، فإن هذا النقص لم يسبب مشكلة أثناء التقلصات الولادية عند الأمهات، ولكن كان هناك بعض التأثيرات الملحوظة على النظام الدهليزي لدى الصغار الذين ولدوا في الفضاء, ففي حين أن صغار الفئران المولودة على الأرض قادرة على إعادة نفسها إلى الوضع الطبيعي مباشرة عند وضعها على ظهرها في الماء, تبين أن صغار الفئران المولودة بالفضاء واجهت صعوبة بالغة بالعودة إلى الوضع الطبيعي من وضعية الاستلقاء على الظهر, حيث استطاع بعضها تحقيق ذلك بعد بذل مجهود كبير, أما ما تبقى فلم يكونوا قادرين على القيام بذلك على الإطلاق، وبعد مضي خمسة أيام من الاختبارات, أصبحت جميع الفئران الصغيرة قادرة على التدحرج, ووجد الباحثون أيضاً أن الأجهزة الدهليزية التي تقوم باكتشاف التغيّر في الزوايا، أصبحت أكثر تطوراً لدى الفئران المولودة في الفضاء, ومن المرجح أن ذلك يرجع لاضطرار أمهاتهم للدوران كثيراً في المكوك نظراً لانعدام الجاذبية.

بجميع الأحوال، فإن انعدام الجاذبية ليس السبب الوحيد الذي يجعل الولادة في الفضاء أمراً صعباً, فالغلاف الجوي الموجود على الكرة الأرضية يمنع الإشعاعات الضارة من الوصول إلينا, ولكن الذين يسافرون في الفضاء لا يمتلكون هذه الحماية.

مما تقدم نستنتج بأننا ما زلنا بعيدين جداً لمعرفة هل يمكن للبشر أن يولدوا في الفضاء أم لا, ولكن النتائج التي تم التوصل إليها حتى الآن تبدو واعدة, ولا شك بأن أول أم بشرية ستلد في الفضاء يجب أن تمتلك صحة جيدة وقدرة عالية على الاحتمال.

المقالة الأصلية 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير
الوسوم: Featured